رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تعبتُ من الركض خلفك أيتها الفراشة

منير فوزى
منير فوزى

شكَّلها الربُّ الخالق من لبنٍ.. وطحينْ

خالطها من قمحِ النيلِ ومن صلصالِ فلسطينْ 

وسقاها من دمه،

فانتفضتْ جسدًا حيًّا يعبق بالأسرارِ

وبالتكوينْ

مكّنها من أن تصبح «سيدة الفتنة» فى هذا الكونِ؛ 

بأنْ كحّلها من بابلَ،

رشّ عليها زهوَ الشامِ، وضمّخها بالفلِّ،

وأوقدها فى البرد لهيبًا

يدفئ حضن المعشوقينْ

ألقى فى عينيها من سحرِ الليل كحولتَه،

أسدل منها خصلاتٍ تتماوج إذ تلمسها الريحُ،

وفجّر مرمرَها فى صدرٍ يترجرج عليينْ 

فانفجرت فى الأرض ينابيع عيونْ

وانتفضتْ أطيارٌ، كانت تشدو مترعةً حول حدائقها، 

وانبثقتْ فى الأفقِ حدائقُ زيتونْ

افترشتْ ظلَّ الخضرةِ كسوتُها،

فتراقص فى هسهسة الريحِ،

على إيقاع البهجةِ والألق الأرضى:

السرو،

وأشجارُ الليمونْ

وتسامق نخلٌ صنوانٍ وتطاول فى الآفاق،

إلى أن حطّ يمامٌ فوق طلائعهِ وتمطَّى.

هدَلَ بكل لغات الحبِّ العذبِ، 

وباح بما سيكونْ

وأتى من أقصى فجٍ فى الأرض العشاقُ

زرافاتٍ، 

تتعانق أيديهم، 

وتبوح بكل صنوف الحبّ الجارفِ، 

فيغنونْ 

للبهجة والحب وسيدة الفتنة:

شارتُها الوردةُ 

بيضاءْ

وعلامتها:

سربُ الغزلان طلائعُها، 

ويؤججها شوقٌ.. وفتونْ 

تستيقظ فى أعماق الشاعر كلماتٌ مفردةٌ مبهمةٌ،

لا تقوى أن تلمس مكنونَ الحبّ وجوهرَه،

فيتوق إلى أن يُمسك بتلابيبِ المعنى الأوحدِ

والأعمقْ

تصبح مفردةُ الشوقِ قواميسَ غرامٍ،

يرهقها التأويلُ،

ويُضمرها السرّ المكنونْ

تتواتر- فى صحن المعبدِ- أزمنةٌ موغلةٌ فى القدمِ،

وتكشف عن ساقيها بلقيسُ، 

فتنتفضُ النشوةُ بالآهاتِ،

وتستيقظ أرواحٌ فى أبهاء الضوء النورانىِ،

ويتسرب للكونِ جنونْ

يتهدج شاعرُنا بالشوق العاصفِ حتى تسقط دمعاتُ محبتِه،

وإذا سيدة الفتنة تلقاه وتأخذه من كفيْه إلى بهو الأعمدةِ،

فتشرق عبر فضاءات الشوق الراجفِ،

زهراتُ اللوتسِ، 

وترفرف فى عمق الدهشةِ: أطيارُ البلشونْ

ويغنّى العاشقُ للقادمِ حتى ينكفئ الحزنُ الدامغ فى عينيْه، 

يؤولُ إلى الصمتِ المشحونْ

فتجىءُ له فى أكمل فتنتِها،

وتعانقه، وتقبله قبلتها الأسمى،

حتى يستيقظَ فى داخله أوزيرُ الأكبرُ، 

يمنحها صكَّ أمومتِها،

فى وهج الخيطِ النورانى الذاهلِ بين الـ«كن» فـ«يكونْ».