رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عبدالحليم قنديل: المرشد مهدى عاكف وصف المطالبين بإسقاط مبارك بـ«قلالات الأدب» 2

عبدالحليم قنديل
عبدالحليم قنديل

- قال إن مشاركة الجماعة فى مظاهرات ٢٥ يناير كانت شكلية

- مصر تحولت فى الفترة من ٢٥ يناير لـ٣٠ يونيو من عقم الخيال إلى خصوبة التفكير

- خيرت الشاطر لم يحضر أى اجتماع مع القوى السياسية وكان يجلس فى «غرفة الفئران» باعتباره رجلًا غامضًا

 

قال الكاتب الصحفى عبدالحليم قنديل إن جماعة الإخوان كانت ترفض رحيل الرئيس الأسبق حسنى مبارك، ورفضت المطالبة بذلك خلال بيانات حركة «كفاية» التى دعت إلى رحيل النظام، لدرجة أن المرشد السابق للجماعة مهدى عاكف قال للقوى السياسية: «مش كفاية بتشتموا مبارك ده أنتم قلالات الأدب».

وأضاف «قنديل»، خلال الجزء الثانى من حواره مع الإعلامى الدكتور محمد الباز، عبر برنامج «الشاهد» المذاع على قناة «إكسترا نيوز»، أن «الإخوان» استنسخت نفس أداء نظام مبارك، بل إنها طبّعت مع الفساد، معتبرًا أن أكبر عدو لحكم الجماعة كان الإخوان أنفسهم فى ظل ضيق أفقهم وعقم تفكيرهم.

وبيّن أن ثورة ٣٠ يونيو لم تكن ضد الإخوان فى مصر فحسب، بل إنها امتدت لتشمل النسخ الإخوانية فى جميع الأقطار العربية، حيث هبت الشعوب للثورة عليها بسبب رجعيتها وأدائها المتخلف.

■ متى بدأت ترى أن نظام الإخوان لا بد أن يرحل؟

- من قبل أن ينشأ، كنت أقول إن هذا البلد الذى يبدو هادئًا كسطح النيل، فيه آبار غضب جوفية تكفى لصنع ألف ثورة، وهذا ما جعلنى أقول فى ٢٠٠٧ إن «مبارك» سيرحل، وفى كتاب «الأيام الأخيرة» قلت «مبارك هيمشى، ودعونا نتأمل ما بعد فترة حكمه».

وأريد أن أميز بين إزاحة الرأس وبقاء ذات النظام، والثورة التى تخيلتها هى ما جرت، ووفقًا لتقديرى فإن الحياة السياسية فى هذا المجتمع لا تسمح بإزاحة النظام بل الرأس.

وأنا انضممت لحزب التجمع حين كنت طالبًا عام ١٩٧٧، الذى كان المعارض الأساسى للرئيس السادات، وكان الحزب يتكون من ١٥٠ ألف مؤسس أغلبهم من الناصريين، ودار الزمن ونشأ الحزب الناصرى بـ٢٤ ألف عضو، والفرق فى العدد يدعو للتأمل، وسببه هو الفكر السياسى والتعبير عن اليسار واليمين والوسط، لكن كل هذا ذهب مع الريح، فأصبحت إزاء غبار بشرى هائل.

وكنت من مؤسسى حركة «كفاية» فى العشرية الأخيرة من حكم مبارك، وكنت أصف الحركة بأنها ريشة فى الهواء، تكمن قوتها فى فكرتها وليس فى جسدها، كلما كان الجو حارًا صعدت إلى السماء، وحاولت أن أفسر الحالة، ورأيت أن من أرادوا رحيل «مبارك»، عقلهم الجمعى لا يعرف ما يريد، ولا يوجد اتفاق بينهم فى المجمل ولا التفصيل، فالجموع التى خرجت فى يناير تريد رحيل «مبارك»، «لا عاجبها القطاع العام ولا القطاع الخاص»، هذه حالة وثورة احتجاجية، وليست ثورة كاملة الأوصاف كما جاء فى الكتب، وإنما ثورة خلقها الوضع الخاص الذى آل إليه البلد.

وفى أواخر عهد «عبدالناصر» كانت الثورة مهيأة مع اتساع الطبقة الوسطى لأن تُكمل التحول الديمقراطى، وكان هذا التصور قائمًا لدى «عبدالناصر»، وهو ما أوضحته فى كتابى «عبدالناصر الأخير»، لكن فقدت الثورة الفرصة لأن الحديث عن التعدد ضحى بالتنمية.

وبالتالى ركائز خلق طبقة وسطى حديثة يمكن من إنشاء حياة سياسية غير موجودة، ولاحظنا الانحدار فى الاهتمام بالسياسة من ١٩٦٧ لـ١٩٧٧، فى مقابل تصاعد اليمين الدينى فى مصر من عام ١٩٧٦ حتى ٢٠١١، وهى فترة لا علاقة لها بالسياسة، وإنما بالهجرة فى التاريخ، وتزعمها الإخوان والسلفيون، ثم تضخمت هذه الجماعات وكانت موجودة فى النقابات والأحياء الشعبية والقرى، خاصة فى الصعيد.

ولم يكن لدىّ أدنى شك قبل ٢٥ يناير، أن جماعات اليمين والفساد ستزول، وستحدث عملية انتقال ويزول طرف ويحل محله الطرف الآخر، وهذا أثر على الثورة ذات الموجتين.

فى الثورتين كانت مشاهد الميادين تخلع القلب، وكان هناك شعب متحضر، لكن ثورة ٢٥ يناير كانت يتيمة غير قادرة على نقل ما يجرى فى الميدان للبرلمان، غير قادرة على الحكم، عندك شعارات «عيش حرية عدالة اجتماعية» فى بلد مخنوق، أتيح له فى لحظة أن ينطلق، ويرفع الغطاء عن آبار الغضب الجوفية، فتدفقت الناس بمئات الآلاف ثم بالملايين.

■ وهل تفاجأت بموقفهم الرافض بالمشاركة فى مظاهرات ٢٥ يناير؟

- لم أتفاجأ بموقف الإخوان، لأنه فى اجتماعات سابقة لحركة كفاية بوجود الإخوان وفى مكتب الإرشاد، لاحظت هذا الميل، لدرجة أن مرشد الإخوان السابق مهدى عاكف قال ««مش كفاية بتشتموا مبارك، ده أنتم قلالات الأدب»»، وفى المرات القليلة التى وافق فيها الإخوان على أن يحضر أحد منهم فى مظاهرات «كفاية»، كان يحضر ٥ على الأكثر، وحينما يحتد الخناق بالضغط الأمنى، والناس تهتف «يسقط حسنى مبارك»، كان عناصر الإخوان يقولون «الله أكبر ولله الحمد»، كأنهم يبلغون مَن يراقبون أنهم لا علاقة لهم بالهتافات، فلم أفاجأ بقول «البلتاجى»، وهم لم يوافقوا على أشياء أخرى مثل مراجعة «كامب ديفيد»، وإنما أرادوا فقط إعادة الانتخابات التى زورت فى ٢٠١٠.

والثورة فى ٢٠١١ لم تكن مفاجأة بالنسبة لى، لأننى أعلم الواقع وأفهم البلد، وكنت أشعر بأنه لو خرج ١٠٠ ألف متظاهر سيخرج الباقون، وأن الـ١٠٠ ألف كافية لخلع الغطاء عن البئر.

وكان تقديرى أن البلد متجه لسيناريوهات رعب وانفلات، والفكرة الأخرى لدىّ كانت أن الثورة بطبعها اليتيم لا تنتقل من الميدان للبرلمان، وشعاراتها تشبه شعارات يسار الوسط.

وما حدث فى الثورات العربية كلها أن المشهد الذى يخلع القلب فى الميادين، انتهى لمشهد آخر يقبض الروح كمدًا، وهو مشهد السياسة التى يسيطر عليها اليمين أو الفلول أو الليبراليون، فنتجه لمعنى أعمق لليتم، وأن «الثورة التى تقوم لا تحكم».

لم يكن حكم الإخوان مفاجأة لأنهم موجودون طوال الوقت ويتصاعد وجودهم مع تصاعد الفساد، ثم حصل تطبيع بين الفساد والإخوان، وأعتبر أن الإخوان حكموا سنة «مرسى» والسنة التى قبلها، لأن ظل الإخوان كان قائمًا، وعرفت أنه سيذهب «مبارك»، ويأتى الإخوان بأكثر من ٤٠٪ من كراسى البرلمان.

وأعلنت عن تأييد حمدين صباحى فى المرحلة الأولى من الانتخابات الرئاسية بعد ثورة ٢٥ يناير، ورفضت مقاطعة الانتخابات مثلما فعل الكثيرون، وكتبت مقالة بعنوان «طويل للغاية»، كان مضمونها متمثلًا فى «الشعب يختار بين العار والنار، والتصويت لمرسى على طريقة لحم الموتى وأكل الخنزير».

وكنت أعلم أن وصول الإخوان للسلطة ستكون له فائدة عظمى فى التاريخ، والتجربة التى خاضها الإخوان هى التى أزاحت هذه الجماعة عن الحكم للأبد، كما أننى كنت أعلم أن حكم «الإخوان» هو أقصر طريق للتخلص منها للأبد، لذا كنت أرغب فى أن يحصل الإخوان بالفعل على السلطة والرئاسة حتى يعلم الجميع خبايا هذه الجماعة.

■ كيف توقعت فشل الجماعة فى الحكم؟

- كان تقديرى أن نظام جماعة الإخوان سيفشل، وهذا التحليل جاء استنادًا للفترة الاستثنائية التى حدثت من ثورة يناير حتى الوصول للسلطة.

وفى الفترة الزمنية من ٢٥ يناير لـ٣٠ يونيو تحولت مصر من عقم الخيال إلى خصوبة التفكير، وكان من سوء حظ الإخوان الوصول للسلطة فى هذه الفترة الاستثنائية، لذا يمكن التأكيد على أنه أكبر عدو لحكم الإخوان كان جماعة الإخوان أنفسها، وبحكم عملى الصحفى والسياسى كنت أعلم الكثير عن صفات قيادات هذه الجماعة.

كنت أعلم جيدًا أن الشعب المصرى سيثور على حكمها، وكنت أعرف أيضًا أن فترة حكمها ستجدد خصوبة الفكر المصرى.

وانتهت مدتى كمنسق عام لحركة كفاية مع بداية نشوب ثورة ٢٥ يناير، لذا أنشأت حزب الثورة بمنهج يسار الوسط، ووفق رغبة الناس.

وتمت دعوتى لحضور اجتماع بقصر الاتحادية، ووجدت رؤساء تحرير الصحف المصرية فى الاجتماع، وكان بينهم شخص عُرف من قبل بمدى قربه من الرئيس المتنحى محمد حسنى مبارك، هذا الشخص وجدته يصلى بجوار أحد قيادات الإخوان فى غير موعد الصلاة، ومنذ هذا التوقيت أدركت نوايا وتخطيط هذا الصحفى، وتم طرح أسئلة تافهة فى هذا الاجتماع، والرئيس مرسى استحسن هذا الحوار وبدأ الحديث عن المرأة، وبالتالى احترق الوقت فى هذه التفاهات، وجاء متحدث الرئاسة ليخبر محمد مرسى بأن الوقت نفد، وبالتالى اختتم مرسى الحديث فى هذا الاجتماع، وقال إنه فى الاجتماع المقبل سيترك لى مساحة الحديث والنقاش، لذا رددت بشكل عفوى وتلقائى عليه قائلًا «إذا كان فيه مرة تانية يا دكتور».

وكان تقديرى أن «مرسى» ضحية الجماعة الإخوانية، ومن الأحق أن نذكر أن محمد مرسى شديد الطيبة والبساطة، ووضع فى غير موضعه.

وبعد مرور ١٠٠ يوم من حكم الإخوان خرج عدد من الشباب يهتفون ضد «مرسى»، وفى المقابل خرج عدد من المؤيدين لحكم الإخوان للتصدى لهؤلاء الشباب بوحشية كبيرة.

وكتبت مقالًا بعنوان «سقوط الإخوان فى ميدان التحرير» بعد ١٠٠ يوم من حكم مرسى. 

وكانت هناك مجموعة من الشبان المنتسبين للثورة قد خرجوا فى ميدان التحرير وقد راقبت وقائع هذا اليوم، فكانوا يهتفون ضد «مرسى» ثم بعد ذلك زحفت جحافل من الإخوان لكى تفترس هؤلاء الشباب، ودارت المعركة سجالًا، لكنها انتهت على أن هؤلاء الشباب هم من بقوا فى الميدان، وانتهى اليوم على ذلك.

والقيادى الإخوانى حسن مالك له قول شهير، وهو أن «اقتصاد مبارك جيد لكنه يحتاج إلى الإصلاح بعض الشىء»، وهذا يعنى أنه «يصلح لكن بدل ما يبقى أحمد عز فى المقدمة يبقى حسن مالك هو من فى المقدمة».

والفكرة هنا تتمثل فى المحاكاة، أى محاكاة الإخوان نظام «مبارك»، ومن هنا رأيت أنهم يقعون فى الخطر القاتل، كما أن حديثهم بأنهم سيتولون الحكم ٥٠٠ سنة، كان كلامًا خارج التاريخ.

ولم أكن مهتمًا بما يهتم به آخرون حول هوية البلد وتدينه، لأن البلد متدين من الأساس، لم يكن هذا هو الأساس بالنسبة لى.

الأساس بالنسبة لى ما هو البرنامج الجديد؟، هل نحن بصدد تغيير للنظام أم تغيير للإدارة وتغيير فى الصور؟، الأمر منطقى وهو تغيير فى الصور لكنه يحاكى نفس الوضع، ويحاكى نفس الاتجاه.

إن نظام الإخوان يحاكى نظام «مبارك»، التغيير كان فقط فى الصور، «النظام ليس أفرادًا وإنما هو جملة اختيارات». 

والنظام أيضًا جملة ممارسات، والإخوان صنعوا إعادة تدوير لما كان يحدث أيام مبارك، كرروا سيناريو نظام مبارك فى السلطة وتوقعت سقوطهم، وقد مالوا إلى تهذيب الذقون، وكانوا على استعداد لحلقها، لكن هذه ليست القضية، فالقضية الملحة عندى هى فكرة «أخونة» البلد وليس تديينه، لأن البلد بطبيعته متدين، وقد قلت هذا فى كتاب «الأيام الأخيرة»، الذى صدرت الطبعة الأولى منه عام ٢٠٠٨، ولم يتغير حرف فيه فى الطبعات التالية.

■ ما دور خيرت الشاطر فى مشهد سقوط الجماعة؟

- قرأت كل ما يصدر عن الإخوان، والأهم من أننى قرأت عنهم هو أننى أعرفهم شخصًا شخصًا، خاصة أغلب القيادات التى يرد ذكرها، وأعرف حدود تفكيرهم وآفاقه، وكنت أدرك سيطرة خيرت الشاطر عليهم، لأنه ما من لقاء واحد جرى بين حركة كفاية والإخوان فى مكتب إرشاد الجماعة وظهر فيه خيرت الشاطر، حيث لم يكن يظهر أبدًا، كان دائمًا ما يجلس فى غرفة أسميها بغرفة «الفئران»، باعتباره «الرجل الغامض».

وقد كنت شغوفًا بتفسير حكاية هذا الرجل الغامض، خاصة أن خيرت الشاطر فى الأصل من المنصورة، وأنا أقدر المنصورة تقديرًا خاصًا جدًا.

وقد نمت إلىّ فكرة إنشاء حملة «تمرد»، وهؤلاء الذين أنشأوا حملة «تمرد» حسن شاهين، ومحمد عبدالعزيز، ومحمود بدر، لست بحاجة لإيضاح طبيعة علاقتى بهم؛ سواء فى الصحافة أو فى السياسة، لأنهم كانوا بمثابة تلامذة مباشرين لشخصى المتواضع. 

ولم أُفاجأ أبدًا بانتشار الدعوة كالنار فى الهشيم، لأننا إزاء جو حار سياسيًا، وشعب متأهب للتغيير، ثم إن الإخوان لم يخيبوا ظنى وأعادوا تجربة «مبارك».

ما حدث للإخوان فى ٣٠ يونيو لم يكن مقتصرًا على الإخوان فى مصر، وإنما امتدت آثاره إلى العالم العربى، فالظاهرة الإخوانية فى العالم العربى منتشرة، مثلما توجد ظاهرة «الأوانى المستطرقة»، وفى العالم العربى تنشأ الظواهر، ويظهر طيبها وخبيثها أولًا فى مصر، ثم تنتشر مشرقًا ومغربًا، فإذا شحبت بأى وسيلة فى مصر، تسقط فى أطرافها، بداية من العراق وهى الظاهرة الدينية الشيعية والسنية، وصولًا للسودان حتى أقصى الأقاصى فى المغرب، مرورًا بتونس.

وفى مصر تُصنع الأمجاد وتصنع المآسى، تتولد أولًا فى مصر، ثم بنظرية «الأوانى المستطرقة» تسرى مشرقًا ومغربًا.

ومن المصائر الجيدة جدًا للعالم العربى أن يزول وهم اليمين الدينى وإمكانات اليمين الدينى وأحلام اليمين الدينى، لأنه فى واقع الأمر لا توجد أحلام ولا يوجد برنامج سياسى، يوجد إيحاء بالانتقال رأسًا إلى الجنة وهو إيحاء كاذب.

ورغم تفاوت فروع تيار اليمين الدينى فى عدد من الأقطار العربية، فلا يمكن مقارنة الرشد النسبى لظاهرة الإخوان فى تونس بالتخلف الذى كان موجودًا فى الظاهرة المصرية، وهى الظاهرة الأصل، لكن يمكننى التفرقة بين نوعين آخرين من ظاهرة التيار الإسلامى فى الحال وفى الاستقبال، فعندما يوجد استعمار أجنبى يتجلى طابع إيجابى دينى جدًا لدى هذه التيارات، من أجل الدفاع عن المستعمر الخارجى، كما يحدث فى ظواهر المقاومة الفلسطينية حاليًا وغيرها.

وإلى أن ينتقل المجتمع من زوال الاستعمار الأجنبى إلى مرحلة إجراء تغييرات اجتماعية واقتصادية وثقافية لينهض، تتحول تلك التيارات لخصم لهذا النهوض.

لا بد أن تلاحظ هذه الظاهرة، فعلى سبيل المثال تلاحظ فى تاريخ الجزائر التى تعرضت لاستيطان استعمارى يقترب فى كثير من مظاهره مع الحالة الفلسطينية، وإن لم تكن بذات شراستها، هذا التمزق استدعى وجود العناصر الأصلية من اللغة والدين، وبالتالى تتجلى عظمة هذا المخزون فى مراحل مقاومة الاستعمار الأجنبى، خاصة لو بلغ حدًا للشراسة كما وصل إليه الاستعمار الاستيطانى فى الجزائر أو فى فلسطين.

ومن هنا نلاحظ فى تاريخ فلسطين الحديث وتاريخ المقاومة الفلسطينية أن ١٢ فردًا من مؤسسى حركة فتح كانوا من الإخوان المسلمين بمن فيهم ياسر عرفات، لكنهم عندما أسسوا الحركة ودخلوا ضمن السياق الذى كانت فيه المنطقة وقتها، مع صعود الظاهرة الناصرية وحركات التحرير الوطنى وسيطرة المخيلة الجديدة الناهضة مع قفز معادلات التنمية والتصنيع، انفتحت وطنيًا، ومن ثم كاد الناس ينسون أن أصلهم جاء من الإخوان، مع العلم بأن الإخوان كجماعة فى فلسطين منذ سنة ١٩٤٨، أى بعدما انتهت وقائع الحرب التى خسرها العرب، وكانت الإخوان ضد المقاومة المسلحة لإسرائيل، بل كانت مع المقاومة المسلحة ضد جمال عبدالناصر وليس اليهود. 

إن ثورة ٣٠ يونيو لم تكن فقط على جماعة الإخوان فى مصر وإنما على الفكرة الإخوانية بشكل عام فى العالم، بدلائل النتائج التى جرت بعد ذلك من التساقط السريع كأحجار الدومينو الإخوانية مشرقًا وغربًا، وهذا لا يعنى بالضرورة زوال هذه التيارات، لأنه مع وجود سحق اقتصادى وسحق اجتماعى وعك ثقافى كما تجرى بعض مظاهره الآن، يستدعى الجانب المحافظ فى المجتمع بغريزة البقاء مثل هذه التيارات، وهو أمر من المفترض أن ننتبه إليه، ونعرف أن هناك فرقًا كبيرًا بين التجديد الدينى والتبديد الدينى، لأن كثيرًا من المظاهر التى تتقنع باسم التجديد الدينى الآن، هى فى حقيقتها تبديد للدين وللسياسة وللتاريخ.

■ هل رفض الإخوان المشاركة فى يناير؟

- الإخوان شاركوا فى ٢٥ يناير، وكنت منسقًا عامًا لحركة «كفاية» وطرحت فكرة البرلمان البديل، أو البرلمان الشعبى، أى اجتماع نواب المعارضة فى مكان واحد، وكتبت البيان التأسيسى له، وبيان الدعوة لـ٢٥ يناير.

كنت أعرف بما سيحدث وفقًا لنظرية آبار الغضب الجوفية، وبأن ثور الغضب ستأخذ «مبارك» فى سكتها ولن تكتفى بحبيب العادلى، وكتبت بيان «كفاية» وقلت إن خلع «مبارك» هو الحل، وعندما جلسنا فى مكتب علاء عبدالمنعم، بحضور عدد من أعضاء البرلمان حمدين صباحى، ومحمد البلتاجى، وأيمن نور، كلفونى بكتابة البيان.

وكتبت البيان بروح بيان «كفاية» لكن أقل حدة، وكان أول مطلب منع «مبارك» ونجله من الترشح فى الانتخابات المقبلة، ومحمد البلتاجى احتج على البيان، وقال «الإخوان لن يوافقوا على ذكر اسم مبارك».