رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فيكتوريا ورثاء فيكتوريا

22 يناير 1901، الملكة فيكتوريا ملكة بريطانيا ماتت، 15 أبريل من سنتنا اللي بـ نتكلم عنها اتحط حجر الأساس لـ المدرسة اللي شالت اسمها "فيكتوريا كوليدج".
اللورد كرومر لما قرر إنشاء المدرسة دي كان عنده هدف؛ هو الأول كان معارض إنشاء مدارس وتعليم المصريين، لكنه قرر في النهاية إنشاءها لـ إنه كان عايز يقضي على التعليم الفرنسي، أو على الأقل ينافسه، دي كانت بداية الطريق. 
قبل كدا كانت الطبقة الأرستقراطية تفضل إنها تعلم ولادها تعليم فرنساوي، نتيجة اهتمام الفرنسيين بـ الثقافة والتعليم، طبعا نجحوا نجاح رهيب في الدول اللي كانت تحت إيديهم: في الجزاير والمغرب وتونس، إنما كانوا منتشرين ومسيطرين في البلاد الإنجليزية الاحتلال زي مصر.
الإنجليز بدؤوا يهتموا، من هنا كان إنشاء "فيكتوريا كوليدج" في إسكندرية. حدث كبير ومهم، فيكتوريا ما كانتش في مكانها الحالي. كانت في الأزاريطة، فافرجر المعماري كان هو صاحب التصميمات الأولية، وشركة ماكلبيور خدت حق التنفيذ، تأسيس الكلية/ المدرسة ما كانش مجرد مدرسة عادية، إنما تجهزت عشان يكون ليها أدوار كتير، وصلت لـ حد المهمات المخابراتية.
كان القانون الأساسي في المدرسة إن الطلاب ما يتكلموش لا في الدين ولا السياسة، وإن ولاءهم الوحيد يبقى لـ"أخوية المدرسة"، وكان دا لـ إن المدرسة هـ تجهز أمراء وملوك. الخارجية البريطانية أبدت عدم ارتياحها لـ طريقة التفكير في المدرسة، إنما زي ما إحنا عارفين الأمن يغلب الدبلوماسية، وقد كان.
إنما بـ مناسبة وفاة الملكة فيكتوريا، المفروض يعني إن ملكة البلد اللي بـ تحتلنا، وكانت هي الملكة لما الاحتلال جه، يعني الجيش اللي جه دا وقتل المصريين واحتل الأرض، وبقى هو الحاكم لـ البلاد، هو جيش الملكة فيكتوريا، فـ إحنا مش المفروض نبدي حزن، ولا نعمل تأبينات، ولا نعلن حداد، ولا ولا ولا، إلا إذا يعني كان فيه اضطرار من قوات الاحتلال.
الحركة "الوطنية" المصرية كانت حاسة بـ كدا، ما شفناش مظاهر اهتمام، يمكن مفيش شماتة كمان لـ اعتبارات عديدة، إنما مفيش تأبينات ورثاء، حافظ إبراهيم خرج عن الحالة دي، يوم 24 يناير نشر قصيدة رثاء لـ الملكة الراحلة كان مطلعها:
"أعزي القوم إن سمعوا عزائي"
الرثاء اعتبره كتير من الناس نفاق، وإن حافظ بـ يخطب ود الإنجليزعلى حساب بني وطنه، ومسكوا القصيدة قطعوها نقدا ونقضا، وبيان هي قد إيه غثة وضعيفة وأشياء من هذا القبيل، تقديري الشخصي إن حافظ إبراهيم كان بـ يعبر عن يأسه الشخصي أكتر منه "نفاق" أو "وصولية".
هو كان راجل غلبان، حياته الشخصية كانت مبهدلة، وهو نفسه ما كانش من أصحاب الهمة: لا عنده قوة ولا نفوذ ولا فلوس، ولا حتى له باع في عالم السياسة، هو يعني كان استفاد إيه من الإنجليز؟ دا حتى هو مش متأكد إن القوم (الإنجليز) هـ يسمعوا رثاؤه، ولا حتى ينتبهوا له.
يمكن أحسن وصف قريته لـ حافظ إبراهيم اللي كتبه عنه أحمد حسن الزيات: عمره ساعته، ودنياه روضته، وشريعته طبيعته، ودأبه أن يطير في الغيم والصحو، ويشدو في الطرب والشجو، ثم يسقط على الحب أينما انتثر! مسكين حافظ.