رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الصهيونية ـ النازية الجديدة محكومة بالانهزام!

لأكثر من شهر، والسلوك الصهيونى الهمجى، الذى يبيد غزة، بناسها؛ وبيوتها؛ ومرافقها؛ ودور عبادتها؛ ومدارسها؛ ومستشفياتها؛ ويفرض الجوع؛ والعطش؛ والحرمان من النور ومصادر الطاقة؛ والعلاج على آلاف الجرحى من الأطفال والنساء والمدنيين العُزل،... إلخ، لم ينقطع ولا توقف للحظة واحدة، متجاهلًا كل قوانين الحرب فى العالم، ومشعلًا بغلٍ وحقدٍ غير محدودين ولا مسبوقين حرب إبادة عنصرية لا شبيه لها، وممارسًا أضعاف ما كانت تمارسه النازية الألمانية مع يهود أوروبا خلال وقائع الحرب العالمية الثانية من أفعال أدانها العالم، ولا يزال، وأقيمت للتذكير بذكراه الشائنة مئات المتاحف؛ وصدرت آلاف الكتب والأفلام السينمائية؛ وشُيِّدت النُصب التذكارية المتنوعة!
 ولم يتوقف الأمر عند هذا الواقع الإجرامى الرهيب، وإنما تجاوزه إلى وصف وزير الدفاع الصهيونى، «يوآب جالانت»، للشعب الفلسطينى بأنه مُجرد «حيوانات بشرية»، وإلى حد المُطالبة باللجوء إلى استخدام القنبلة النووية للخلاص النهائى من غزة؛ والشعب الفلسطيني؛ ومن القضية برمتها، فى سابقة بالغة الخطورة والدلالة، خاصةً أن التهديد هذه المرة لم يتسرب من جهات صهيونية مُجَهَّلة، أو يُنسب إلى مصادر إعلامية مخفيّة، وإنما نُشر وأُعلن عبر تصريحات من وزراء، ومسئولين مُهمين فى الوزارة وجهاز الدولة الصهيونى، ومنهم نائبة «الكنيست» المدعوة «تالى جوتليف» التى دعت إلى استخدام السلاح النووى، أى «سلاح يوم القيامة» من أجل «سحق الفلسطينيين، وتسوية غزة بالأرض، وفرض انفجار يهز الشرق الأوسط»، (سكاى نيوز عربية، 11 أكتوبر 2023)، ووزير التراث اليهودى فى حكومة «نتنياهو»، «عميحاى إلياهو»، الذى طالب بـ«إلقاء قنبلة نووية على قطاع غزة باعتباره خيارا مطروحا»، دون أدنى اهتمام بأرواح الرهائن الصهاينة المُحتجزين لدى المقاومة القلسطينية، ذلك أن «دماءهم ليست أهم من دماء الجنود الإسرائيليين»، (سكاى نيوز عربية، 25 نوفمبر 2023)، وقد أدت هذه النزعات الإجرامية، لا إلى هزيمة المقاومة الفلسطينية أو إجبارها على الاستسلام والإذعان، وإنما إلى مقتل عشرات من الرهائن، كان من المُمكن إنقاذ حياتهم بصفقة تبادل للأسرى كما حدث فى السابق. والدلالة الواضحة من اللجوء إلى تهديدات استخدام «الخيار شمشون»، أو «سلاح الملاذ الأخير»، هو العجز الذى تشعر به آلة الحرب الصهيونية فى مواجهة الصمود الفلسطينى، والفشل فى تحقيق أهدافها رغم كل هذا الدمار نتيجةً للصمود الفلسطينى الأسطوري!
 لقد كانت كل نوايا العدو الصهيوني: المُعلنة والمخفية، وخطواته: المكشوفة والمستورة، تُشير بوضوح، لكل من يملك بصرًا وبصيرة، إلى حتمية وصول هذا الكيان المُصطنع إلى مُمارسة كل أشكال الإبادة العنصرية التى يُمارسها تجاه نقيضه التاريخى الموضوعى، الشعب الفلسطينى، وتجاه سائر الجماهير العربية، بدرجات، وفى مُقدمتها مصر. 
 فهو نظام بُنى على القهر، وارتكز إلى عبادة القوة، لأنه يعرف أن لا مُستقبل له فى هذه الأرض إلأ بالفرض والهيمنة، ولا مفر أمامه إلَّا الولوغ فى مُستنقعات الدم المُتوحشة، مُتوهمًا أنه بهذا السلوك الهمجى، يهرب من مصيره الحتمى إزاء ما يواجهه من تحديات وجودية بنيوية، لا قِبل له على مُواجهتها، ولا مهرب له منها، إلا بالإغراق فى مُخططات الإبادة العنصرية على النحو المنظور.
 وقد كشفت أحداث اليوم التاريخى، السابع من أكتوبر المُنصرم، هشاشة البنيان الصهيونى وانكشاف ادعاءاته الرئيسة: فالجيش الإسرائيلى، المُصنَّف من الجيوش المُتقدمة فى العالم، والمُدَرَّع حتى النخاع، عامود المشروع الصهيونى الاستعمارى الاستيطانى الإحلالى، «الذى لا يُقهر»، بكل عُدَّتَهُ وعتاده، المحمى بالقنبلة النووية وبأحدث تقنيات الحرب والدفاع، جرى اختراقه فى الصميم بيسرٍ وعزيمة، وعبقرية وإبداع، وتم أسر جنوده وإهانة قادته، واقتحام قلاعه الحصينة، واختراق مُستوطناته المنيعة، بسهولة وعلى رءوس الأشهاد، وتوجيه لطمة له فى الصميم، هزَّت كبريائه وعرَّته حتى الأعماق، أمام ذاته المغرورة، وفى مواجهة الجميع فى شتى بقاع العالم!
 وفى المُقابل، فقد أكَّدت الوقائع أن الشعب الفلسطينى هو شعبٌ أصيلٌ من معدنٍ نادر، عصى على التجاوز، غير قابل للانكسار، وقادرٌ على اجتراح المُعجزات، رغم أنه يخوض حربًا مستمرة، لا هوادة فيها، امتدت لأكثر من قرن، فى ظل اختلال مُريع لموازين القوى المادية، وبدون نصيرٍ حقيقى، أو حليفٍ مؤكد، ومُحاصر كُليةً من جميع الأطراف المُحيطة، والتى طالما أَمُلَ العديد منها، كما تمنى «اسحق رابين»، رئيس وزراء العدو الأسبق، أن يستيقظ من النوم، فلا يرى هذا الشعب، أو يرى غزة، إلا وقد ابتلعهما البحر واختفيا نهائيًا!
 وإضافةً إلى ما تقدم، فقد أوضحت وقائع ما بعد اليوم الكاشف؛ السابع من أكتوبر 2023، أن العدو الحقيقى للأمة، ولكل شعوب العالم الطامحة للاستقلال والتقدُّم، هو الإمبريالية الغربية بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية، ودول حلف «الناتو» الاستعمارية التقليدة: بريطانيا، وفرنسا، وألمانيا،... إلخ، الذين يُتاجرون بشعارات «الحرية» و»الإخاء» و»المساواة»، و»الديمقراطية» و«السيادة» و«الاستقلال».. وغيرها.
 وتأكيدًا لذلك؛ فلننظر إلى معنى ودلالة الزيارات الفورية، والمُتكررة، من قادة الغرب الإمبريالى، والاستعمارى القديم، وفى مُقدمتهم الرئيس الأمريكى «جو بايدن»، ورئيس الوزراء البريطانى (ريشى سوناك)، والرئيس الفرنسى (إيمانويل ماكرون)، والمستشار الألمانى (أولاف شولتس) وغيرهم، إلى الكيان الصهيونى لإعلان الدعم والمُساندة، وإلى الدول العربية للضغط والتوجيه، ولننظر إلى دلالة تحريك الولايات المتحدة وبريطانيا لحاملات الطائرات، والسفن الحربية، والدفع بالمعونات المالية والعسكرية وفرق النخبة المُدَرَّبة إلى المنطقة، لدعم صنيعتهم، وقاعدتهم الحربية المُتقدمة، وحامية منابع النفط وعروشها: الكيان الصهيونى، ذلك أن قسمًا مُهمًا من الصراع الكبير على مُستقبل العالم، وعلى قيادته، وشكل «النظام الدولى الجديد» المُرتقب، إنما يدور حول من سيكون له الهيمنة والغلبة على هذه المنطقة، الأغنى والأخطر فى العالم، والتى تتحكم فى سر حياة أمريكا والغرب: (النفط)، وعدد من أهم أهم ممراته الاستراتيجية، على رأسها قناة السويس، وغيرها! 
 وكذلك فمن المهم الإشارة إلى مغزى وقوف أغلب دول العالم، متفرجة، أو عاجزةً أمام حرب الحصار والإبادة الممنهجة، التى يشنها الكيان الصهيونى على الشعب الفلسطينى الأعزل، وإزاء منع الطعام والكهرباء والمياه والأدوية، وسائر احتياجات الحياة، عن أكثر من مليونين من المواطنين العزل، دون قدرة؛ أو إرادة؛ أو رغبة من «المجتمع الدولى» فى وضع حدٍ لهذه الجريمة الإنسانية الكُبرى، وإكراه مُجرمى «تل أبيب» على احترام قوانين الحرب، والانصياع للمطالبات بإنهاء العدوان، وإدانة عمليات الإبادة الجماعية، ووقف مُخططات التهجير القسرى، (الترانسفير)، للفلسطينيين، خارج ديارهم وأرضهم التاريخية، بقوة السلاح والإجبار!
 لكن، وفى المُقابل، وحتى لا تكون الصورة قاتمة شديدة السواد وحسب، فثمة ظواهر إيجابية عديدة بدأت فى الإشراق؛ مُبَشِّرة ببشارات مُضيئة فى المُستقبل المنظور، فى مقدمتها النتائج المُزلزلة للكيان الصهيونى التى سبَّبتها عملية «طوفان الأقصى»، وتوابعها المؤكدة بعد أن تضع الحرب أوزارها، ويجرى حينها حساب حصادها على كل الجبهات.
 وعلى مستوى آخر الإرادة الفولاذية التى أبرزها الشعب الفلسطينى، بصموده، وإصراره على التمسُّك بحقوقه المشروعة، فى «العودة» و»الدولة المُستقلة» وعاصمتها «القدس»، وإجهاض مؤامرات الترحيل الإجبارى، رغم كل الويلات التى يُعانى منها، والتضحيات الهائلة التى يُقدمها على مدار الساعة!
 ومن المهم فى هذا السياق، الإشارة إلى ظاهرتين على درجة كبيرة من الإيجابية: 
 الأولى: تُشير إلى أن المعركة قد اجتذبت، إلى صف القضية الفلسطينية، انتباه ويقين عشرات الملايين من الشباب العربى عمومًا، والمصرى على وجه التحديد، وهى الأجيال التى بذلت الصهيونية العالمية والمحلية جهدًا فائقًا، ماديًا وفكريًا، من أجل طمس وعيها بأُسس قضية الشعب الفلسطينى العادلة؛ وبحقه المشروع والثابت فى أرضه ودولته. وهو ما عنى، فى الواقع، سقوط التبشير بوهمٍ مُصطنعٍ اسمه «السلام الصهيوني»، والذى يعنى، فى حقيقة الأمر، «التسليم» بالشرط الاستعمارى الجازم: «لا لفلسطين»، و«نعم لإسرائيل»!
وكذلك يجب أن نتذكر باحترام الموقف المصرى؛ الرسمى والشعبى؛ الرافض بقوة لمحاولات فرض آلية «الترانسفير» أو «الطرد» لمئات الآلاف من أهل غزة، باتجاه حدود سينا المصرية، والذى يعنى التصفية الكاملة للقضية الفلسطينية والحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى فى أرضه ودولته المُستقلة الكاملة الصلاحيات.
وكذا الموقف المبدئى النبيل لعدد مهم من دول أمريكا الجنوبية: فنزويلا، تشيلى، بوليفيا، كولومبيا.. وغيرها، التى قطعت أو جمَّدت العلاقات مع العدو الصهيوني. 
 أما الظاهرة الإيجابية البارزة، فهى الحِراك الشعبى الهائل، الذى شهدته شوارع العشرات من دول العالم، وفى مُقدمتها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا والسويد وتركيا وعشرات الدول الأخرى، والتى خرجت الملايين فيها، وبعضهم من اليهود المُعادين للصهيونية، لكى تنتصر للحق الفلسطينى، وترفض الحرب القذرة الدائرة رحاها بمباركة الطبقات والنظم الحاكمة فى «العالم المُتقدِّم»، لاجتثاث جذور شعب مبدع ومسالم، هو الشعب الفلسطينى، وحرمانه الفظ من حقه المشروع فى العيش فى أمنٍ وسلام، على أرضه وميراث أجداده!

** وأخيرًا، فسلام على فلسطين الأبيّة، وعلى شعبها الصابر المُكافح البطل، ولنحن الرءوس فى خشوعٍ وإجلال تكريمًا لذكرى أرتال الشهداء الأبرار الذين ضحوا بحياتهم من أجل القضية، ولنقسم أنا لن نخون عهدهم بأن تعود فلسطين، لأصحابها وأبناء تُرابها المُقدَّس.