رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

اقتصاديون لـ الدستور: مراجعة مصر لاتفاقها مع صندوق النقد خطوة لضمان استقرار اقتصادى واجتماعى

صندوق النقد
صندوق النقد

تعتبر مراجعة مصر لموقفها مع صندوق النقد الدولي خطوة حيوية في ظل التحديات الاقتصادية العالمية المتزايدة، تواجه مصر ضغوطات كبيرة نتيجة الأزمات المتعددة التي أثرت على اقتصادها، ما يتطلب إعادة تقييم العلاقات القائمة مع الصندوق لضمان توافقها مع المتغيرات الحالية، تتجلى أهمية هذه المراجعة في توفير فرصة للحكومة لتوضيح التحديات التي تواجهها، وإجراء تعديلات تتناسب مع الظروف الراهنة. 

في هذا السياق، تحدث خبراء الاقتصاد لـ"الدستور" على أهمية التعاون بين الحكومة وصندوق النقد الدولي، مشددين على ضرورة تحقيق التوازن بين الاستقرار الاقتصادي والعدالة الاجتماعية. 

وأضاف الخبراء أن العلاقة الاستراتيجية بين مصر والصندوق تعكس التزام الصندوق بدعم جهود الحكومة في التعامل مع الأزمات الاقتصادية المستمرة، مثمنين استجابة صندوق النقد الدولي لإمكانية تعديل البرنامج التي تعكس مرونة الصندوق لمتطلبات الدول الأعضاء، ما يوفر فرصة ذهبية لمصر لدعم الفئات الأكثر احتياجًا.

 خطوة استراتيجية 

بداية قال الدكتور وليد جاب الله، عضو الجمعية المصرية للاقتصاد والتشريع السياسي والخبير الاقتصادي، إن مراجعة مصر لموقفها مع صندوق النقد الدولي تمثل خطوة استراتيجية ضرورية في ظل التحديات الاقتصادية الراهنة، مشيرًا إلى أن الظروف العالمية فرضت ضغوطًا كبيرة على الاقتصاد المصري، ما يستدعي إعادة تقييم الاتفاقات السابقة مع الصندوق لضمان تكييفها مع المتغيرات الحالية.

وأكد جاب الله  في تصريحات لـ"الدستور" على أهمية الشفافية والتواصل الفعّال بين الحكومة وصندوق النقد الدولي، مشددًا على ضرورة أن تكون الإصلاحات الاقتصادية مصممة بطريقة تأخذ في الاعتبار الأبعاد الاجتماعية وتأثيرها على الفئات الأكثر احتياجًا والأسر الفقيرة.

تشجيع الاستثمارات

ويرى الخبير الاقتصادي أن هناك حاجة ماسة لتشجيع الاستثمارات المحلية والأجنبية كوسيلة لتعزيز النمو الاقتصادي وخلق فرص العمل، مضيفًا أن تعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص يجب أن يكون في صميم الاستراتيجية الاقتصادية، مع التركيز على التعليم والتدريب كمفتاح لمواجهة تحديات سوق العمل. 

واعتبر جاب الله أن الحديث على استجابة صندوق النقد الدولي لتعديل البرنامج يعكس مرونة الصندوق لمتطلبات الدول الأعضاء، ما سيوفر فرصة ذهبية لمصر لتحقيق التوازن بين الاستقرار الاقتصادي والعدالة الاجتماعية.

وقال الخبير الاقتصادي إن المراجعة الحالية والمقرر لها أن تبدأ بعد أيام خلال شهر نوفمبر 2024، تأتي في إطار تقييم مدى نجاح هذه البرامج والإصلاحات التي تم تنفيذها حتى الآن، مؤكدًا أنها تمثل فرصة للحكومة لتوضيح التحديات التي تواجهها في تحقيق الأهداف المرسومة، وفتح المجال أمام نقاش جاد حول كيفية تعديل السياسات الاقتصادية بما يتناسب مع الظروف الراهنة.

تعديل البرنامج الاقتصادي

وقال الدكتور أحمد معطي الخبير الاقتصادي إن تصريحات جورجييفا تشير إلى أن صندوق النقد الدولي منفتح على تعديل البرنامج الاقتصادي لمصر، وهذا يعني أن الصندوق يولي أهمية كبيرة للوضع الاقتصادي والاجتماعي في البلاد. 

وأكد الخبير الاقتصادي في تصريحات لـ"الدستور" أن دعوة الرئيس عبدالفتاح  السيسي للحكومة لمراجعة الاتفاق القائم بين مصر وصندوق النقد الدولي، وانحيازه لمصلحة المواطن مشيرًا إلى أهمية أن تشمل المراجعة تقييمًا للظروف الراهنة التي تتطلب من الحكومة بأن تكون مرنة في سياساتها، وأن تستجيب بسرعة للتغيرات في البيئة الاقتصادية العالمية.

وأضاف الخبير الاقتصادي أن الحكومة ستدعو إلى مراجعة شاملة للاتفاق مع صندوق النقد الدولي بما يعكس إدراكها لضرورة التكيف مع الأوضاع المتغيرة والظروف الاقتصادية الصعبة التي أثرت على مستويات المعيشة والنمو الاقتصادي.

وأشار معطي  إلى أن أحد أبرز التحديات التي تواجه مصر في الوقت الراهن ارتفاع معدلات التضخم بسبب تداعيات الأزمات العالمية، مثل جائحة كورونا وأزمة الطاقة، والتوترات الجيوسياسية بالمنطقة، ومنها الحرب على غزة ولبنان زادت من الضغوط على الاقتصاد المصري. 

 استراتيجيات جديدة

وقال إن الدولة تسعى إلى وضع استراتيجيات جديدة تدعم الفئات الأكثر تأثرًا، مثل الفقراء وذوي الدخل المحدود، وهو ما يتطلب من صندوق النقد الدولي أن يكون مرنًا في شروطه ما يدفع الحكومة إلى اتخاذ خطوات فعالة للتخفيف من الأعباء الاقتصادية على المواطنين، وخاصة الفئات المهمشة، مشيرًا إلى ضرورة أن تكون هناك سياسات واضحة تُعنى بتوزيع الدعم المالي بشكل عادل وفعال، بحيث تصل المساعدات إلى من يحتاجونها.

التحديات الاقتصادية

وقال الدكتور شريف طاهر، الخبير الاقتصادي وأستاذ الاقتصاد بأكاديمية السادات، إن تصريحات الرئيس السيسي حول إعادة النظر في البرنامج الحالي مع صندوق النقد الدولي تعكس إدراكًا عميقًا للتحديات الاقتصادية التي تواجهها مصر في هذا الوقت الصعب عالميًا.

وأضاف أن تصريحات مديرة صندوق النقد الدولي، أنها منفتحة على تعديل أي برنامج بما يتناسب مع الظروف الحالية، في إشارة إلى الاتفاق الموقع مع مصر، استجابة لدعوة الرئيس السيسي، متوقعًا أن تشهد زيارة كريستالينا جورجييفا لمصر كثيرًا من التفاهمات بين إدارة الصندوق والحكومة بهدف الوصول إلى مراجعة جيدة تحصل من خلالها مصر على الشريحة الرابعة بواقع  1.3 مليار دولار.

وأكد طاهر أن هذه الخطوة يجب أن تُعزز بإجراءات مصاحبة تخفف من آثارها السلبية على الفئات الأكثر فقرًا من خلال زيادة برامج الحماية الاجتماعية والتي تقدر بنحو 630 مليار جنيه خلال العام المالي الحالي.

ويرى الخبير الاقتصادي أن هناك رغبة من إدارة الصندوق في تقييم شامل للوضع الاقتصادي المصري قبل اتخاذ قرارات التمويل،  مشددًا على أهمية الوفاء بالتزامات البرنامج لضمان تدفق الاستثمارات، والدعم المالي اللازم لتحقيق الاستقرار الاقتصادي.

وأكد طاهر على ضرورة تعزيز التعاون بين الحكومة وصندوق النقد الدولي، وتبني سياسات اقتصادية مرنة تسهم في مواجهة التحديات الراهنة مع الحفاظ على استقرار الأسعار وتحسين مستوى المعيشة للمواطنين.

توضيح مهم

وقال محمد جاب الله الخبير الاقتصادي ورئيس قطاع تنمية الأعمال والاستراتيجيات، إن مراجعه مصر الموقف مع صندوق النقد الدولي تتطلب توضيحًا مهمًا، حيث لا تعني هذه المراجعة إلغاء الاتفاقية بالكامل، بل تركز على تعديل شروطها، وخاصةً تلك المتعلقة بإلغاء الدعم. لقد وصل الوضع إلى مرحلة يصعب فيها على المواطنين تحمل شروط الصندوق، التي تؤدي في معظمها إلى زيادة الأسعار والغلاء، ما أصبح لا يُطاق.

وأضاف يجب مراعاة البعد الاجتماعي في أي اشتراطات جديدة، حيث يتعين توفير حياة كريمة للمواطنين تضمن لهم الحفاظ على مستوى معيشتهم. حاليًا، يعاني المجتمع من انقسام واضح بين طبقتين: طبقة لا تشعر بالتأثيرات السلبية للأزمات، وأخرى تجد نفسها غير قادرة على مواجهة التحديات اليومية.

وقال إن الحكومة تحاول بناءً على توجيهات رئيس الجمهورية، بحث إمكانية تعديل المدة الزمنية للإصلاحات الاقتصادية مع صندوق النقد الدولي، في مسعى لحماية ما تبقى من الحياة الاجتماعية للمواطنين، التي أصبحت بالفعل غير محتملة.

استراتيجية ومعقدة

وقال هاني أبوالفتوح، الخبير المصرفي، إن العلاقة بين مصر وصندوق النقد الدولي تعد استراتيجية ومعقدة، حيث تتداخل فيها المصالح الوطنية مع الشروط الدولية. هذه العلاقة، التي تمتد عبر عقود، شهدت تغيرات وتطورات ملحوظة، خصوصًا في السنوات الأخيرة، في ظل التحديات الاقتصادية العالمية المتزايدة، والتغيرات الهيكلية التي تمر بها مصر، يصبح من الضروري فهم تأثير هذه العلاقة على الاقتصاد والمجتمع المصري.

وأضاف أبوالفتوح في تصريحات لـ"الدستور" العلاقة بين مصر وصندوق النقد تتجاوز البعد المالي لتشمل أبعادًا سياسية واجتماعية واقتصادية متنوعة، موضحا أن صندوق النقد الدولي يمثل مصدرًا رئيسيًا للتمويل الخارجي لمصر، حيث تقدم البرامج التي يمولها الصندوق السيولة اللازمة لسد العجز في الموازنة وتعزيز الاحتياطيات النقدية ومع ذلك، يرتبط الحصول على هذه التمويلات بتنفيذ برامج إصلاحية تهدف إلى تحسين كفاءة الاقتصاد. عادة ما تشمل هذه البرامج إجراءات تقشفية وإصلاحات هيكلية تهدف إلى تعزيز الأداء الاقتصادي.

وأوضح الخبير المصرفي أن هذه العلاقة تتطلب النظر إلى الشروط السياسية المرتبطة ببرامج صندوق النقد، حيث تثير المخاوف حول السيادة الوطنية، موضحًا شروط الصندوق يمكن أن تفرض قيودًا على السياسات الاقتصادية المتبعة من قبل الحكومة، ما يؤدي إلى تحديات إضافية في إدارة هذه العلاقة.

وأضاف أبوالفتوح أن العلاقة بين مصر وصندوق النقد الدولي تواجه العديد من التحديات، من أبرز هذه التحديات هو التضارب بين الأهداف قصيرة الأجل التي تسعى الحكومة لتحقيقها، مثل الاستقرار الاجتماعي، والأهداف طويلة الأجل التي يركز عليها الصندوق، مثل تحقيق الاستدامة المالية. قد تؤدي البرامج الإصلاحية المطلوبة إلى زيادة معدلات البطالة والفقر، ما يؤثر سلبًا على الأوضاع المعيشية للمواطنين.

وأشار إلى أنه للتعامل مع هذه التحديات، يجب على الحكومة المصرية تعزيز الشفافية والحوار المستمر مع صندوق النقد الدولي والمؤسسات الدولية الأخرى ما يساهم في تبادل وجهات النظر وبناء الثقة بين الجانبين، كما ينبغي زيادة الشفافية في عملية اتخاذ القرارات من خلال نشر المعلومات والبيانات الاقتصادية بشكل دوري، وتعزيز المشاركة المجتمعية.

وأضاف أنه يجب تسريع وتيرة الإصلاحات الهيكلية مع التركيز على تحسين كفاءة الاقتصاد، يتطلب ذلك تنفيذ إصلاحات في قطاعات حيوية مثل الطاقة وقطاع الأعمال العام، بالإضافة إلى تبسيط الإجراءات. من المهم أيضًا مراعاة الآثار الاجتماعية لهذه الإصلاحات وتوفير برامج حماية اجتماعية للطبقات الأكثر ضعفًا، مضيفًا من الضروري كذلك تنويع مصادر التمويل، وعدم الاعتماد فقط على صندوق النقد الدولي. ينبغي البحث عن مصادر تمويل أخرى مثل الأسواق المالية الدولية والاستثمارات الأجنبية المباشرة، بالإضافة إلى تعزيز التعاون مع المؤسسات المالية الإقليمية والدولية.

وأشار إلى أنه يجب دعم القطاع الخاص عبر تحسين بيئة الأعمال من خلال تقليل البيروقراطية، وتوفير الحماية القانونية للمستثمرين. تشجيع الاستثمار الأجنبي المباشر يتطلب أيضًا توفير حوافز استثمارية وتبسيط الإجراءات، موضحًا أنه يجب حماية الفئات الضعيفة من خلال برامج الدعم الاجتماعي، مثل البرامج النقدية والتدريب المهني، لضمان تخفيف الآثار السلبية للإصلاحات الاقتصادية. يتطلب ذلك توجيه الدعم الحكومي بشكل فعّال إلى الفئات المستحقة لضمان وصول المساعدات إلى من يحتاجون إليها حقًا.