الجامع الأزهر: النبى أول من أرسى الحقوق الخاصة لكبار السن
عقد الجامع الأزهر الشريف، اليوم الإثنين، اللقاء الأسبوعي من برامجه الموجهة للمرأة والذي يأتي تحت عنوان "نحو مجتمعٍ راقٍ في ضوء الشريعة والقانون"، وجاءت ندوة بعنوان" حقوق كبار السن"، وحاضر فيها كل من: د.فتحية الحنفي، أستاذ الفقه بجامعة الأزهر، ود. تهاني أبوطالب، أستاذ القانون المدني بجامعة الأزهر، ويدير الحوار د. حياة العيسوي، الباحثة بالجامع الأزهر الشريف.
وقالت د. فتحية الحنفي، إن كبار السن وخاصة الوالدين وبعد بلوغهما أرذل العمر يستحقان نوعًا خاصًا من المعاملة التي تتسم باللين وخفض الجناح وجميل الإكرام، وطيب الكلام، والتودد إليهما، قال تعالي: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا }، وقال جل شأنه " {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا}.
وتابعت د. الحنفي: بين النبي ﷺ الحقوق الخاصة لكبار السن ومنها؛ حسن معاملاتهم والسعي في إزالة كل ما يكدر حياتهم من الهموم والأحزان، وهذا من أعظم أسباب التيسير والبركة قال ﷺ" إنما تنصرون بضعفائكم"، والاحترام والتوقير لهم قال ﷺ " ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويعرف شرف كبيرنا"، والبر والإحسان إليهم حال الكبر وذلك بتأدية واجباتهم ومعرفة مكانتهم وقدرهم.
وأضافت: من حقوق الوالدين تقديمهم في الكلام عند المجالس وكذا في الدخول والخروج، ورعايتهم والحفاظ علي حالتهم الصحية والنفسية، والدعاء لهما حال حياتهما وبعد مماتهما قال تعالى ﴿وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾
من جهتها بينت د. تهاني أبوطالب، أنه في ظل هذا التطور الذي تشهده البلاد في كل المجالات لم يكن من الممكن ألا تمتد مظلة الاهتمام والرعاية إلى كبار السن، تلك الفئة التي تشمل آباء لنا وأمهاتًا، فنعترف لهم بالفضل ونحرص كل الحرص على رد الجميل لهم، فالاعتراف للمسن بحقوقه ووجوب رعايته إنما يتماشى كسائر القوانين في مصر مع أحكام الشريعة الإسلامية وما دعت إليه من توقير الكبير والإحسان إليه والاعتراف بفضله.
وأضافت: صدر في مصر مؤخرًا قانون لرعاية المسنين (القانون رقم 19 لسنة 2024م)، فحدد المقصود بالمسن، والمسن الأَولى بالرعاية؛ وهم أولئك الأشخاص الذين لا يستطيعون تأمين احتياجاتهم الأساسية بأنفسهم، وأكد القانون تسهيل ممارسة المسن لحقوقه المختلفة السياسية والاجتماعية وتمكينه من الترفيه وتيسير وسائل انتقال آمنة لهم، وتمكينهم من المشاركة في الحياة السياسية والأنشطة الرياضية والاجتماعية بالإضافة إلى الرعاية الصحية.
وذكرت د.تهاني أبوطالب، أن من أهم ما نص عليه القانون الجديد هو عدد من الإعفاءات إكرامًا لكبار السن، وعدد من الجزاءات على من أهمل في رعاية مسن التزم برعايته ومن يعرض المسن للخطر، ويجب علينا جميعًا مراعاة حقوق المسن داخل بيوتنا وخارجها، فهو في حاجة إلى التواصل مع العالم الخارجي وفي حاجة للمساعدة المادية والمعنوية، حيث يدعو إلى هذه الواجبات الدين والأخلاق ويضع القانون الخطوات التنفيذية لها.
من جهتها، أوضحت د. حياة العيسوي، أن الإنسان في بداية عمره وعنفوان شبابه يكون قوي العضلات، بهي المنظر، ثم يشرع في الكهولة، فتضعف قواه، ويتغير طبعه، ثم يكبر شيئًا فشيئًا حتى يصير شيخًا كبير السن، ضعيف القوى، قليل الحركة، يعجِزُ عن المشي والحركة السريعة، فيتقدم إلى الأمام بطيئًا، ويتوكأ على العصيِّ، وقد صور الله عز وجل هذه الأحوال في القرآن الكريم: ﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً﴾.
وأوضحت أن الإنسانَ يمر بثلاث مراحل رئيسية: ضعف، ثم قوة، ثم ضعف وشيخوخة، وقال تعالى في موضع آخر: ﴿وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ ﴾، وأرذَلُ العُمر هو آخره الذي تضعف فيه القوى، وتفسد فيه الحواس، ويختل فيه النطق والفكر، ويحصل فيه قلة العلم وسوء الحفظ، والخَرَف، فعلينا أن نراعي صحة كبير السن، ووضعه البدني والنفسي، بسبب الكبر والتجاوز في العمر، فإن هذه المرحلة مِن الحياة مستوجبة للعناية والاهتمام الكبير من الأقارب، فإن الضعف يجري في الإنسان كجريان الدم، فيضعف بدنه، وصحته، وحواسه، فما يصدر منه من خطأ فبمقتضى هذه السن المتقدمة، بل إن تصرفاته في هذه السن المتقدمة لكثرة وهنه وضعفه، بل ضعف قواه أشبه ما يكون بتصرفات الصغير، فعلينا أن نراعي حقوقهم، ولا نتركهم ولا نطرحهم في دور المسنين من غير رقيب ولا رفيق، بل يتعين علينا رعاية حقهم مقابلة الإحسان عندما كنا صغيرين ضعفاء، فحملوا أعباءنا، وتحملوا مشاقنا، واهتموا برعايتنا كل الاهتمام حتى كبِرْنا وصرنا شبانًا أقوياء.
وتابعت: لا بد أن ندرك أن الأكابر خير لنا وبركة لنا في حياتنا، وازدياد في أرزاقنا وفي أعمارنا، وأن الإساءة إليهم وسوء معاملتهم قد نجازى به في أواخر أعمارنا، فلا بد لنا أن نحترم الأكابر ونجلهم ونكرمهم، ونحسن الخطاب معهم، ونخاطبهم بما يظهر به احترام.