رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الميري وترابه

عارف إنت حكاية الميري وترابه، حكيتها قبل كدا، وبـ سرعة، الميري دا كان مكان توزيع القمح، وساعات كان الواحد يروح متأخر فـ ما يلاقيش، فـ يقعد يعبي في التراب وخلاص، لـ إنه لما يروح البيت وينخل التراب دا هـ يلاقي شوية يطحنهم، أهو أحسن ما يرجع فاضي خالص.
لكن الميري كمان بـ يقولوه المصريين على الوظايف الحكومية، اللي كانت مطمع وحلم لـ البشر أجمعين، وإحنا عارفين إن المصري يحب الوظيفة الحكومي الميري ويفضلها على أي شغلانة، خاصة على اعتبار أنها الأمان والضمان والمعاش، حتى لو كان مرتبها ملاليم، بس الحكاية دي برضه ليها أساس.
في 1901، حصل أول تقسيم رسمي لـ الموظفين وتحديد لـ رواتبهم، دا المعروف في التاريخ بـ اسم ديكرتو 1901. تقسيم المصريين في وظايفهم من يومه غير عادل، ولا حتى قريب من العدل، إذا اعتبرنا يعني واحد من معايير العدالة هو التساوي أو حتى التقارب، فـ دا عمره ما كان حاصل، لـ إنه ساعتها كانت نسبة الفرق بين أدنى مرتب وأعلى مرتب في نفس الوظيفة بـ توصل لـ 370%، يعني إنت تقبض ألف جنيه، فـ يبقى ليك زميل بـ يقبض 370 ألف، ودي نسبة مالهاش أي وجود في العالم.
التفرقة والاستثناءات شملوا تقريبًا كل حاجة، مثلًا الحاصلين على الشهادة الابتدائية كان مرتبهم من 4 جنيه لـ حد 6 جنيه، الثانوية من 6 لـ 20 جنيه، المدارس العليا (اللي هى توازي الكليات دلوقتي) كان حدها الأدنى 12 جنيه، ومالهاش حد أقصى.
المهندس الميكانيكي كات راتبه السنوي من 360 لـ480 جنيه، المهندس المعماري من 400 لـ600 جنيه، المهندس الكهربائي يبدأ من 600 جنيه في السنة، في حين كان الموظف في نظارة الحقانية مرتبه ما بين 216 لـ264 جنيه في السنة.
أما عن الفرق بين المصري والأجنبي فـ حدث بـ كل حرج، مدرس الخط الإنجليزي مثلًا كان مرتبه 3 أضعاف مدرس الخط العربي، الموظف المصري اللي كان مرتبه  108 جنيه في السنة، اللي بـ يشتغل نفس الوظيفة بس أجنبي ياخد 400 جنيه سنويًا
لكن مع كل التباينات دي، كان المصريين برضه بـ يتسابقوا ع الوظايف، لـ إنها مش متاحة لـ الجميع، لـ إنه زي ما حضرتك شايف محتاجة شهادات علمية، أو على الأدق تعليمية، ودا كان صعب جدًا لـ إنه التعليم كان غالي، بس كان تعليم، غالي بس تعليم، فـ المتعلم كانت فرصته إنه يلاقي وظيفة مش قليلة، ولـ ذلك كان بـ يقال وقتها "بلد شهادات، ودا استمر حبتين وسمعناها من عادل إمام في المسرحية الشهيرة.
إنما في النهاية مرتب أقل موظف كان يعيشه ملك، الأربعة جنيه دول (الحد الأدنى) كانوا يخلوك تأجر شقة كبيرة في مكان كويس، وتعيش مرتاح من حيث متطلبات الحياة الأساسية، وتقدر كمان يبقى عندك شغالة وسفرجي، الأكتر من كدا كانوا بـ يعيشوا ملوك، ملوك ملوك يعني. ما كانش فيه ثقافة الادخار والتحويش، كان الطبيعي إن الموظف يصرف مرتبه كله، بـ اعتباره ما دام اتعين، ضامن وظيفته دي، ولو حصل له حاجة، ضامن يقبض معاش شهري، عايز إيه أكتر من كدا؟
بس يلاقي الوظيفة، بس يلاقيها، وتلك هى المسألة!