رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ورطة إسرائيل فى رفح

رفح
رفح

تصعيد خطير تشهده الحرب بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية فى قطاع غزة، لا سيما بعد توغل جيش الاحتلال فى شرق مدينة رفح الفلسطينية، وتنفيذ عمليات عسكرية داخلها، والوصول إلى محيط معبر رفح.

بدأت إسرائيل اقتحام رفح الفلسطينية، تحديدًا شرق المدينة، وصولًا إلى الجانب الفلسطينى مع معبر رفح، وهو المعبر الوحيد الذى كان يعمل فى آخر ٤٨ ساعة قبل دخولها، ويتم من خلاله نقل المساعدات الإنسانية والإغاثية. 

وقع اقتحام الجيش الإسرائيلى مدينة رفح الفلسطينية، بعد وقت قليل من إعلان حماس موافقتها، رسميًا، على المقترح المصرى- القطرى بوقف إطلاق النار، الأمر الذى يؤكد نية تل أبيب المبيتة مسبقًا إطالة أمد هذه الحرب، بل توسيع نطاقها فى المنطقة.

تل أبيب تعتبر السيطرة على رفح ضربة قاسية لحماس وورقة ضغط فى المفاوضات

ترى إسرائيل أن السيطرة على الجانب الفلسطينى من معبر رفح ضربة قاسية لحماس داخل غزة، ومن ثم تزيد من ضغط الحركة، بدعوى أن تكون أكثر مرونة فى عملية التفاوض بشأن صفقة المحتجزين.

فى السياق ذاته، تدرك إسرائيل، جيدًا، أنها لا تستطيع تحمل مسئولية غزة أو إدارتها؛ لأن ذلك يشكل عبئًا اقتصاديًا وسياسيًا عليها حتى أمنيًا على المدى البعيد، ومن ثم فقد تعمل على إيجاد البديل لحكم حماس داخل غزة، أو أن تطالب بخروج قادة حماس، تحديدًا، يحيى السنوار رئيس الحركة بغزة، خارج القطاع، وأن يتم تقويض سلاح الحركات الفلسطينية. 

الاحتمال الأول، بوجود حكم بديل لحماس داخل القطاع، لن يكون من السهل تحقيقه فى وقت قريب، ما يعنى أنه يجب على إسرائيل أن تستمر فى وجودها داخل غزة، بل تحمل مسئوليتها بالكامل؛ كونها الدولة القائمة بفعل «الاحتلال»، ومن ثم تتحمل مسئوليته، وهو أمر مرهق لـ«تل أبيب» على جميع المستويات، ويضع كل النتائج التى حققتها عمليات الجيش داخل القطاع تحت بند الفشل.

وعملت إسرائيل، بدخولها رفح، على قطع أى حركة مرور على طول حدود القطاع، وذلك بدعوى منع تهريب عناصر حماس، بينما فى حقيقة الأمر، فـ«تل أبيب» تسير باتجاه إحداث كارثة جديدة داخل القطاع بوقف دخول أى شاحنة مساعدات.

منع دخول المساعدات ينذر بمجاعة كبرى ويفاقم الوضع الإنسانى الكارثى

سيطرة إسرائيل على الجانب الفلسطينى من معبر رفح، المنفذ الوحيد لإنفاذ المساعدات حاليًا، يعنى تعميق المأساة الإنسانية التى يعيشها الفلسطينيون المدنيون داخل غزة؛ منذ بداية الحرب قبل ٨ أشهر.

تلك الخطوة تعنى أن غزة ستشهد ربما أكبر مجاعة تحدث فى التاريخ، تحت وطأة الحرب الإسرائيلية العنيفة التى تشنها ضد الفلسطينيين؛ بدعوى القضاء على كتائب حماس هناك.

وكذلك، فإن أى عمليات عسكرية موسعة ستنذر بمخاطر جمة، أبرزها سقوط المزيد من المدنيين الفلسطينيين، ما يعنى حدوث مجزرة جديدة، بعد أن تجاوز عدد الشهداء الفلسطينيين ٣٤ ألف شخص معظمهم من الأطفال والنساء، ما سيضاف إلى سجل الجرائم والفظائع التى نتجت عن الحرب الإسرائيلية منذ بدايتها. 

فى السياق ذاته، فإن تأخير وقف إطلاق النار بالتبعية يعطل أى خطوات يتم ترتيبها من أجل إعادة إعمار القطاع، الذى تم تدميره بالكامل، بل تغيير ملامحه الجغرافية أيضًا، فى محاولة إسرائيلية واضحة لتقسيمه، أو بالأحرى لتفتيت غزة، ما يجعلها أقل تهديدًا لها فى المستقبل، حسب زعمهم.

هل تدرك إسرائيل ذلك الأمر الآن، أم أنها ستجد نفسها أما معضلة جديدة دوليًا وداخليًا، تقتضى أن تتحمل مسئوليتها، سواء فى ضرورة وحتمية إدخال المساعدات، ومن ثم توزيعها، وإعادة تفعيل أدوار المنظمات الأممية داخل القطاع؟

مصر تواصل جهود الوساطة لوقف الحرب ومنع انفجار الوضع فى المنطقة 

لا تزال مصر تكثف من جهودها من أجل تحييد المخاطر التى تنذر بها العمليات العسكرية الإسرائيلية الحالية فى غزة، حيث استقبلت وفدًا من قطر، وكذلك وفدين من إسرائيل وحماس، من أجل إعادة الأوضاع إلى نصابها الآمن، وعدم إهدار التقدم الذى تم إحرازه على مدار الأيام القليلة الماضية.

ومن المتوقع أن يحاول الوفد الذى أرسلته إسرائيل إلى المفاوضات التلكؤ فى عملية المباحثات، بل محاولة طرح اتفاق جديد بهدف كسب الوقت لوجود أطول للجيش الإسرائيلى داخل رفح، وهى محاولة يصممها بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلى، من أجل أن يكسب أى نصر صورى داخل غزة.

ولا يخفى على أى طرف أن السلوك الإسرائيلى الحالى من بين أهدافه الرئيسية، عرقلة المفاوضات، وتعثر الجهود التى تم بذلها مصريًا خلال الأيام القليلة الماضية.

الضغط الإسرائيلى على رفح يفتح الباب لدخول أطراف إقليمية فى الصراع وإشعاله

تداعيات التصرف الإسرائيلى المتهور بالدخول إلى رفح الآن، ينذر بتأجيج نيران الحرب فى بقاع مختلفة من المنطقة، ما سيمتد بالطبع إلى دول أخرى حول العالم. ووقعت اشتباكات، أمس، على الحدود بين لبنان وإسرائيل، حيث أطلق حزب الله عدة رشقات صاروخية تجاه المستوطنات الإسرائيلية، فى خطوة قد تتطور حدتها على الأرض لاحقًا. 

ولن يقتصر هذا الأمر على الحدود مع لبنان فقط، لكن من المرجح أن تنشأ ضربات أخرى ضد إسرائيل من سوريا واليمن، ما يعنى أن تل أبيب ستكون محاطة بحرب ضارية من كل حدودها، وهو توتر تخشاه الأوساط الأمنية فى تل أبيب، بينما يسير إليه نتنياهو بخطى ثابتة. 

والتوتر بين إسرائيل وأذرع إيران فى سوريا، واليمن تحديدًا، يهدد أمن الملاحة فى البحر الأحمر، وهو أمر من شأنه أن يهدد اقتصاد دول عالمية، من بينها أمريكا، الحليف الأهم لتل أبيب، وكذلك بريطانيا والصين، وغيرهما من الدول. ومن الضرورى أن تدرك إسرائيل، أيضًا، أن مصالحها فى كل دول العالم، ستكون مهددة؛ لا سيما من إيران التى لطالما عملت على تهديد المصالح الإسرائيلية فى العديد من الدول.

نتنياهو يستميت لإطالة أمد الحرب للحصول على وقت إضافى للمناورة السياسية

ألقت حماس الكرة فى ملعب إسرائيل بعد إعلانها، رسميًا، الموافقة على اقتراح وقف إطلاق النار رسميًا وعلنيًا، ما جعل إسرائيل فى موقف محرج، لا سيما أمام إدارة الرئيس الأمريكى جو بايدن، الذى يعارض سلوك حكومة نتنياهو فى التعامل مع ملف المحتجزين داخل غزة. 

ولذلك، سوف تسعى إسرائيل، خلال الأيام المقبلة، أن تروج بأنها تعيد الكرة إلى ملعب حماس مرة أخرى، حيث قال مسئول إسرائيلى، لصحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية: «من الصعب تصديق أنهم سيتبعون نفس المسار الذى اتبعناه، اقتراح حماس يهدف إلى تضليل إسرائيل وتقديمها على أنها متمردة».

وستعمل إسرائيل على وضع حماس، والسنوار، تحت ضغوط وجود قوات الجيش الإسرائيلى داخل رفح، حيث روجت تل أبيب إلى أن حكومة الحرب ترى أن حماس تحاول تحقيق وقف للحرب، بضمانة الإدارة الأمريكية، ودون التزام المنظمة بإعادة جميع المحتجزين، ويمكن أن تستمر فى الحفاظ على الغموض بشأن عدد الإسرائيليين الأحياء الذين بحوزتها، ما يسمح لها بالاحتفاظ ببعضهم لفترة غير معلومة، كضمان لاستمرار حكمها فى القطاع.

وتبرر إسرائيل أنه لذلك السبب قررت حكومة الحرب بالإجماع أن توجه الجيش بالدخول إلى رفح، وتوجيه ضربة استراتيجية لحماس، وانتظار النتائج، وبالتالى إدارة استمرار القتال.

فى حال لم تظهر النتائج التى تنشدها إسرائيل على المدى القريب، فإن الخيار سيكون إما قرارًا شجاعًا بالانسحاب من تلك الورطة التى وضعوا أنفسهم فيها، أو أن يستمر الجيش الإسرائيلى داخل رفح بدعوى التفكيك الكامل لقوة حماس هناك، وينتقل للتعامل مع كتيبتين فى منطقة دير البلح والنصيرات.