رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الجرح السودانى

ما يشهده السودان منذ أكثر من عام هو كارثة بكل المقاييس، لا يكفي أن نقول بأن هذا هو حصاد البشير وتحالفاته المريبة مع الإخوان المتأسلمين المعروفين شعبيًا في السودان باسم "الكيزان"، لا يكفي أن نشير إلى ذلك ونصمت، صحيح أن أزمة السودان جاءت في توقيت بالغ الصعوبة مع اشتعال الحرب في غزة واتجاه كل العيون نحو معبر رفح، ولكن من هم في غزة بشر ومن هم في السودان بشر أيضًا، لذلك أتعجب من غياب قوافل المساعدات ومن التعامل خفيف الوزن عالميًا وإفريقيًا وعربيًا.
أزمة السودانيين الذي لجأوا إلى البلاد المجاورة تهون أمام أزمة من هم بالداخل، صرنا نصحو على مذبحة وننام على أخرى، وما يزيد الأمر مرارة هو أن القاتل والمقتول أبناء دم واحد وهم واحد وحلم واحد، فما الذي حدث إلى ضمائر أصحاب القرار؟. 
تقديرات غير رسمية تقول إن خسائر الدمار الذي لحق بالبنية التحتية والمنشآت العامة منذ بداية الحرب في السودان تتراوح بين 120 إلى 150 مليار دولار حتى الآن، أما العملة الوطنية وهي الجنيه السوداني فقد أوشكت على الانهيار إن لم تكن انهارت بالفعل حيث وصل سعر الدولار الواحد حاليًا فوق 1800 جنية مقارنة مع 600 جنيه قبل اندلاع الحرب، أي ثلاثة أضعاف قيمته قبل الحرب.
وما يزيد الجرح السوداني إيلامًا هو الاعتداء على البنية الأساسية للدولة، تلك البنية التي دفع ثمنها الآباء من أجل مستقبل الأبناء تضيع الآن أمام عيون الجميع ولا مغيث لها، ضرب البنية الأساسية شكل خسارة بالمليارات فضلًا عن أن مرادف خسارتها يعني عودة السودان إلى ما قبل التاريخ، وآخر لقطة من العمليات التي تشبه هذا النوع من الاعتداء هو ضرب محطة بحري الحرارية التي تسهم بنحو 17% من إنتاج البلاد للكهرباء والمقدر بنحو 1900 ميجاوات، حيث تعرضت تلك المحطة الأسبوع الماضي لحريق هائل دون أن تعلن أي جهة مسئوليتها عنه.
إذا كانت الطاقة هي محرك الحياة فقد ذهبت بعض التقارير إلى التأكيد على أن 
السودان فقد أكثر من 70% من طاقة إنتاج الكهرباء، والتي كانت أصلًا تغطي فقط نحو 60% من احتياجات البلاد المقدرة بـ3500 ميجاوات.
هذه الخسائر المؤلمة جعلت معظم أحياء الخرطوم تعيش في ظلام كامل، وما يستتبع ذلك من انهيار تام للخدمات الصحية الكبيرة، وارتفاع غير طبيعي لمعدلات الوفاة، وإذا كان الكلام هنا يخص حالات الوفاة الناتجة عن تقدم العمر أو الأمراض، هناك ملف آخر متخم يضم ضحايا الحرب من المدنيين والوفيات بفعل القتال والذين قدرتهم بيانات الأمم المتحدة بأكثر من 16 ألف حالة وفاة، وعشرات الآلاف من الجرحى.
وتبقى البنية التحتية للسودان مفعول بها إلى حد الخراب، بالأرقام حسب ما ذكرت سكاي نيوز نجد أن القصف الجوي والمدفعي قد ألحق دمارًا جزئيًا وكليًا بنحو 15% من المباني السكنية و40% من الأسواق و60% من المباني والمنشآت الحيوية بالعاصمة، والعجيب هو أن من بين الأبنية المدمرة نجد القصر الرئاسي وأجزاء من القيادة العامة للجيش وعدد من المتاحف والمباني التاريخية والوزارات والهيئات الحكومية والخاصة التي احترق بعضها بالكامل.
كما تعرضت أكثر من 70% من المدارس والجامعات والمعاهد والكليات العليا الحكومية والأهلية في الخرطوم لتخريب كلي أو جزئي، وخروج أكثر من 80% من المستشفيات عن الخدمة تمامًا، وقدر وزير الصحة حجم التمويل اللازم لإعادة تأهيل القطاع بنحو 11 مليار دولار، وعن البنية الصناعية حسب بيانات اتحاد أصحاب العمل السوداني نجده قد فقد نحو 80% من وحداته الإنتاجية بعد الأضرار الكلية والجزئية التي لحقت بأكثر من 600 مصنع، منها 400 في الخرطوم وحدها، ونظرًا لارتباط البنوك بكل الأنشطة التي من شأنها أن تشير إلى حياة في البلاد نلاحظ أنه بعد الحرب خرج من الخدمة أكثر من 70% من فروع البنوك العاملة في البلاد والبالغ عددها 39 بنكًا حكوميًا وتجاريًا، وهو ما يعني الشلل شبه التام للسودان، وهذا أمر يضع المجتمع الدولي بأسره في مرمى الاتهام لعدم تدخله الجاد لوقف هذه الحرب التي هي في الحقيقة مهزلة مأساوية مكتملة الأركان.