"قناع بلون السماء".. الحكاية هى الكأس المقدسة والسجن لا سماء له (1)
هكذا يقول باسم خندقجي من عمق زنزانته المطلة من علو على متن روائي لصيق بالواقع الذي يتحدى نشرات الأخبارودروس التاريخ ويربط المتخيل بالواقع والحقيقي بروعة ظلال الشخصيات المبتكرة وقدرتها على ضخ تفاصيل مدوية عن الهوية الإنسانية لشعب أبي مناضل، عن معاناة جيل يولد ويموت تحت وطأة الفصل العنصري والتطهير العرقي والتصنيف الاثني والقهر والتشريد القمع والاضطهاد والظلم والاعتقال والترهيب والقتل والقهر ثمَّ السجن والتعذيب والمصادرة والتهجير ولعل خصوصية هذه المرحلة القاسية في ظروف حرب غزة الاستثنائية ومعاناة الشعب الفلسطيني جعل تداول النص الروائي مهمة شاقة رغم أن فنيات العمل الروائي تجاوزت بكثير ما سبق.
بل تعدت سياقاتها مفاهيم الصراع الوجودي والقضية الفلسطينية المتجذرة عروبيًا في وعي الأمة الجمعي لتتيح لنا اطيافًا لأنساق ثقافية فلسفية،تتناول مفاهيم التحديق والأنا، جدلية المعرفة الغنوصية الخاصة ب حقيقة (مريم المجدلية والمعرفة اللاهوتية المسيحية) كحبكة ثانوية، وانقسام ايديولوجية الكاتب الثقافية وفكره السياسي بين شخصيتي (مراد) و(نور) وخلق شخصية أور المضادة رمزيًا، جميعها تعتبر من الوحدات السردية التي خصصت لاكتمال المعمار الروائي مثل المسرود له داخل النص،والمقصود به: (المتلقي الضمني المتفق مع أيديولوجية المقاومة أو المنظور له في الاتجاه المعاكس (الباحثون عن الحياة والنجاة في ظروف الاحتلال القاهرة) أو القارىء الحقيقي الذي يتلقى النص بعذرية الباحث عن الحكاية،بمعنى الباحث عن الرواية الإطارية الإنسانية التي تدعم سياق الأحداث التاريخيةالمتخيلة في ظروف جيوسياسية مستقاة من واقع نعيش أحداثه المتأزمة المؤلمة في الحقيقة يوميًا.
الراوي المصاحب هو نور الشهدي
استمدت رواية (قناع بلون السماء )ملامحها الثقافية الواقعية والمميزة كي تأخذ الملامح الصادرة عن العمل الأدبي بصبغته التاريخية حصرًا على لسان راويه المتكلم بمعرفته الكلية من منظور شخصي انفعالي تحكمه مشاعر القلق والخوف والانتماء، ثم الانتماء البديل الهادم لمنظومة(نور) الأخلاقية التي سوف تفوز في النهاية. فحاضر الراوي المتكلم الذي نثق به ونتكامل برؤيته هو بين يدينا كقراء، الحافز الباطني،الذي يجعلنا بدوره نتورط في فضاءه السردي ونغدو جزءً منه، وهذا بالطبع أضاف قيمة جديدة للمتن فلم يسئ لبنية عناصر النص الحداثي بل أعطاها استلهامًا وجدانيًا خاصًا.
فجاءت الرواية أصيلة ومتينة ومحكمة ضمن قولبة للمزاج العام للمتلقي،خلال مقاربات خاصة تتفرد بثلاث أفكار هامة، كالزمن والمظهر والسرد الذاتي، بتعبير توماتشفسكي الذي يعتمد على راو يقدّم الأحداث برؤية ذاتية داخلية متغيرة زمنيًا ضمن تسجيلات صوتية تربطه بالحضور الغائب لصديقه المعتقل (مراد)، تضفي انطباعاته ووجهة نظره على الأحداث التي يكون شاهدًا عليها ومرتبطًا بها في الوقت نفسه، وهو لا يكتفي بالإخبار عن تلك الأحداث بل يعطيها تأويلًا معينًا يفرضه على القارئ(بنوعيه السلبي والإيجابي) بينما يظهر عامل الزمكان كاعتبار مختلفٍ وعائمٍ في ذاكرة جماعية تذوب فيها التجربة الفردية مثل زمن توهج الأحداث وبروزها (فشهر رمضان مختلف عند نور متلبسا شخصية (أور شابيرا) وبين سماء اسماعيل ذات الجنسية الاسرائيلية)، إن اللحظة التي نلج فيها العالم السردي الموازي، هي لحظة فارقة تفرض علينا وعيًا شموليًا، يجبرنا على تلبسه، وعلى الانتماء لثقافته الواقعية المغايره لمنطق فهمنا المتبدل والمتسارع بتسارع الأحداث وعلى الحقيقة المؤلمة التي تترصد بنا حين تحاصرنا الحقائق حول معاناة الشعب الفلسطيني المحاصر في أرضه والباحث عن حريته وحق عودته ولا سيما في هذه الظروف الآنية القاهرة.
البعد الفلسفي في النص
لعل أجمل ما يميز هذه الرواية الطازجة هو أنها تطرح تساؤلًا جدليًا عن خيارات اشتباك القراء بالنص الروائي:
أنتبع منطق الأفكار أم منطق التاريخ؟ منطق الحرية أم مفهوم الحرية الداخلية؟ مخاتلة التاريخ والأدب كما في رواية (دان بروان والمجدلية في شيفرة دافنشي) أوالانتماءات الخفية الضمنية للوطن والرغبة بالنجاة ومغامرة الحياة.فيطرح النص الروائي علامة فلسفية فارقة، هل الهدف من الأقنعة هو الرغبة بالنجاة؟! أم التحرر من القناع نفسه؟! أهو إدراك لعدم الكينونة وغياب المواطنة وارتباك ملامحها؟أم تعلم لمنظور واقع المحتل الغاشم وأيديولوجيته القائمة على ازدواجية المعايير؟ أم البحث عن الذات بمرآة بديلة يقدمها قناع أور كمعجزة ميثيولوجية تجد الحلول النهائية بعيدًا عن سلطة المستعمر الذي يجيد ابتكار الحقوق المستحقة والحقوق المخترعة من وجود وهمي، وحرية زائفة،وديمقراطية لاتشبه الا الهمجية من خلال ما يقوم به من استيطان،و احتلال،و اعتقال،و اغتيال،و تشريد،و مصادرة، مطاردة، ثم إقصاءً، فتهميش ؟
وكما يقول (نور الشهدي) في بطاقاته الصوتية:
(التعلم هو بداية الخروج من الاحتلال، (المرآة هي المعادلة)
وكذلك حين يبرر تعلم اللغة العبرية فيقول:
(التضامن هو سخرية من أولئك الذين يكونون ضيف شرف على النضال الحقيقي)
و أيضًا:
(البالونات السود لن تصل مراد، السجن لا سماء له)
وكما ورد في النص كذلك:
(حين تغدو العبرية (غنيمة حرب))
ثم ما يعبر عنه الكاتب من تغيرٍ لأيديولوجية المقاومة بفصائلها المتصارعة لدى الجيل الحاضر كما يراها بقوله:
(التساؤل بشأن هل هذا رصاص احتلالي أم شجار مسلح بين جماعتين متصارعتين على الوهم؟!)
بينما تتسرب فلسفة الأفكار القائمةعلى دعامة تاريخية وسلطة معرفية من خلال نموذج شخصية السخرية من كون شخصية مرسي الغرناطي التخيلية ودلالتها بمرسي أبو العباس حامي الاسكندرية بطريقته الصوفيه الشاذلية كفكر لاجئًا بدون قناع،لأنًه ارتدى عشقه للقدس ولم يأبه لأي متغير زمكاني ولا سيما شهر رمضان المبارك في ظروف الاحتجاجات القاهرة في المظاهرات الداعمة لأحداث حي الشيخ جراح الشهيرة.