رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

30 يونيو بعيون منصفة

«من حسن حظ مصر أنها مستقرة بفضل يونيو ٢٠١٣، وأنها تحاول إطفاء الحرائق المشتعلة فى محيطها، وهى مهمة حيوية وشاقة، فالأمن الحقيقى مشروط بالاستقرار، والأمر نفسه بالنسبة إلى الازدهار». هكذا، أنهى زميلنا اللبنانى غسان شربل، رئيس تحرير جريدة «الشرق الأوسط» السعودية، مقاله المنشور، أمس الأول الإثنين، بالجريدة نفسها، تحت عنوان «حديث استقرار على ضفاف النيل»، الذى نقل فيه عن «صديق يمنى» أن «مصر قدمت خدمة هائلة لنفسها وللمنطقة، حين أنقذت نفسها من النفق الإخوانى».

فى المقال، الذى أعادت «الدستور» نشره، أمس، يحكى شربل أنه، خلال وجوده فى القاهرة، زار أحمد أبوالغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية، الذى بدا، بوصفه، قلقًا من خطر استمرار العدوان الإسرائيلى الوحشى فى غزة والسياسة الانتحارية التى تتمسك بها حكومة بنيامين نتنياهو. ولم يُخف قلقه من احتمالات تفكك السودان وترسخ الانقسام الليبى، واستمرار لبنان أسيرًا فى الفخ الذى وقع فيه، وبطء استعادة سوريا لمواصفات الدولة المكتملة الأركان. ووجده قلقًا، أيضًا، من ازدياد الفقر وعدد العرب المقيمين فى خيام اللجوء أو النزوح وانعكاسات ذلك على التنمية، وضرورة اللحاق بالعصر وثوراته التكنولوجية المتلاحقة.

يلتقى فى القاهرة، بوصف شربل، «وافدون من بلدان قامرت بثروة الاستقرار وخسرتها». وفى الفندق المقيم على شفير النيل، قال له صديق يمنى إن الانهيار فى بلاده لم يكن قدرًا محتومًا. وقال إنه بحكم ملازمته للرئيس الراحل على عبدالله صالح يعتقد أنه كان باستطاعة الأخير الإفادة من أوراق عدة لولا «نصائح» زائرة صعبة اسمها هيلارى كلينتون، وزيرة خارجية الولايات المتحدة وقتها. وأضاف أن إدارة أوباما كانت قد اتخذت قرارًا بإزاحة حسنى مبارك وعلى عبدالله صالح لمصلحة ما توهمت أنه «إسلام معتدل يمكن تسويقه». اعترف بأنه لا يرى ضوءًا فى آخر «النفق اليمنى الرهيب»، مشيرًا إلى أن مصر قدمت خدمة هائلة لنفسها وللمنطقة حين «أنقذت نفسها من النفق الإخوانى». وقال: «هل لك أن تتخيل وضع مصر والمنطقة لو استمر حكم محمد مرسى وتمزقت مصر وتطاير الشرر فى كل اتجاه؟». وذكره حديث الصديق اليمنى بأنه كان فى القاهرة فى مهمة صحفية، منتصف يونيو ٢٠١٣، وقبل أيام من المظاهرات الضخمة التى غيرت مصير مصر وشيدت جدارًا أمام «الموجة الإخوانية».

تذكر «شربل» عبارات سمعها فى الأيام التى سبقت إزاحة مرسى. قال عمرو موسى إن مصر على وشك الانفجار وإن «الإخوان لم يصنعوا الثورة لكنهم انضموا إليها وقطفوا ثمارها»، مشددًا على أن «الدولة الدينية ليست فى مصلحة مصر». وسمع من محمد البرادعى أن «الإخوان سرقوا الثورة وفشلوا بامتياز». وأنه شعر بغياب الصدقية ويئس من محمد مرسى. كما سمع من حمدين صباحى أنه التقى المرشح محمد مرسى وسأله: هل ستكون رئيسًا مستقلًا حال فوزك؟، «فعجز عن الإجابة ورد: أريدك معى نائبًا للرئيس». أما أحمد شفيق، الذى التقاه «شربل» خارج مصر، فاتهم «الإخوان» بأنهم «سرقوا الثورة والرئاسة معًا». وتذكر رئيس تحرير جريدة الشرق الأوسط، أيضًا، ما سمعه من محمد حسنين هيكل، الذى قال إنه التقى مرسى وخرج بانطباع أن «الإخوان» لا يملكون «رؤية واقعية ولا برنامجًا واضحًا ولا يمتلكون أيضًا كوادر مؤهلة لإدارة بلد بحجم مصر»، معربًا عن اعتقاده أن المعركة السياسية ستكون صعبة.

.. أخيرًا، وبعد أن اجتزنا بـ«ثورة ٣٠ يونيو»، تلك المعركة السياسية الصعبة، لا نعتقد أننا نبالغ لو قلنا إن «دولة ٣٠ يونيو»، التى أجهضت مخططات عديدة كادت تلتهم دول العالم العربى، واحدة تلو الأخرى، اجتازت، أيضًا، طوال السنوات العشر الماضية، ولا تزال، معارك سياسية وأمنية واقتصادية أكثر صعوبة، وتواصل، بإرادة وعزيمة ودماء المصريين، تنفيذ رؤية استراتيجية شاملة لبناء دولة قوية متقدمة وحديثة، فى إطار برنامج وطنى للإصلاح الاقتصادى والاجتماعى العميق والشامل، وتسعى، جاهدة، لإقناع الأمة العربية بأن قوتها فى توحدها وأن القوى الدولية والإقليمية المتربصة بها ستفتك بالشارد منها.