"أحفاد تولستوي".. الورثة الروحيين لأديب روسيا في ذكراه
مايقرب من 270 هو عدد أحفاد تولستوي البيولوجيين، فرقتهم الظروف والحياة بين روسيا ودول أوروبية، لكن هناك أحفاده الروحيين الذين ساروا على نفس النهج والطريق في مجال الكتابة والإبداع، وفي ذكرى رحيله الـ114، الذي يوافق 19 نوفمبر، يدور التقرير التالي عن ورثته وأحفاده الروحيين في المجال الفكري والإبداعي.
قال المترجم والأكاديمي الدكتور تحسين رزاق، إن الأدب الروسي الحديث متنوع للغاية، ولا يشمل الكتب التي أُلِّفَت في الآونة الأخيرة فحسب، بل يشمل كذلك نتاجات الأدب الذي كان ممنوعًا في الحقبة السوفيتية، ونتاجات الكُتاب الروس في المهجر.
أضاف: "تتعايش في العملية الأدبية الحديثة اتجاهات مختلفة، من أبرز الظواهر الثقافية الأكثر إثارة للاهتمام، اتجاه ما بعد الحداثة – وهو اتجاه لا يقتصر على الأدب فحسب، بل ويشمل أيضًا جميع التخصصات الإنسانية، نشأ ما بعد الحداثة في الغرب في أواخر الستينيات من القرن الماضي، ونشط في روسيا في أواخر القرن العشرين وسيطر على المشهد الثقافي في بداية القرن الواحد والعشرين، وهو بحث عن التوليف بين الحداثة والثقافة الجماهيرية، وتدمير أي أساطير.
حاولت الحداثة أن يكون الفن الجديد، الذي أنكر في البداية الفن الكلاسيكي القديم. لم تنشأ ما بعد الحداثة بعد اتجاه الحداثة، ولكن بجانبه، وهو لا ينكر كل شيء قديم، بل يحاول إعادة التفكير به على نحو مثير للسخرية. من أهم الكتّاب الروس المعاصرين الذين يمثلون اتجاه ما بعد الحداثة الذي بدأها في الأدب الروسي فينيدكت يروفييف وأندريه بيتوف: فيكتور بيليفين وفلاديمير سوروكين وفاسيلي أكسينوف، وقد ساعدت الجوائز الأدبية الشهيرة، كالبوكر الروسي وجائزة الكتاب الكبير وجائزة أفضل المبيعات على طرح نماذج شعبية راقية تمثل استمرارية للأدب الروسي الكلاسيكي في القرن التاسع عشر والأدب السوفيتي الواقعي أو أدب الواقعية الاشتراكية.
أحفاد تولستوي
يفغيني غيرمانوفيتش فودولازكين (1964) كاتب وناقد أدبي روسي، دكتوراه في فلسفة اللغة، صدرَت له عدة كُتب في مجال علم اللغة والأدب الروسي القديم واللغة الروسية القديمة والرواية والمسرحية والقصة القصيرة، ومجموعة من الروايات التي فازت بأعلى الجوائز الأدبية في روسيا كالبوكر الروسي وجائزة الكتاب الكبير وجائزة كُتّاب القرن الواحد والعشرين، وجائزة كتاب العام وجائزة ياسنايا بوليانا وغيرها من الجوائز، كل كتاب يصدر للمؤلف يشكل حدثًا أدبيًا رفيعًا تهتم به الصحف ووسائل الإعلام. الزمن والذاكرة هما الموضوعان المفضلان لدى فودولازكين، أطلقت عليه الأوساط الأدبية في روسيا وفي أوربا لقب امبرتو ايكو الروسي. كل عمل من أعماله عبارة عن مزيج من التلاعب الفكري الرائع ورصانة اللغة والحبكة المسلية.
تُرجِمَت جميع روايات الكاتب إلى العديد من اللغات العالمية، فعلى سبيل المثال، تُرجِمَت روايته «لاوروس» إلى 35 لغة وعُقد في عام 2022 مؤتمر عالمي بجامعة غرناطة في إسبانيا لمناقشة ترجمة الرواية. صدرت ترجمات لثلاث من روايات الكاتب باللغة العربية عن دار المدى («لاوروس»، و«الطيار»، و«بريسبان»، وستصدر الرواية الرابعة «مُبرر الجزيرة» قريبًا).
يفغيني نيكولاييفيتش (زاخار) بريليبين (1975) كاتب روائي وصحفي ولساني. واحد من أهم الشخصيات الأدبية على الساحة الروسية. فاز بأهم الجوائز الأدبية في روسيا: وسام وشهادة تكريم من رئيس الاتحاد الروسي فلاديمير بوتين (2021) - لمساهمته الكبيرة في تعزيز الثقافة، وسام الشجاعة (6 يونيو 2023) - للشجاعة والتفاني المتجسدَين في أداء الواجب المدني والثقافي، وسام نيغوش من الدرجة الأولى (أغسطس 2018، جمهورية صربيا) - للعمل والمزايا في التنمية الثقافية والروحية.
نال جائزة البوكر الروسي عدة مرات، أفضل المبيعات لجميع أعماله، وجائزة أفضل كتاب سردي، وجائزة هيرتسن، جائزة الدولة الأدبية، وجائزة بوشكين، والجائزة الدولية لمدينة كاسينو "Letterature dal fronte" (إيطاليا) 2018، وجائزة الكتاب الكبير، وجائزة ياسنايا بوليانا، وجائزة كتاب العام، وغيرها من الجوائز الكبيرة، كُتِبَت الكثير من الدراسات النقدية حول نتاجاته الأدبية، ونُوقِشَت عنها أطروحات ماجستير ودكتوراه كثيرة.
يتمتع بريليبين بميزة نادرة: إذا كان يحب شيئًا ما أو شخصًا ما، فهو يعرف كيف يتحدث عن هذا الحب بطريقة تجعل الناس الذين يسمعون أو يقرأون عن هذا الحب يصابون به حتمًا. يكتب بريليبين وكأنه ليف تولستوي في القرن الحادي والعشرين. خطاب الكاتب وأسلوبه يخلو من خزعبلات ما بعد الحداثة، ويغازل القارئ، «بأشياء عصرية» - وفي الواقع اتضح أنَّ هذا هو أسمى ابتكار للكاتب، تُرجمَت أعمال الكاتب إلى العديد من اللغات الأجنبية، وصدر له كتاب باللغة العربية عن دار كلمة في دولة الإمارات العربية المتحدة.
يوري فاسيليفيتش بويدا (1954) – كاتب روائي ومحرر وصحفي روسي، حازت رواياته على جائزة الكتاب الكبير والبوكر الروسي وغيرها من الجوائز المهمة في روسيا، سواءً بالمركز الأول أو بالقائمة القصيرة.
تصدر أعماله باللغة الروسية في جميع بلدان الاتحاد السوفيتي السابق، وتُرجِمَت إلى الكثير من لغات العالم. صدرت بعض أعماله باللغة العربية، أُخرِجَت معظم أعماله على المسرح أو في السينما، كُتِبَت عن أعماله بحوث دراسات رصينة، والعديد من رسائل الماجستير والدكتوراه. يُعد من أهم الكتّاب الروس المعاصرين.
ليونيد أبراموفيتش يوزيفوفيتش (1947) - كاتب روائي وسيناريست ومؤرخ روسي. مؤلف روايات بوليسية وتاريخية. دكتوراه في علم التاريخ. حائز على العديد من الجوائز الأدبية في روسيا، بما في ذلك جائزة الكتاب الكبير وجائزة ياسنايا بوليانا، والبوكر الروسي. كتب من أكثر المبيعات في روسيا ودول الاتحاد السوفيتي السابق. تُرجِمَت أعماله إلى العديد من اللغات الأجنبية.
وكٌتِبَت الكثير من أطروحات الماجستير والدكتوراه عن رواياته وأعماله السردية. ونُشِرَت الكثير من الدراسات عن أعماله السردية في المجلات الأدبية الرصينة، واهتمت بأعماله الصحافة ووسائل الإعلام.
بدأ مشواره السردي منذ السبعينيات. كتبَ القصة القصيرة والرواية والقصة الطويلة، صدر له أكثر من 25 كتابًا. أُخرجَت ستة من أعماله في السينما، ومُثِّلَت على المسرح.
فلاديمير سوروكين واحد من أهم كُتّاب الرواية والسيناريو والمسرح في روسيا، أحد أبرز ممثلي الفن المفاهيمي (الذي يُسمى أحيانا بالمذهب التصوري) وفن ما بعد الحداثة في الأدب الروسي، مؤلف إحدى عشرة رواية وعدد كبير من القصص والقصص القصيرة والمسرحيات والسيناريوهات. الكاتب حائز على العديد من الجوائز الأدبية في روسيا وأوروبا، ورُشِّح عدة مرات لجائزة البوكر الدولية. تُرجِمَت أعماله إلى عشرات اللغات.
أثارت أعمال فلاديمير سوروكين في روسيا مرارًا وتكرارًا مواضيعًا للنقاش العام، بما في ذلك التقاضي في المحاكم. أكمل في عام 1977 الدراسة في معهد موسكو للنفط والغاز (معهد غوبكين) اختصاص مهندس - ميكانيكي. بدأ العمل في مجلة «البديل» وفصل منها لرفضه الالتحاق باتحاد الشبيبة الشيوعية (كمسومول).
اشتغل بالخط والرسم وفن التصوير. وتبلورت شخصيته بوصفه كاتبًا في أوساط كتّاب ورسامي حركة اندرغراوند في موسكو في الثمانينيات، نشرت له مجلة (ألف - ياء) الباريسية في عام1985مجموعة مختارة تضم ست قصص قصيرة.
وصدرت لسوروكين في العام نفسه رواية «الطابور» عن دار نشر «سينتاكسيس» (فرنسا). نُشِرَت في روسيا رواية «الطابور» في مجلة «فن السينما» عام 1992، أما دار نشر «روس ليت» (موسكو) فنشرت له مجموعة القصص القصيرة، التي دخلت في القائمة القصيرة لجائزة البوكر. رشِّحت مخطوطة روايته «قلوب الأربعة» لجائزة البوكر ودخلت في القائمة القصيرة.
مؤلفات فلاديمير سوروكين مترجمة إلى الكثير من اللغات الأوربية إضافة إلى اللغتين اليابانية والكورية والصينية. ونشرَت رواياته أفضل دور النشر الأوربية.
نال فلاديمير سوروكين جائزة «البوكر الشعبي» في أيلول عام2001، وبعد ذلك بشهرين نال جائزة أندريه بيلي «على خدماته المتميزة للأدب الروسي»، وهو حائز على جائزة وزارة الثقافة الألمانية، وجائزة ليبرتي عام 2005، وجائزة غوركي الدولية وجائزة الكتاب الكبير، وجائزة أوليفر هنري عام 2022. وهو عضو في رابطة نادي القلم الدولي. أصدر سوروكين عدة روايات أهمها رواية «شحم الخنزير الأزرق» (1999) التي أصبحت رائجة على نطاق واسع بمشاهدها الجنسية المثلية وتسبت برفع دعوى لمحاكمة سوروكين بتهمة نشر مواد إباحية. ولكن أُسقِطَت التهمة فيما بعد.
تعرَّض فلاديمير سوروكين في المدة ذاتها إلى مضايقة من جانب منظمة «سائرون معًا» الشبابية الوطنية. ولفتت الحادثة هذه الأنظار إلى سوروكين، وساهمت في زيادة الإقبال على قراءة الرواية، وتضاعف أرقام مبيعاتها. وكتب عدة أعمال أخرى مثل: «ثلاثية الجليد» (2002- 2006) و«تيلوريا» (2013) و«ماناراغا» (2017) و«الدكتور غارين» (2021)، وألّف إحدى عشرة مسرحية أهمها «الجَدَّة الروسية» و«الذكرى» و«رحلة دوستويفسكي» و«الثقة» وستة سيناريوهات أفلام، كتب سوروكين للسينما عدة سيناريوهات وكلّفه المسرح الكبير (مسرح البلشوي) في عام 2005 بكتابة حوار أوبرا «أبناء روزنتال» على موسيقى ديسياتنيكوف.
من جهتها قالت المترجمة رولا عادل: “صحيح أن الفرق واضح بين الكتابات في العصر الذهبي للأدب الروسي أو ما يميزه القارئ العربي بدون تفصيل باعتباره (الأدب الروسي الكلاسيكي) والإسهامات الحالية في الأدب الروسي المعاصر”.
وأضافت: “هذا لا يمنع أن الأدب الروسي المعاصر له بصمة واضحة مثل كتابات ميخائيل شيشكين وجيزال ياخينا والتي حازت على جائزة (ياسنايا بولينايا) الأدبية وتعد من أهم الأقلام الروسية الواعدة مؤخرا”.
تابعت عادل: “بعيدا عن ما يطلق عليه اصطلاحا، (الأدب الحاد)، وهو المصطلح الذي أختلف معه قليلا، فالحقبة الأدبية الروسية حاليا تتجه بتأثير واضح نحو كتابة أدب الخيال العلمي، وأظن ذلك يعود إلى تأثير العصر الحالي والتطور التكنولوچي والمخاوف العامة من سيطرة الآلات على البشرية أو على الأقل استبدالها”.
أشارت عادل إلى “غير أن هذا الاتجاه لا يصل منه إلى القارئ العربي سوى القليل، والسبب فيما أظن يتعلق بسمعة الأدب الروسي العظيم الباحث في النفوس البشرية ومصائر الإنسانية وأثر الحروب والمآسي الاجتماعية، وبالتالي لا تهتم معظم دور النشر الحالية إلا بترجمة ما يشابه تلك السيرة والسمعة”.
وختمت: “على الرغم من أن المطلعين على الأدب الروسي الكلاسيكي يعلمون تمام العلم بأنه احتوى على كافة صنوف الأدب من أدب نفسي، اجتماعي، جريمة، خيال قوطي وخلافه”.