الجامع الأزهر: أمن مجتمعنا فى وسطية فكرنا فلا أمان للمجتمع إلا بالاستقامة
عقد الجامع الأزهر حلقة جديدة من ملتقى الأزهر للقضايا المعاصرة، تحت عنوان: "الإسلام والأمن الثقافي"، وذلك بمشاركة الدكتور مجدي عبدالغفار أستاذ الثقافة الإسلامية بكلية أصول الدين بالقاهرة، والدكتور صالح عبدالوهاب وكيل كلية العلوم الإسلامية للوافدين.
وأدار الملتقى الشيخ إبراهيم حلس مدير الأروقة بالجامع الأزهر، وذلك تحت رعاية فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، وبمتابعة من الدكتور محمد الضويني وكيل الأزهر وإشراف الدكتور عبدالمنعم فؤاد المشرف على الرواق الأزهري والدكتور هاني عودة مدير عام الجامع الأزهر.
وقال الدكتور مجدي عبدالغفار أستاذ الثقافة والدعوة الإسلامية بكلية أصول الدين جامعة الأزهر بالقاهرة، إننا نعيش أوقاتا حساسة تموج بأفكار وشهوات وشبهات وكتب علينا أن نكون بين دائرة الشهوات والشبهات، ومن نجى من الشهوات تعرض في فتن الشبهات وفتن الشبهات في هذا العصر أشد من الشهوات لأنها تغرس في نفوس الأجيال وتغرس في نفوس أبنائنا ما يخرب عليهم عقولهم وما ينال من فكرهم وما يحدث اضطرابا في مجتمعهم، فالحقيقة أن أمن مجتمعنا في وسطية فكرنا فلا أمان للمجتمع إلا بفكر مستقيم لذلك المجتمع يقوم على هذه القواعد قواعد أساسية يقوم عليها مجتمعنا الإسلامي أعني المجتمع الإسلامي فهو يقوم على دين طويل قال تعالى: "فأقم وجهك للدين القيم"، وقوله: "فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله"، والجناح الأول بالنسبة له فهم مستقيم، والجناح الثاني بالنسبه له عمل صالح مستديم.
وأكد أستاذ الثقافة الإسلامية، أنه إذا وجد الدين القويم بجناحيه الفكر المستقيم والعمل الصالح المستديم دخل في المجتمع الأمن والأمان فلا يضطرب المجتمع، وهل هذه هي الأولى من مثلها أبدا عبر التاريخ، وجاء أمثال هؤلاء وقام لهم من العلماء رجال قاموا في وجوه هؤلاء ففندوا هذه الشبهات، فالشبهات ليست جديدة، ولكن الجديد فيها هو ارتداء ثوبها في عصرها، أما هي في ذاتها فهي قديمة ورد عليها فحول العلماء وفندها فحول العلماء، فما علينا إلا أن نأخذ من هذا المعين الصافي الذي قام به جل العلماء عبر العصور لنعطي العصر ما يتناسب من الرد المناسب للعصر.
وتابع الدكتور مجدي عبدالغفار: “أننا بين دائرتين، الغلو والتحلل، هذا غلو من جانب، وهذا مذموم، وذاك تحلل من جانب وذاك مذموم، فنريد في وسط العقد هذا الذي ينبغي أن نعقد وسطية هذا الدين قال سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم: "إن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى"، فهذا الذي نراه في الفكر تشدد وذاك الذي أريد لهذا الفكر تبدد، فلا نريد تشددا ولا تبددا بل ننشد الأمر الأوسط وهو وسطية الدين، "وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا"، متسائلا: وسطية الفكر عمن تأخذون؟ هذا دين فلتنظروا عمن تأخذون دينكم فهو عظمك ولحمك، مؤكدا أن الفكر عندنا ينطلق من الذكر والفكر عندنا بوسطيته محفوظ لأنه يبنى على الذكر، والذكر محفوظ لقوله تعالى: "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون"، فالله حفظ لنا الذكر وأخبرنا بحفظه له فبالتالي هناك حفظ أيضا للفكر، فمهما انكب من انكب على الفكر ليضلل هذه الأمة لجأنا إلى الذكر وأخذنا الفكر من الذكر فنجونا بهذا الذكر وأخذنا وسطية الفكر، فحينما تاخذها من الذكر- من كتاب الله وسنة رسول الله-، فالعلماء يواجهون بالفكر المستمد من الذكر المتشددين الذين قال النبي في حقهم "هلك المتنطعون".
وأضاف أن رسول الله علمنا التيسير وكيفية التعامل مع الناس ومع المتشددين بأخلاقه صلى الله عليه وسلم الذي أرسله الله من أجلها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" مستنكرا ما يطفو الآن على الساحة ممن يسمون أنفسهم بـ"التنويريين"، وهم يقصدون من وراء ذلك تدمير الفكر بكلمة التحرر وادعوا لهذا التحرر الاهتمام بالعقل، فهم يقولون أنهم يريدون الاهتمام بالعقول.. والسؤال هل الإسلام يلغي العقول؟!، والعجيب أن هؤلاء لا يعلمون أن التكليف يكون بأمور ثلاثة: إسلام، بلوغ عقل"، فلا تكليف إلا بعقل، فإن غاب أو غيب العقل سقط التكليف، فانطلاق كلمات العقل في الذكر كثيرة تزيد علي 90 موضعا بمشتقاتها في القرآن الكريم.
وشدد على أننا في حاجة إلى فهم الوحي، فلا بد من عقل يفهم الوحي والعقل يشار إليه بالوعي فأقول: وحي بلا وعي تعطيل"، فحينما نلغي الوعي نعطل الوحي، و"ووعي بلا وحي تضليل"، وهذا ما أرادوه ونحن لا نريد تعطيلا ولا تضليلا، فهم أرادوا تضليل المجتمع، ونحن نريد وحيا بوعي وهو تأصيل، من خلال ما جاء في كتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلـم، فهذا باب عظيم قيض الله له رجالا يحفظون كتاب الله وسنة نبينا، ومن هنا يأتي أمن المجتمع الذي يصبوا إليه كل عاقل، فالاضطراب الذي يحدث بالمجتمع بسبب الفكر أشد من الاضطراب الذي يحدث للمجتمع من خلال الاقتصاد، فعقول الأمة يكون من فكرها فهذا خلل كبير في المجتمع.
وتساءل ماذا نفعل تجاه تلك التيارات الجارفة؟ للأسف التيارات تنطلق عبر الشاشات والمساحات والتقنيات وما يرصد لها من ملايين الجنيهات: "ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون"، ماذا نصنع أمام هذه المراكز التي استهدفت شبابنا وبناتنا ونساءنا وأطفالنا، فعلماء الأزهر الأكابر سوف ينطلقون أمام هذه المسميات باليقين وإيماننا بكتاب ربنا وسنة نبينا والفكر الوسطي الذي يحمله علماؤنا وعلى رأسهم الإمام الأكبر الذي يتصدى لهم من خلال منبر الجامع الأزهر الشريف، فالأزهر الشريف وعلماؤه لا يعمل في الظلام فليس لنا دينان دين نظهره ودين نخفيه، مؤكدا أن مثل هذه المراكز والهجمات هي زمنية قاصرة وتنتهي كما انتهى ما سبقها من هجمات ومؤسسات، ثم يأتي من يرتدون ثياب أخرى في كل عصر، فسيهلكون ويبقى الدين إلى قيام الساعة لأن الله هو الذي حفظه.
من جهته قال الدكتور صالح عبدالوهاب، وكيل كلية العلوم الإسلامية للوافدين، إنه ما أحوجنا اليوم إلى أن نجتمع للتباحث حول هذا العنوان: "الإسلام والأمن الثقافي"، حيث إننا نعيش زمنا تبدلت فيه المفاهيم والقيم فحلت فيه الرذيلة مكان الفضيلة والهدم محل البناء والتخشع محل الخشوع وبدلا من أن نسوق شبابنا إلى تدبر آيات القرآن الكريم والوقوف مع السنة النبوية ونتأملها ونتدبرها، إذ بشرذمة من دعاة العلم يسوقون شبابنا إلى التشكيك في ثوابت هذه الأمة والتحرر من كل قيمة ومنقبة وكل فضل، وصدق رسول الله حين قال: يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين.
وأضاف وكيل كلية العلوم الإسلامية: إن لفظ الأمن يأتي كثيرا مقرونا بلفظ الإيمان، فلا عجب أن نرى هذا العنوان الإسلام والأمن، فالإسلام هو دين الأمن: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده"، وغيرها من الأحاديث النبوية التي أكدت ذلك، ومنها الآيات الكثيرة التي تقرن الأمن بالإيمان وبعبادة الله تعالى ومن ذلك قوله سبحانه: "وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا"، فلم تتحقق العبادة إلا بالأمن والاستقرار، فمفهوم الأمن والإسلام هو الاستقرار والطمأنينة، موضحا أن مفهوم الثقافة يعني الفهم والعلم والتحقق والتثبت، وبالتالي فليس هناك ثقافة بلا علم أو فهم أو تحقق أو تثبت، ومن هنا يجب على مدعي الثقافة أن يوضحوا لنا من أين تعلموا ومن أين يتحققون ويتثبتون.
وأوضح أن التراث والحضارة هما ما يميز أمة عن أمة، ومن يريد أن يهدم هذا التراث ويضلل الناس ويفسد عليهم استقراراهم فهو من الخوارج الذين يخرجون بفكرهم عن ثقافة وحضارة هذه الأمة، لافتا إلى أن الإسلام منذ بعثة النبي صلى الله عليه وسلم وهو يواجه مثل هذه الهجمات وبعد سجال طويل تكون الغلبة والنصر للإسلام الحنيف، وهذا ما أكد عليه الله سبحانه وتعالى في قوله تعالى: "إنا نحن نزلنا الذكر إنا له لحافظون"، فهذا الدين محفوظ بحفظ الله تعالى إلى يوم القيامة.
من جهته قال الشيخ إبراهيم حلس مدير إدارة شئون الأروقة: إن من مظاهر الأمن الثقافي للمجتمعات الإسلامية الحفاظ على العقيدة وثوابتها الأصيلة وهي القرآن والسنة، فقال صلى الله عليه وسلم: "يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون تحريف الغالين وتحريف المغرضين "، فالله تعالى تعهد لهذه الأمة بأن يبعث رجالا يتصدون لهؤلاء المغالين والمفرطين أيضا، فرزق الله الأمة بالأزهر الشريف وعلمائه بأن يقوموا بهذه المهمة، وهم الآن يذودون ويدافعون عن الدين الحنيف.