رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

جريمة السيدة "داليا زيادة"

تُمثل السيدة "داليا زيادة" نمطًا جديدًا من دعاة "التطبيع" والمتكسبين من تجارة "السلام" بمفهومه الإسرائيلي، والمتعيشين على فتات عطاءاتها المادية الأدبية، التى ارتفعت أسهمها في أعقاب زيارة الرئيس الأسبق "أنور السادات" للقدس المُحتلة وتوقيعه اتفاقيات "الصلح" مع العدو الصهيوني، وفي مقدمتها اتفاقية "كامب ديفيد" وملاحقها، في أواخر عقد السبعينيات في القرن الماضي.

 وقد استُقبل أيامها، (يونيو 1974)، الرئيس الأمريكي الأسبق "ريتشارد نيكسون"، في زيارته لمصر، استقبال الفاتحين الأماجد، رغم أنه كان يتعرض في بلاده للهجوم والمُحاسبة القاسية بسبب تورطه في مُستنقع فضيحة "ووترجيت"، ويومها انهالت على مصر وعود "الرخاء" الموهوم، وجرى التلويح بالسفن الأمريكية التى تتحرك باتجاهنا مُحمَّلةٍ بـ"المن والسلوي"، وجرى خداع المواطنين بوهم أن الهِبَات الأمريكية السخيّة القادمة مع الزائر (الكبير!) ستحل كل مُشكلات الاقتصاد المصري الذي كان يئن تحت وطأة نهب "القطط السُمان"، وكوارث "انفتاح السداح مداح"؛ التي كانت رائحتها قد فاحت وزكمت الأنوف!

وتحت مزاعم "السلام" الزائف ووعوده، التي يسيل لها لُعاب انتهازي كل مرحلة، انهالت "المشاريع" المُشتركة بين عدد من المنسوبين لفئة "رجال الأعمال" الذين تسارعوا للفوز بعوائد "التطبيع" الاقتصادية المسمومة، لكن الأخطر هي تلك العلاقة البائسة التي تشكَّلت بين شرذمة من الفلول المنسوبة للثقافة، والأكاديمية المصرية، الحاضنة التاريخية لقيم وتَمَثُّلات الروح المصرية الصافية، والهوية الوطنية الجامعة، والذين شذَّوا عن الموقف الجماعي للشعب المصري، ولمثقفي مصر المُحترمين، وخاصموا مواقف غالبيتهم الغالبة الوطنية الصارمة من عدوى "التطبيع" بكافة صوره وأشكاله، فجرى التواصل بينهم وبين عناصر من أجهزة المُخابرات الصهيونية؛ والقادة العسكريين السابقين، المُتخفين في صورة خبراء ومُحللين سياسيين، وأكاديميين، و"دعاة سلام" وهميين، للاستفادة من "منح السلام" الأكاديمية، وعبر تكوين التحالفات السياسية والفكرية (مثل تحالف "كوبنهاجن" وخلافه)!

ونشط نشاطًا واضحًا في هذا السياق التطبيعي الدكتور"سعد الدين إبراهيم"، الوثيق الصلة بالأوساط الأمريكية والإسرائيلية، والذي رحل عن دنيانا أواخر شهر سبتمبر الماضي، حيث عملت السيدة "داليا زيادة" كمدير تنفيذي لمركز "ابن خلدون" للدراسات الإنمائية، الذي أسَّسه وأداره الدكتور "سعد"، قبل اختلافها معه واستقالتها، بعدما كانت علاقاتها قد توثقت بالطرف الأمريكي والصهيوني، خلال تعاملاتها وأنشطتها؛ وارتباطاتها بمؤسسات أمريكية وإسرائيلية مُتعددة!

هذه المُقدمة ضرورية للغاية حتى نفهم الصدى الصادم لمشاعر ملايين المصريين جراء الموقف الذي اتخذته "السيدة داليا" من حرب العدوان الصهيوني على الشعب الفلسطيني وأهل غزة الصامدين، وهو العدوان الذي ترتب عليه قتل وإصابة عشرات الآلاف من المواطنين الأبرياء العُزل، من النساء والأطفال والعجائز، دون جريرة ارتكبوها أو ذنبٍ جنوه، سوى لأنهم فلسطينيون أولًا وأخيرًا، فضلًا عن هدم أحياء ومُخيمات ومستشفيات ومدارس ومساجد وكنائس على رءوس قاطنيها، والتهجير القسري (الترانسفير) لمئات الآلاف من الفلسطينيين، تحت ضغط القتل والتنكيل بقوة السلاح الغاشمة!

فما الذي قالته "السيدة داليا زيادة"؟.. دعونا نقرأ فقرات من أحد أحاديثها المُتعددة، التي باركتها، وتحمّست لها، ورحّبت بنشرها، على مستوى واسع، أجهزة الإعلام الصهيوني مؤخرًا.

في حوارات مُسجَّلة ومطروحة على مواقع "السوشيال ميديا"، مع الدكتور "أوفير وينتر" الباحث في دراسات الأمن القومي، بجامعة "بن جوريون"، و"أفيخاي أدرعي"، الناطق بالعربية عن الجيش الصهيوني، تقول السيدة "زيادة":

* حربنا التي يخوضها العدو نيابة عنا! 
•  "الحرب التي تخوضها إسرائيل (ضد الشعب الفلسطيني) هي حرب تخوضها بالنيابة عن منطقة الشرق الأوسط ضد الإرهاب".

•  "كُلنا، الحقيقة، يجب أن نقف إلى جانب (إسرائيل) فيما تفعله، وفي مُلاحقتها لحماس، وعلينا- بالعكس- أن نساعدها في ذلك"!

• "أرادت حماس أن تعرقل التطبيع ما بين (إسرائيل) والسعودية لأنه أهم من أي عملية تطبيع تمت في العشر سنوات الأخيرة، وأقصد بذلك مع كل دول الخليج، وحتى دول شمال إفريقيا مُجتمعةً.. لماذا؟ لأن السعودية دولة كبيرة، يعني تُعتبر هي القائد العربي الجديد للمنطقة منذ ثورات الربيع العربي، وهي التي تقود المنطقة. لو حصل أن السعودية، "أم العرب"، يعني أصبحت مع (إسرائيل) خلاص، فهي تقبلتها، وأصبحت (إسرائيل) جزءًا لا يتجزأ من المنطقة، وأصبح أمرا مقبولا"!

•  "تقف جميع الدول العربية إلى جانب (إسرائيل) في هذه الحرب لأنها تُحارب بالنيابة عنها.. جميع الدول العربية، مش بس العربية: جميع الدول في منطقتنا كلها، منطقة الشرق الأوسط"!

* إسرائيل مظلومة، والإعلام العربي هو السبب!
• "رجل الشارع العادي، أو الإنسان، أو المواطنون العاديون في العالم العربي، ما زالوا واقعين تحت تأثير حالة (غسيل المخ) اللي حصلت لهم على مدار عقود طويلة جدًا من أيام ما قبل مرحلة الربيع العربي، واللي كان الإعلام مُرَكَّز فيها طول الوقت على فكرة إن (إسرائيل) هي العدو".. "اللي حصل في إعلامنا أنه تم تضخيم فكرة أن إسرائيل تُحارب أو تقتل الفلسطينيين العُزَّل (!!!)، دون توضيح أولًا؛ والتأكيد على أن حماس مسئولة مسئولية كاملة عما يحدث الآن، أو عن هذه الحرب من أساسها"!

• "المُسيِّرات والقذائف التي أطلقها الحوثيون على المُدن المصرية والإسرائيلية تُذكرنا بأن الأمن القومي الإسرائيلي والمصري يعتمدان الواحد على الآخر"!        

• "العقد اللي فات من عمرنا أثبت ذلك، أثبت أن (إسرائيل) صديق وجار حسن، وكانت بالعكس، وقفت بجوار بعض الدول، ومنها مصر في أشد الظروف، وفي أصعب المواقف، تقف جميع الدول العربية إلى جانب إسرائيل في هذه الحرب، ما يسمح لإسرائيل أن تنعم بالأمان والسلامة، الذي يُمكنها من مُواصلة ما تفعل من أعمال هي في الحقيقة تخدم الدول الأخرى في المنطقة"!

* إلقاء اللوم على الضحايا!
• "مذبحة السابع من أكتوبر كانت حادثا بشعا بكل معنى الكلمة. لا يمكن لإنسان يمتلك شيئا من ضمير يعني أو الشعور الإنساني إنه يتعاطف بأي شكل من الأشكال مع حماس لقيامها بهذا العمل. ما رأيته شىء بشع بكل معنى الكلمة. ناس عادية موجودة في (بيوتها) يوم عيدهم يتم الهجوم عليهم بشكل بشع! يعني اللي كان داخل كان داخل بنيّة قتل كل شىء وأي شىء يعني، حتى الحيوانات قتلوها"!

• "هذه عقلية إرهابية يعني لا يُمكن التعامل معها على أنها مقاومة أو أي شىء من هذا. وتم قلب الحقيقة وابتدا يُنظر على أنه رد فعل إسرائيل على هذا الحادث البشع، اللي هو بالمناسبة لو كان حصل في أي دولة تانية في العالم، سواء دولة عربية أو غيره.. كان هذا سيكون رد الفعل: حرب تخوضها إسرائيل ضد الإرهاب بالنيابة عن دول منطقة  الشرق الأوسط. هذا أفضل توصيف للحرب التي تجري هنا"!

• "الحقيقة يعني يجب أن نقف إلى جانب (إسرائيل) فيما تفعله، وفي مُلاحقتها لحماس، وبالعكس نُساعدها في ذلك"!

• "إسرائيل ليست عدو مصر. إسرائيل جارة مصر المُباشرة، ومن أكثر الدول التي وقفت بجانب مصر في أكثر المواقف الحرجة التي مرت بيها، لا يوجد أي سبب على الإطلاق لإشعال الصراع ويَّاها، خصوصًا أن كل مواقف إسرائيل الإيجابية والمُحبة لمصر، اللي قولتها هنا وأكثر، أنا شوفتها بعيني"!

• "الهدف الذي أعتقد سيكون نجاحا كبيرا جدًا لـ(إسرائيل) لو عملت disintegration لحماس؛ يعني تفكيك تام لحماس لدرجة تُضعفها بشكلٍ شديد جدًا، وتجعل فكرة أنها تُعيد تكوين تام لحماس مسألة صعبة، أو تستعين بالتنظيمات الإرهابية الأخرى تكون مسألة صعبة"!

• "الانتصار اللي مُمكن حماس تُحققه بالفعل، وهي أن تُحيي فكرة التعاطف معها في العالم العربي، ومع الأسف الشديد ده حصل من أول يوم في الحرب، وإلى حد ما أعطى لحماس شرعية هي لا تستحقها إطلاقًا، بعد أن خسرت هذه الشرعية في قلوب وعقول الكثير من العرب في الفترة الأخيرة، وهي حقَّقت ده"!

* و.. نصيحة ثمينة لقادة العدو!
• "لازم القيادة الإسرائيلية توضح للشارع العربي أن هدفها هو القضاء على حماس وليس القضاء على الفلسطينيين، وأن هذا هو هدفها القضاء على حماس وليس القضاء على الفلسطينيين، وأن هذا لن يخدم (إسرائيل) فقط، بل سيخدم العرب، وسيخدم مصر، وسيخدم الجميع"!

• "يجب أن تصل هذه الرسالة بشكل واضح: إن هدفنا هو حماس، وفي نفس الوقت نحن نفعل ذلك بالنيابة عن الجميع هنا في المنطقة.. نحن نُحارب الإرهاب، وهذا سيخدم الجميع في النهاية، وأعتقد لو وصلت هذه الرسالة ستُغير كثيرًا جدًا من منظور العالم العربي لما يحدث"!

****
مما سبق نرى أن مُلخص كلام "السيدة داليا" هو تبرئة المجرم الفاشي القاتل، الذي انتفضت شعوب العالم، قاصيها ودانيها، ضد سلوكياته الهمجية، وإلقاء اللوم على الضحية التي انتُزعت أرضها، وقُتل وليدها، وهُدم مأواها، وحُرِّقت دور عِبادتها، في ترديد بائس لمقولات المُحتل الأفاك! 
حديث بائس لعقلية مشوهة، أعمتها مصالحها التافهة مع العدو التاريخي للوطن والأمة، فانطلقت بلا وعي ولا شفقة على الضحايا الأبرياء، وبضمير ميت، لم تر بعينيها المفتوحتين أبعاد الجريمة التي هزَّت العالم كله، وراحت تتباكي على القاتل، وتتعاطف حتى مع حيواناته!؛ وتتفنن في تبرير مسلكياته التي أدانتها شعوب العالم، بل وتقدم للعدو النصائح لكي يُتقن الاستفادة من عوائد "المذبحة"!

والفاضح في أمرها أن الحقائق لم تتأخر عن تكذيبها وكشف تلفيقاتها البائسة، فما ألصقته بالمقاومة من تُهم مُطلقة ومسلكيات مُقززة، كذَّبها؛ لا "إعلام غسيل المخ"، وإنما إعلام العدو نفسه، فها هي صحيفة "ها آرتس" الصهيونية تعترف بأن "مروحية إسرائيلية هي التي قامت بقصف المُشاركين في حفل "مهرجان الطبيعة" في غلاف غزة يوم السابع من أكتوبر الماضي"، وليس مُقاتلى "حماس"، (جريدة "الأهرام"، 20 نوفمبر 2023)، وفي نفس اليوم والمصدر: "اتهامات (من شبكة "سي إن إن" الإخبارية، وهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي") لإسرائيل بـ"فبركة" العثور على سلاح في مُستشفى "الشفاء"!

فعن أي "إرهاب" تتحدث "الست داليا"؟
لنا عودة لمناقشة ما طرحته بالتفصيل!