رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الخلطة السعدنية.. محاولة حزينة.. لاقتفاء أثر فنان عظيم

صلاح السعدنى
صلاح السعدنى

فى نوفمبر ١٩٥٥ صدر العدد الجديد من مجلة التحرير الناطقة باسم ثورة يوليو الوليدة.. وقد امتلأت، كما هى العادة، منذ عددها الأول بصور وأخبار الضباط الذين قادوا الثورة وخاصة جمال عبدالناصر بعد أن توارت صور محمد نجيب منذ شهور مع إقامته الجبرية.

فى الصفحة قبل الأخيرة للمجلة كانت تحوى أكثر الأبواب قربًا للقراء تحت اسم «كرنفال» عبارة عن صفحة بريد تفاعلى مليئة بالرسائل والشكاوى ورسوم الكاريكاتير كلها نتاج خطابات القراء ومشاغباتهم.. وفى هذا اليوم تحديدًا نشرت فى الباب أربع صور من أصدقاء الصفحة الذين فازوا بالـ٥٠ قرشًا نظير إجابتهم عن سؤال العدد السابق، وأول هؤلاء كانت صورة لفتى برىء الملامح، نحيل القسمات لم يتعد عمره اثنى عشر عامًا وكتب تحتها الاسم «صلاح السعدنى - الجيزة».

شعر صلاح تلميذ السعيدية بالزهو عندما رأى صورته بالمجلة بعد أن اشتراها له شقيقه الكبير محمود الذى كان صحفيًا شابًا حينها يتصعلق فى صحف القطر المصرى منذ الأربعينيات ولاحقًا سيصبح واحدًا من أبرز من عملوا فى تلك المهنة.

بعد نزول الصورة بأعوام قليلة كان صلاح فى طريقه من بيته فى حارة سمكة بالجيزة إلى كلية الزراعة جامعة القاهرة القريبة من مسكنه.. حيث صار طالبًا جامعيًا الآن.. وعندما دخل الطالب النحيل إلى الكلية بحث عن مسرحها قبل أن يبحث عن مكان المحاضرات ودخل المسرح ليتعرف على زعيم الفرقة بالكلية، طالب آخر يماثله فى النحافة والموهبة من الحلمية ويكبره بثلاثة أعوام اسمه عادل إمام.

عادل أصبح فى لمح البصر هو الصديق الأقرب لصلاح وصارا متلازمين حتى عندما تخرج الأول.. وصار بيت صلاح القريب هو مأوى عادل الصعلوك المثقف الذى يبحث عن موطئ قدم فى عالم السينما والمسرح آخذًا بيد صديقه صلاح.

وأصبح مجلس محمود السعدنى هو المجلس المفضل لصلاح وعادل وصديقهما الثالث الذى ساقته الأقدار ليكمل الضلع الأخير لمثلث الصداقة الأبدى، واسمه سعيد صالح.

بدأ صلاح مشواره مبكرًا بدخول العالم الجديد المسمى التليفزيون فى بداية افتتاحه عام ٦٠ عبر دور لافت فى مسلسل «الرحيل» ثم أتبعه بأدوار جعلته علامة مسجلة فى أذهان مشاهدى التليفزيون، خاصة دوره منتصف الستينيات فى مسلسل «لا تطفئ الشمس» وقبله مسلسل الضحية فى دور أبوالمكارم.

اللافت أن صلاح، هذا الشاب النحيل على الرغم من صغر حجم أدواره نسبيًا، امتلك بصمة خاصة ظهرت من أول مشهد حتى لو كان الدور هامشيًا.

حتى علوانى الفتى الهش التافه فى فيلم «الأرض» علق فى أذهان محبى هذا الفيلم الأسطورى مناطحًا محمد أبوسويلم وعبدالهادى والشيخ حسونة.

إذن هى البصمة تلك الكلمة السحرية التى جعلته يصبغ روحه فى الشخصيات التى يتقمصها لتتماهى فيها ويتوه الخط الفاصل بين الواقع والخيال.

مرت حقبة السبعينيات الثقيلة على العائلة السعدنية بسلام، بعد أن عاد الأخ الغائب محمود السعدنى الذى كان سببًا فى توقف قطار أخيه الجامح نحو النجومية تنكيلًا له وإرهابًا لأخيه.

ثم جاءت الثمانينيات حقبة السعدنى المفضلة التى ترسخت فيها بصمته الأزلية فى الوجدان المصرى والعربى خاصة بعد أن ساق له القدر دورًا مستحقًا فى ملحمة الملاحم «ليالى الحلمية» فى دور العمر العمدة سليمان غانم بعد اعتذار صديق الصعلقة الأولى سعيد صالح عن الدور.. جاء بالتوازى مع أدوار راسخة فى السينما أيضًا مشاركًا رفاق العمر مثل عادل إمام فى «الغول» ١٩٨٣ ونور الشريف فى «زمن حاتم زهران» سنة ١٩٨٧ ليقوده إبداعه إلى بصمته الكبرى فى بداية التسعينيات «حسن أرابيسك» فى مفاجأة قدرية أخرى بعد أن كان الدور فى طريقه إلى عادل إمام.. وعُرض «أرابيسك» ليقلب معايير الدراما العربية رأسًا على عقب بعد أن كسر كل الأرقام القياسية فى التعلق الإنسانى بشخصية درامية بعد أن أسبغ صلاح عليها البصمة السعدنية التى تتعمق كلما أطل هذا الرجل بدور جديد حتى قرر الطفل الذى فرح بصورته فى مجلة التحرير فى عمر الزهور أن ينزوى بعيدًا على كنبته الأثيرة التى يرى منها مصر كلها بعد أن أسدلت كاميرات المخرج مجدى أبوعميرة الستار على مسلسله الأخير «القاصرات» سنة ٢٠١٣ لنشهد فى الأخير بعدها بأحد عشر عامًا جثمانه ساكنًا وهو ذاهب إلى قبره، لكنه أبدًا لم يكتب كلمة النهاية لبصمة ستظل محفورة داخلى وداخلك شئت أم أبيت.. بصمة وحيدة ليس لها شبيه وهى البصمة السعدنية.

المحظوظ.. من جاور الولد الشقى وشلته.. أبدع

لم ينكر صلاح السعدنى افتخاره بالنشأة المدهشة فى بهائها فى كنف أخيه الأكبر الولد الشقى محمود السعدنى، والأمر ليس راجعًا لمحمود فقط، بل إلى باقى شلة محمود التى يصلح كل اسم فيها أن يكون «نوارة» عصر بأكمله- على حد قول الكاتب أكرم السعدنى فى عدد مجلة صباح الخير الصادر يوم ١٥ مايو ١٩٩٧ الذى كتب فيه مقالًا يفيض بالمحبة لعمه صلاح بعد نجاح مسلسله «حلم الجنوبى» حينها.

كان صلاح محظوظًا ومدركًا قيمة تلك النعمة من أول لحظة وعلى عهده أكرم أنه «عمل من نفسه مقطورة» لأخيه الأكبر محمود- والتعبير لأكرم- بمعنى أنه فى نشأته الأولى كان يمضى معه فى حله وترحاله مرافقًا شلته ثقيلة القدر والمقام، ومنهم على سبيل المثال وليس الحصر «زكريا الحجاوى وعبدالرحمن الخميسى وعبدالحميد قطامش ونعمان عاشور ويوسف إدريس ومحمد عودة وألفريد فرج وأحمد طوغان وكامل الشناوى ومأمون الشناوى ولويس عوض وعباس الأسوانى وحسن فؤاد».

أسماء كلها كفيلة بأن تجعل الحجر مبدعًا، ويعلق أكرم على ذلك، قائلًا: «صحيح أن هؤلاء الكبار كانوا ينظرون إلى صلاح وشلته على أنهم شوية عيال، ولكن هؤلاء العيال استطاعوا أن يلتقطوا كل كلمة وكل معلومة ويفتشوا خلفها فى الكتب والمعاجم، وتفتحت أمام صلاح تحديدًا مناهل العلم والمعرفة فى وقت مبكر من صباه».

ومن بين هؤلاء العظماء، كان أكثرهم تأثيرًا فى السعدنى الصغير، عبدالرحمن الخميسى الذى سلم له صلاح عقله وقلبه خاصة بعد أن زامله فى فيلم «الأرض» وكان يقوم بدور «الشيخ يوسف» واكتشف فى الخميسى ضالته المنشوده، على حد قول أكرم السعدنى، فهو كنز من مختلف الفنون فيه تجد الشاعر والمؤلف والموسيقى والمخرج والسيناريست والممثل وكاتب المقال والمتحدث عظيم الشأن.

إذن الشاهد فى الموضوع أن صلاح كما أضير نظريًا من أخوته للسعدنى الكبير المشاكس مع السلطة، لكن هذا الضرر الفنى لا يمكن أن يقارن بقدر الاستفادة بالثقل الثقافى الذى أسبغته تلك العلاقة العائلية.

المتصالح.. اترك أعمالك تتحدث عنك والمجد سيأتى

لا أظن أن هناك فنانًا متصالحًا مع نفسه أكثر من صلاح السعدنى.. فالرجل الذى حدثت له فرملة إجبارية فى صعوده الفنى بسبب كونه أخًا لكاتب كبير مغضوب عليه سياسيًا لم يجعله هذا الوضع يتذمر وهو يرى أمامه أصدقاءه الذين بدأوا معه تتسارع خطاهم تجاه الشهرة والمجد الفنى خالقين جيلًا جديدًا يتسلم الراية من أجيال أقدم.

لم يستسلم صلاح لحالة مظلومية فرضت عليه كان يمكن أن يتماهى معها، لكنه كان محبًا لنجاح أصحابه وزملائه ومتصالحًا مع موهبته ومؤمنًا أن زمنه آتٍ لا محالة حتى وإن تأخر قليلًا بفعل ظروف خارجة عن إرادته.

مجلة «الكواكب» أجرت حوارًا كاشفًا منتصف الثمانينيات تحديدًا فى عدد ١٥ أبريل ١٩٨٥ وذلك قبل أن يدخل عالم «ليالى الحلمية» بأسطورة العمدة سليمان غانم التى بدأت بعدها بعامين فى سنة ١٩٨٧.

فى تلك اللحظة لم يكن السعدنى قد نال حقه بجانب أبناء جيله، لا مسرح ولا سينما ولا تليفزيون، وعلى ما يبدو أن محرر الكواكب حينها محمد الدسوقى قد حاول استفزازه- وهو أمر محمود صحفيًا- بسؤالين كان من الممكن أن يكون الرد ساخنًا ومحرضًا على العناوين الرنانة، لكن ذلك ليس مع السعدنى وهذا نص أسئلة الدسوقى وأجوبة صلاح:

«وأسأل نجم الحوار.. إلى أى جيل فنى تنتمى.. وأين رفاق جيلك الآن؟

■ ببساطة يرد: أنا من جيل عادل إمام وسعيد صالح ونور الشريف ومحمود ياسين وعزت العلايلى.. وكل النجوم الذين فى المقدمة الآن.

■ ألا تشعر بالغيرة منهم لأنهم يتربعون على مساحات واسعة فى مقدمة السباق؟

- ولماذا أشعر بالغيرة منهم؟.. إذا كانت غيرة.. فهى غيرة فنية.. ولماذا أنظر إلى هؤلاء ولا أنظر إلى الذين أتوا من بعدى وأصبحوا نجومًا الآن مثل «فاروق الفيشاوى» و«أحمد زكى»!

■ أرى أنك تأخذ الأمور ببساطة شديدة.. وكأن الأمر لا يعنيك إطلاقًا؟

ينفى عدم مبالاته بقوله:

- لا.. ليس إلى هذه الدرجة.. ولكن هذه مسائل لا أتوقف أمامها كثيرًا.. لأننى عندما دخلت هذا السياق الفنى لم أضع فى ذهنى أن أكون «فريد شوقى» أو «إسماعيل ياسين» أو غيرهما من النجوم الكبار اللامعين.. وقد يكون هذا راجعًا إلى شىء مهم ورثته عن الذين قاموا بتربيتى.. وهو القناعة الشديدة.. والرضا بالقليل ويكفى أننى أشبع هوايتى ورغباتى. وأنا لا أنظر أمامى إلى القلة المعدودة من النجوم، ولكننى أنظر إلى الطابور الطويل الواقف خلفى ينتظر دوره.. وأبتسم».

الصادق.. قُل الحق ولو على رقبتك وسلمها لله

فى نفس حوار الكواكب ملمح مهم من بصمة السعدنى الإنسانية عندما رد على سؤال لمحرر «الكواكب» الذى يسأله عن الحلقة المفقودة التى يمنعه غيابها من النجومية المستحقة- لاحظ أن الحوار عام ٨٥، كما قلنا قبل البزوغ الكبير لنجمه فى التليفزيون- صلاح رد قائلًا إن تلك الحلقة ببساطة تتمثل فى شىء واحد هو أننى ممثل لا يجيد الدعاية لنفسه مثل الآخرين.. واسمح لى بأن أقول لك إننى غير لامع على صفحات الجرائد والمجلات فقط، لأننى غير مؤمن بالدعاية عن نفسى وعن أعمالى من الأساس.. وسأعبر لك عن رأى قد يغضب الكثيرين منى وهو أن «نور الشريف» عندما حصل على الجائزة الثانية من مهرجان نيودلهى السينمائى عن دوره فى «سواق الأتوبيس»، وتم حجب الجائزة الأولى، فماذا حدث لـ«نور»؟.. احتفلت به أكاديمية الفنون، وقدمت له درع «زكى طليمات» تقديرًا له ولفنه... واحتفلت به وزارة الثقافة أيضًا، كما احتفل به نادى الزمالك وكل الهيئات الفنية وغير الفنية التى ينتسب إليها «نور».

ونترك «نور» قليلًا وننظر إلى «يحيى الفخرانى» الحائز على جائزة التانيت الذهبى من مهرجان «قرطاج» السينمائى.. فماذا حدث؟ هاجمه النقاد واتهمه البعض بأنه ثقيل الظل وغير فنان، وبالتالى ما كان له أن يفوز بالجائزة.. وأن عادل إمام أفضل منه بمراحل، وكأن «الفخرانى» واجب وفرض عليه أن يتنازل عن الجائزة لغيره ولهذا لم يحتفل به أحد.. ولم يقل له أحد كلمة شكر واحدة.. فهل هذا عدل؟!

من هاتين التجربتين يمكننى أن أقول وببساطة إن هناك بعض الناس يجيدون تسويق أنفسهم وفنهم والبعض الآخر يكتفى بممارسة دوره فى الحياة بهدوء وبساطة، من منطلق أن العمل الجيد هو الذى يفرض نفسه على الناس وعلى الوسط وعلى تفكير رجل الشارع.. وأنا من هؤلاء الناس البسطاء الذين يتركون أعمالهم تتحدث عنهم.

انتهى رد السعدنى الصريح الذى كان من الممكن أن يغضب أعز أصدقائه عادل إمام ونور الشريف واللذين كانا بالطبع أقرب إنسانيًا بمراحل له عن يحيى الفخرانى الذى لم تكن صداقتهما توطدت بعد.. لكن صلاح آثر الصدق وتحراه حتى لو أغضب أقرب الناس إليه.

الحكاية ببساطة أن صلاح استفزه موقف الصحافة والنقاد من فوز يحيى الفخرانى بجائزة مهرجان قرطاج عن فيلمه الأيقونى «خرج ولم يعد» على حساب وحش الشاشة فريد شوقى عن نفس الفيلم، وعادل إمام نجم نجوم الجيل الذى كان منافسًا له، وكأن الناس استكثرت على الفخرانى الذى لم يكن نجمًا لامعًا أن يقتنص جائزة بتلك الأهمية من فريد وعادل.. والغريب أن سببًا من أسباب فوزه كان نور الشريف نفسه عضو لجنة تحكيم المهرجان حينها وهو الذى ضرب به صلاح المثل لبيان الظلم الذى وقع على الفخرانى، حيث إن الاحتفاء كان كبيرًا بنور لفوزه بالمركز الثانى عن فيلم «سواق الأتوبيس»، فى حين أن الفخرانى لاقى تجاهلًا واستكثارًا عليه لحصوله على جائزة أفضل ممثل.

وذلك سر آخر من أسرار السعدنى «قُل الحق وسلمها لله»، وهى بالمناسبة نفس الكلمة التى كانت على لسان بطل «أرابيسك» حسن النعمانى دائمًا عند كل موقف صعب يواجهه «سلمها لله»، وكأن أسامة أنور عكاشة استلهمها من شخصية صلاح فى الحقيقة.

الصديق.. يا بخت من كان صلاح صاحبه

الحقيقة أن صلاح السعدنى لم يكن صديقًا تقليديًا، بل كان هو الصديق المثال.. أو المعيار الذى يمكن أن تُقاس عليه الصداقة الحقيقية، وإن لم تصدق فعليك مراجعة أقوال أصدقائه عليه أو حديثه هو عن أصدقائه.

فى حوار تليفزيونى ممتع بينه وبين نور الشريف موجود على الإنترنت يقوم فيه صلاح بدور المحاور ويقوم نور بدور الضيف، لكنه يتحول إلى حوار ثقافى وإنسانى ممتع بين صديقين.. يجعلك تنبهر بمستوى الوعى والثقافة الذى امتلكه الاثنان ويصيبك فى الوقت ذاته الإحباط من حالة عامة من الضحالة تسيطر على كثير ممن يتصدرون المشهد الفنى الآن بدون تعميم.

ما يهمنا فى الحوار ما حكاه نور عن صفاء سريرة السعدنى وحبه لأصدقائه عبر موقف شخصى جمعهما، حيث بدأ نور بعد صلاح وكان يؤدى أدوارًا هامشية خلفه فى المسلسلات التى كان يلمع فيها السعدنى مثل «لا تطفئ الشمس»، الذى أدى فيه نور دورًا صغيرًا يقول فيه جملة واحدة على حد قول نور.. لكن ما حدث بعد ذلك أن حسن الإمام التقط موهبة نور الشريف وفتح له باب النجومية على مصراعيه فى الوقت الذى توقف انطلاق صلاح قليلًا نتيجة إخوته لمحمود السعدنى، وهذا الأمر كان من الممكن أن يوقظ مشاعر الغيرة الإنسانية المعتادة، لكن مع صلاح السعدنى كان الأمر مختلفًا، فقد تعامل مع نجاح نور على أنه نجاح شخصى له.. ونفس الأمر مع عادل إمام وسعيد صالح رفيقى السلاح.. والتعبير الأخير ليس من صياغتى ولكنه جاء على لسان الزعيم عادل إمام نفسه عندما سُئل فى لقاء تليفزيونى حديث عن أقرب أصدقائه قال بالنص: «صلاح السعدنى وسعيد صالح.. دول رفقاء السلاح».

المفارقة أن أهم دورين لصلاح السعدنى كان هو المرشح الثانى بعد صديقيه الأقرب، حيث كان العمدة سليمان غانم ذاهبًا إلى سعيد صالح وذهب يحيى الفخرانى مع إسماعيل عبدالحافظ لسعيد إلى المسرح لمحاولة إقناعه بالدور، لأن الكل كان يراه أنسب الفنانين ليكون سليمان غانم بما يحمله من مسحة كوميدية تناسب شخصية سعيد، لكن دارت الأيام وصار لا أحد يجرؤ أن يتخيل شخصًا آخر مكانه. وبالمثل كان حسن أرابيسك، حيث كان عادل إمام فى مخيلة أسامة أنور عكاشة، لكنه تخلى عن أحلامه عندما لمح الزعيم إلى رغبته فى تغيير بعض النقاط فى السيناريو، فما كان من أسامة إلا ترشيح صلاح السعدنى للدور، وكالعادة أصبح هو حسن النعمانى، ولا يصح أن يكون غيره حسن النعمانى حتى لو كان الزعيم، أما الشاهد هنا هو:

كيف تعامل سعيد وعادل مع الأمر بعد النجاح الباهر لصلاح فى الدورين؟

الحقيقة أنهما كانا أشد الناس فرحًا بصديقهما الذى نال ما يستحقه بعد صبر طويل، وعبر الثنائى عن ذلك فى أكثر من موضع.

من الصعب حصر أدلة على تعظيم فكرة الخل الوفى أو الصديق المحب التى كان يمثلها صلاح السعدنى مع كل من عرفهم، لكن بما أننا تكلمنا عن أيقونته حسن أرابيسك، فلا أقل من أن نتذكر بكل الحب الأسطى عمارة أو أبوبكر عزت الذى رافق صلاح حيًا وميتًا.. وعلاقة الاثنين «صلاح وبكر» تحتاج كتابة أكثر تدفقًا، سوف يأتى وقتها بالضرورة، لكن ملامحها حكتها عنها ابنة الثانى الكاتبة اللامعة سماح أبوبكر عزت فى حديثها الحزين بعد موت صلاح السعدنى، حيث وصفت المشهد بأنه موت ثانٍ للأب أبوبكر عزت والمفارقة أن صوت صلاح كان آخر ما سمعه أبوبكر عزت حيث كانا يتفقان على خروجة عائلية، لكنه للأسف توفى بعد المكالمة مباشرة.. ودفن فى المقبرة التى تجاور مقبرة السعدنى، حيث اشتراها الاثنان معًا قبلها بسنوات وكأنهما أرادا أن تستمر الرفقة بعد الموت كما كانت قبل الموت.

رحم الله صلاح وسعيد ونور وبكر وأطال بقاء عادل ويحيى.