رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ترامب الشعبوى وهاريس الطموحة

استطاع الحزب الديمقراطى الأمريكى أن يفلت من فخ الانتحار الانتخابى، الذى دخل إليه بقدميه عندما دعم بايدن مرشحًا فى مواجهة الجمهورى الشعبوى ترامب، وبينما اعتقدنا أن الرصاصة التى مست أذن ترامب هى رصاصة الرحمة ليموت الحزب الديمقراطى انتخابيًا قبل بدء الانتخابات، إلا أنه استيقظ من تحت الرماد بإعلان بايدن الانسحاب من الماراثون الانتخابى ودعمه كامالا هاريس، التى كانت سيناتورًا عن ولاية كاليفورنيا فى مجلس الشيوخ، بايدن رأى أن تحل هاريس محلّه لخوض الانتخابات المقررة فى نوفمبر لتولى الرئاسة لولاية ثانية للحزب الديمقراطى.
ما زال الملعب مفتوحًا لاسم ديمقراطى جديد يمكن له أن يقفز ليكون مرشحًا منافسًا لترامب، وتعتبر هاريس حتى هذه اللحظة هى مرشحة بايدن للرئاسة وليست مرشحة الحزب، حيث تسعى هاريس الآن نحو اعتماد ترشيحها من حزبها لخوض الانتخابات الرئاسية.
لم ينتظر ترامب كثيرًا بعد إعلان اسم هاريس وانسحاب بايدن وقام بهجوم حاد على الرئيس الديمقراطى جو بايدن ونائبته كامالا هاريس، وكتب فورًا على شبكته الاجتماعية تروث سوشيال: "جو بايدن لم يكن مؤهلًا لأن يكون مرشحًا للرئاسة، وبالتأكيد ليس مناسبًا للخدمة فى المنصب"، وأضاف: "من سيختاره الآن سيكون مماثلًا"، أما جاى دى فانس، الذى اختاره ترامب نائبًا له، فقد اعتبر أن هاريس "رافقته"- يقصد بايدن- طوال فترة ولايته وهى "مسئولة عن كل هذه الإخفاقات، وقد كذبت لما يقرب من أربع سنوات بشأن قدرات بايدن العقلية"، وكذلك فريق حملة ترامب دخل على خط الهجوم بقوله إن كامالا هاريس ستكون "أسوأ" بالنسبة للبلاد من الرئيس بايدن.
وإذا كانت هذه هى تصورات الجمهوريين للمرشحة الأوفر حظًا عند الديمقراطيين لخوض انتخابات الرئاسة، فهل معنى ذلك أن المعركة قد تم حسمها لصالح ترامب؟، الحقيقة هى أن الملعب الانتخابى الأمريكى لا يخلو من المفاجآت، وأن مؤشرات قياس الرأى العام هناك ومعظمها يكون على صواب، تراوحت مؤخرًا ولم تعط الأفضلية المطلقة لـ ترامب، وكان بايدن رغم سوء إدارته- من وجهة نظرنا كعرب- إلا أنه وقبل المناظرة الشهيرة مع ترامب كان منافسًا مزاحمًا، وجاءت المناظرة وبعدها رصاصة الأذن ومن بعدهما إصابته بـ كورونا لتذهب به وبالحزب الديمقراطى إلى نقطة متدنية في المنافسة.
وبالرغم من طرح أسماء عدد من حكام الولايات كمرشحين محتملين للحزب الديمقراطى إلا أن نائبة الرئيس كامالا هاريس ستبقى هى الخيار الأكثر اقتناعًا لدى الحزب، وذلك لاعتبارات فنية منها أن هاريس هى التى جاورت بايدن طوال فترة حكمه منذ أدائه اليمين الدستورية فى 2021.
كما أن هاريس، البالغة 59 عامًا، هى ابنة لأب جامايكى وأم هندية، وكانت أول شخص أسود وأول امرأة تشغل منصب المدعى العام لولاية كاليفورنيا، كما كانت أول عضو فى مجلس الشيوخ الأمريكى من أصول جنوب آسيوية. وهى الآن أول امرأة وأول سوداء تتولى منصب نائب الرئيس، هذا التباين من شأنه تجميل صورة أمريكا كبلد يقبل التنوع، ولكن تقف أمام هاريس ثغرة يشير إليها بعض الديمقراطيين الذين وجّهوا انتقادات لسجل عقوباتها الصارمة للمخالفين القصر، معتبرين أنها تؤثر بشكل غير متناسب على الأقليات، وهذا ما يشجع عددًا من حكام الولايات للطمع فى ترشيح الحزب الديمقراطى، ولكننا بشكل عام نشهد حدثًا تاريخيًا بانسحاب بايدن، لأنه لم يحدث له مثيل فى تاريخ الانتخابات الأمريكية سوى مرة واحدة فى ستينيات القرن الماضى.