رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المناظرة التى عرَّت ما كان ظاهرًا!

"هذه كارثة".. كانت هذه العبارة تعليقًا من ثلاثة مسئولين ديمقراطيين مخضرمين في الحملة الرئاسية الأمريكية، وكان لديهم جميعًا نفس رد الفعل على أداء بايدن، خلال النصف ساعة الأولى من المناظرة، بين الرئيس الحالي، جو بايدن، والمرشح، دونالد ترامب.. وبحلول نهاية المناظرة، بدأ مستوى قلق هؤلاء الديمقراطيين والعديد من قادة الحزب الآخرين والناشطين في التزايد.. وتحول النقاش بشكل مباشر إلى حاجة الحزب الديمقراطي إلى استبدال بايدن كمرشح لعام 2024، مع بقاء أربعة أشهر على الانتخابات، وكيفية تحقيق ذلك.. هل يستطيع الرئيس السابق، باراك أوباما إخراجه من السباق؟.. هل يمكن لتشاك شومر، زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ وصديقه القديم فعل ذلك؟.. لكن معظم الديمقراطيين اتفقوا على أن جيل بايدن وعائلة الرئيس، ومساعديه المقربين منذ فترة طويلة، هم وحدهم الذين يمكنهم إقناع بايدن بإعادة النظر في دخول السباق الرئاسي.
ومع أن الديمقراطيين تعهدوا بايدن بالاستعداد لهذه المناظرة، من خلال جلساته في كامب ديفيد ـ لمدة خمسة عشر يومًا ـ مع أكثر من ثلاثة عشر خبيرًا في الحملات الرئاسية والمناظرات.. لم يكن الأمر فقط أن بايدن لم يلمس بقفازيه وجه ترامب بشأن الاقتصاد، أو قضية الإجهاض، أو الضرائب، أو المزاج أو أي شيء آخر كان يُطرح في المناظرة.. كان صوت بايدن "منخفضًا وضعيفًا" وتعبيرات وجهه "مُجمدة، فم مفتوح، بضع ابتسامات"، مع إجابات كانت مشوشة أو غامضة، أو انتهت بالارتباك.. مما أعطى ترامب فرصة ليقول متهكمًا على بايدن، "أنا حقًا لا أعرف ما قاله في نهاية تلك الجملة.. لا أعتقد أنه يعرف ما قاله أيضًا".. ومع أن بايدن أكبر من ترامب بثلاث سنوات فقط، لكنه بدا أكبر بعشرين عامًا، وقد قال أحد مسئولي اللجنة الوطنية الديمقراطية قبل المناظرة، إن عمر بايدن كان أكبر مشكلة للديمقراطيين، وكتب رسالة نصية ليلة المناظرة، "لقد سارت الأمور من سيئ إلى أسوأ".. وقال ثانٍ، إن بايدن بدا خائفًا خلال المناظرة وهو يستمع إلى ترامب.. وقال ثالث، إنه كان أداء "إمبراطور ليس لديه ملابس".. بينما قال الأخير عن الأداء بشكل عام: "لا تسأل".. وكتب فرانك لونتز، المشرف المخضرم في مجموعة التركيز المباشرة مع الناخبين خلال المناظرة، عن ردود أفعالهم بعد النصف ساعة الأولى من المناظرة: "المجموعة منزعجة للغاية من صوت بايدن ومظهره، لكنهم يزدادون جنونًا وجنونًا من هجمات ترامب الشخصية على بايدن"، وكانوا يرون أنه "إذا تحدث ترامب أقل، فسوف يفوز.. إذا لم يتوقف بايدن عن الكلام، فإنه يخسر".. بعد انتهاء المناظرة، كتب لونتز: "اثنا عشر من أصل أربعة عشر يقولون، إنهم يميلون الآن إلى ترامب.. هذه كارثة كاملة للديمقراطيين".
قناة CNN، مُنظمة المناظرة، أكدت- بعد انتهاء أحداثهاـ  ضرورة تغيير الديمقراطيين لشخص بايدن، بآخر يمكنه منافسة ترامب، وانبرت صحيفة نيويورك تايمز، عبر كُتابها بالدفع نحو عدم صلاحية بايدن لخوض الانتخابات التي تنعقد في نوفمبر المقبل.. إذ رأى باتريك هيلي، أن خطر رئاسة ترامب الثانية هو بالضبط ما يغذي ذعر الديمقراطيين، الذين يقولون إنه يجب إيقاف ترامب.. يجب على المرشح الديمقراطي إيقافه.. وما رأيناه ليلة الخميس- يقصدون بايدنـ كان رئيسًا ديمقراطيًا لم يستطع الرد بشكل فعال على ترامب أو تقديم سطر لا ينسى، حتى عندما قال بحق عن ترامب، "شيء ما انفجر فيك عندما خسرت آخر مرة".. وقال عديدون إن بايدن مضطر إلى الانسحاب، وأن الحكام، جافين نيوسوم، وآندي بيشير، وجريتشن ويتمير، وجوش شابيرو، بحاجة إلى السعي للحصول على الترشيح في مؤتمر مفتوح.. بينما قال أحدهم، إن نائبة الرئيس بايدن، كامالا هاريس، كانت لاعبًا رئيسيًا وصوتًا الآن في أي نتيجة، ولكن لا يُفترض أنها ستكون مرشحة ما بعد بايدن.. ولم ينصح أي من الديمقراطيين بالصبر، أو قال إن النقاد أو رد الفعل الفوري كان خارج القاعدة.. لكننيـ يقول باتريك هيليـ "أدرك كيف تتغير الأمور.. كان هناك قلق بعد أداء أوباما السيئ الأول في المناظرة ضد ميت رومني عام 2012.. كانت هناك ثقة في أداء هيلاري كلينتون في المناظرة ضد ترامب عام 2016.. هناك أربعة أشهر قبل الانتخابات، ويمكن للمرشحين التعافي.. ترامب هو ترامب، لديه متسع من الوقت لإلحاق الضرر بنفسه".
في نفس الصحيفةـ نيويورك تايمزـ  قال توماس فريدمان، إنه شاهد مناظرة بايدن وترامب وحده في غرفة فندق بلشبونة، وجعلته يبكي.. "لا أستطيع أن أتذكر لحظة مفجعة أكثر في سياسات الحملة الرئاسية الأمريكية في حياتي، على وجه التحديد بسبب ما اكتشفته: جو بايدن، الرجل الطيب والرئيس الجيد، ليس لديه قدرة لإعادة انتخابه.. ودونالد ترامب، الرجل الخبيث والرئيس التافه، لم يتعلم شيئًا ولم ينس شيئًا.. إنه نفس خرطوم النار من الأكاذيب الذي كان دائمًا، مهووسًا بمظالمه.. ليس قريبًا مما يتطلبه الأمر لأمريكا لقيادتها في القرن الواحد والعشرين".. ولهذا، يجب أن تجتمع عائلة بايدن وفريقها السياسي بسرعة، وأن يجروا أصعب المحادثات مع الرئيس، محادثة حب ووضوح وعزم، لإعطاء أمريكا أكبر فرصة ممكنة لردع تهديد ترامب في نوفمبر.. يتعين على الرئيس أن يتقدم ويُعلن أنه لن يترشح لإعادة انتخابه، وأنه سيطلق سراح جميع مندوبيه في المؤتمر الوطني الديمقراطي.. وإذا كان لدى قادة الحزب الجمهوري ذرة من النزاهةـ يقول فريدمانـ سيطالبون بنفس الشيء، لكنهم لن يفعلوا، لأنهم لا يفعلون ذلك.. وهذا يجعل الأمر أكثر أهمية، أن يضع الديمقراطيون مصالح البلاد أولًا، وأن يعلنوا أن عملية عامة تبدأ لمرشحين ديمقراطيين مختلفين للتنافس على الترشيح.. قد يكون الأمر فوضويًا، وفوضويًا أكثر عندما يبدأ المؤتمر الديمقراطي في التاسع عشر من أغسطس في شيكاغو، لكن تهديد ترامب خطير بما فيه الكفاية، بحيث يمكن للمندوبين الالتفاف بسرعة حول مرشح بالإجماع.
إذا أرادت نائبة الرئيس، كامالا هاريس المنافسة، فعليها ذلك.. لكن الناخبين يستحقون عملية مفتوحة، بحثًا عن مرشح رئاسي ديمقراطي، يمكنه توحيد، ليس فقط الحزب، ولكن أيضا البلاد، من خلال تقديم شيء لم يفعله أي من الرجلين على مسرح أتلانتا ليلة الخميس: وصف مقنع لما هو عليه العالم الآن ورؤية مقنعة لما يمكن لأمريكا، ويجب عليها فعله لمواصلة قيادتها، أخلاقيًا، اقتصاديًا ودبلوماسيًا.. لأن هذا ليس فصلًا عاديًا للتاريخ الذي نحن فيه.. نحن في بداية أكبر الاضطرابات التكنولوجية وأكبر اضطراب مناخي في تاريخ البشرية.. نحن في فجر ثورة الذكاء الاصطناعي التي ستغير كل شيء للجميع.. كيف نعمل، وكيف نتعلم، وكيف نعلم، وكيف نتاجر، وكيف نخترع، وكيف نتعاون، وكيف نخوض الحروب، وكيف نرتكب الجرائم، وكيف نحارب الجرائم، مع أن أيًا  من الرجلين لم يأتي على عبارة "الذكاء الاصطناعي" في المناظرة.
إذا كان هناك وقت يحتاج فيه العالم إلى أمريكا في أفضل حالاتها، بقيادة أفضل ما لديها، فهو الآن، لأن المخاطر والفرص الكبيرة قادمة علينا الآن- يقول فريدمان ـ كان من الممكن أن يكون بايدن الأصغر سنًا هو هذا القائد، لكن الوقت قد لحق به أخيرًا.. وكان ذلك واضحًا بشكل مؤلم ولا مفر منه يوم الخميس.. ولكن إذا توج رئاسته الآن، بالاعتراف بأنه بسبب عمره لن يصل إلى فترة ولاية ثانية، فإن فترة ولايته الأولى والوحيدة ستُذكر باعتبارها من بين أفضل الرئاسات في تاريخنا.. لقد أنقذنا من فترات ترامب المتتالية، ولهذا وحده يستحق وسام الحرية الرئاسي، لكنه سن أيضًا تشريعات مهمة حاسمة لمواجهة ثورات المناخ والتكنولوجيا التي تواجهنا الآن.
كان بايدن صديقًا لي منذ أن سافرنا إلى أفغانستان وباكستان معًا، بعد الحادي عشر من سبتمبر 2001، عندما كان رئيسًا للجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، لذلك "أقول كل ما سبق بحزن شديد".. كنت على استعداد لإعطاء بايدن فائدة الشك حتى الآن، لأنه خلال الأوقات التي تعاملت فيها معه، واحدًا تلو الآخر، وجدته مؤهلًا لهذا المنصب.. من الواضح أنه لم يعد كذلك.. كان على عائلته وموظفيه أن يعرفوا ذلك.. لقد كانوا مختبئين في كامب ديفيد استعدادًا لهذا النقاش الهام لعدة أيام حتى الآن.. إذا كان هذا هو أفضل أداء يمكن أن يخرج منه، فعليه أن يحافظ على كرامته ويغادر المسرح في نهاية هذه الولاية.. إذا فعل ذلك، فسوف يشيد الأمريكيون العاديون بجو بايدن، لفعله ما لن يفعله دونالد ترامب أبدا: وضع البلاد قبل نفسه.. إذا أصر على الترشح وخسر أمام ترامب، فلن يتمكن بايدن وعائلته وموظفوه وأعضاء حزبه الذين مكنوه، من إظهار وجوههم.. إنهم يستحقون ما هو أفضل.. إن أمريكا تحتاج إلى ما هو أفضل.. العالم بحاجة إلى ما هو أفضل.
■■ وبعد..
نعم العالم بحاجة إلى ما هو أفضل من بايدن وترامب، اللذين اختلفا، خلال المناظرة الرئاسية على كل شيء كان مطروحًا فيها، ولكنهما اتفقا على قتل الشعب الفلسطيني، كلٌ على طريقته.. منهما من رأي أن قتل عشرات الآلاف من الفلسطينيين في قطاع غزة يجب أن يكون على المدى الطويل، بينما رأى الآخر ضرورة الإسراع في الإجهاز على هذا الشعب الأعزل، والقضاء على حياته قبل أحلامه.. العالم في حاجة إلى ما هو أفضل من أمريكا نفسها، التي تكيل بمكيالين، تلك التي تدعي حقوق الإنسان، وهي أول من جار على هذه الحقوق في الأرض الفلسطينية المحتلة، عندما أصبحت شريكًا أساسيًا للكيان الصهيوني الغاصب، في كل جرائم القتل والإبادة والتدمير والتجويع والتنكيل.
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.