رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الأزمات مفرزة الرجال


انقضت أو تكاد أزمة مباراة السوبر المصرى التى استضافتها ملاعب دولة الإمارات، بل وانتهت البطولة ذاتها ليفوز من فاز ويتعثر من تعثر. مرت الأزمة وتركت ندبات على وجه الكرة المصرية وجب على المسئولين الرياضيين إعادة النظر فيها لإصلاح المنظومة الكروية، بل والرياضية كلها. لا أتحدث فقط عن المنظومة فى شقها المالى الذى لا يراعى العدالة بين الرياضات المختلفة فلا يساوى بين اللعبات وفق الجهد أو العطاء، لكنها اكتفت بأن تكون شعبية اللعبة- أى لعبة- هى المعيار الوحيد للتقييم وللمنح أو المنع.
ما أتحدث عنه هو وجوب التدخل من قيادات ومخططى المنظومة الرياضية كلها بسرعة لضبط إيقاع اللعبة الأكثر شعبية وهى كرة القدم. أمور اللعبة تحتاج لإعادة ضبط مصنع داخل الملاعب وخارجها من النواحى المالية والإدارية واللائحية. ولحسن الحظ فإننا على أعتاب انتخابات شاملة داخل الاتحادات الرياضية، وكرة القدم فى القلب منها، ويا ليت الجمعية العمومية للاتحاد تأتينا بالوجوه المقبولة شعبيًا والناجحة إداريًا والقادرة تنظيميًا والمرتبة ذهنيًا لتتمكن من إنجاز مهمة الانضباط سريعًا، وبكفاءة نحن فى أمّس الحاجة إليها.
كما اعتدنا فإن فى كل أزمة يمر بها الإنسان هناك وجه آخر إيجابى يمن به علينا الخالق فلا تمر المحنة دون منحة. ووسط ما جرى فى أزمة لاعبى نادى الزمالك وتطوراتها إلى أن انطفأت نيرانها أو تكاد، كانت هناك صورة إيجابية جدًا لمعادن المصريين فى الداخل والخارج. هناك مثلًا من نسى انتماءه الرياضى وقرر دعم مواطنيه فى أزمتهم حتى لو كانوا من الفريق المنافس، هناك من نصح بتأجيل المحاسبة لحين العودة إلى أرض الوطن، فداخل البيت لنا أن نعاقب من أساء بما يستحق. وهناك فئة ثالثة آثرت الصمت حتى تنتهى الأزمة فلا تتسبب كلمتهم فى صب مزيد من الوقود فوق النار التى يحاول البعض إشعالها. 
كان هناك أيضًا من استشعر كامل المسئولية وأدرك دوره المفترض عليه القيام به بحكم وطنيته مستثمرًا قوة علاقاته بالإخوة فى الإمارات العربية الشقيقة، مقدّرًا بحس سياسى عال أن علاقات الأخوّة لا تعنى الجور على حقوق المضيف بعدم احترام قوانينه المنظمة أو التجاوز عن مخطئ حتى ولو كان يحمل نفس جنسيتك. فعل ذلك مواطن مصرى بدرجة نائب فى مجلس الشيوخ، وأدى دوره كنائب منتخب عن المصريين فى الخارج بكفاءة عالية ودون ضجيج. ذلك هو النائب محمد توفيق الجمل عضو مجلس الشيوخ المصرى المنتخب، وهو الرجل الذى يعمل بالقانون فى دولة الإمارات منذ سنوات بعيدة، ولديه دائرة واسعة من العلاقات المحترمة هنا وهناك سمحت له بأن يكون الجندى المجهول فى حل الأزمة دون دعاية وبلا ضجيج.
حين تسربت إلى معلومة بدوره الخفى الذى لعبه لتهدئة الأمور وعدم تصعيدها إلى الحد الذى يُنذر بالخطر على مستقبل اللاعبين المتسببين فى الأزمة تملكتنى ثقة كبيرة أن الأزمة تتجه إلى الحل، وحين استشعرت قرب حلها أرسلت إليه محييًا وشاكرًا دوره، فإذا به يرد على مندهشًا: «عرفت منين؟ أنا ما قلت لأحد»، وهكذا تكون مواقف الرجال الصادقين، فهم لا ينتظرون ثناء ولا يتوقعون مديحًا ولا يسعون إلى إطراء، ولكنه واجب مفترض على المنصفين أن يؤدوه، وفرض علينا أن نحييهم عليه لحث غيرهم على اتخاذ نفس المواقف إذا ما فرضت عليهم ذات الظروف من جديد.
لست بصدد تقييم الأزمة فهناك بالتأكيد من الجهات من يهتم بهذا الملف ويدرس كيفية تجاوز تداعياته حاليًا، بل وتجنبه مستقبلًا. لكننى بصدد إلقاء الضوء على جهد خفى ودور مشكور لمواطن مصرى أدرك أن علاقات الدول لا ينبغى أن تتأثر بموقف عابر، ولا يمكن أن يتم استغلالها لإهالة التراب على علاقات ود وتعاون وأخوة وشراكة استراتيجية ممتدة لعشرات السنين، وستستمر إن شاء الله بفضل حكمة قيادتى البلدين الشقيقين وتقديرهما لحجم التحديات المحيطة بالمنطقة كلها، وتأكدهما أن تمتين العلاقات الثنائية هى النموذج المفترض أن تحتذى به كل الدول الشقيقة حيث لا تؤثر فيها أزمة مفتعلة أو مواقف عنترية أو نفخ فى كير يقوم به الجهلاء أو المغرضون.
تحية لجهد هذا النائب، بل المواطن الوطنى وتحية لمن سبق أن أقنعه ليكون نائبًا عن المصريين فى الخارج فواتته الفرصة ليقوم بدوره نحو ناخبيه ويؤدى واجبه نحو وطنه ويثبّت- مع من تدخل من المسئولين فى الجانبين- أسس علاقات متينة وأخوة صادقة حاول البعض العبث بها واستغلال حماس جمهور لا يرى من الألوان إلا الأبيض أو الأحمر، متناسيًا أنهما ومعهما اللون الأسود يشكلون جميعًا ألوان علمنا الوطنى.