رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سيد أبوليلة يكتب: رسالة إلى الشهيد المقدم محمود جمال.. كنتَ بعيد النظر يا قائد

في بداية عام 2013، كنت جنديًا بالقوات المسلحة، وحالفني الحظ لأكون ضمن حراس أرض سيناء، وأكون شاهدًا على سؤال طرحه المقدم الشهيد محمود جمال منتصر، الذي كان حينها نقيبًا في كتيبتي بالجيش الثالث الميداني.. سألنا القائد، نحن الجنود الجدد: هل يتحقق الانتصار بالفرد أم بالمُعَدّة؟
وكصحفي شاب، محدود الخبرة، أجبت متحمسًا: في الماضي كان للفرد دور، أما الآن فيمكن أن تحصد طائرة دون طيار سكان مدينة كاملة.
ابتسم القائد الشهيد، الذي مات برصاصة غدر في رفح، مدافعًا عن الوطن ضد الإرهاب، في 24 أغسطس 2019- وقال لي: بل الفرد هو كل شيء.. امنح أحدث سلاح لخائفٍ، واندَهِش من تقهقُره أمام يقين صاحب حق.
مرت السنوات، وظل السؤال يطاردني، وتذكرت واقعة قصف مدينة هيروشيما بقنبلة نووية، وسألت نفسي: إن امتلك جميع البشر قوة قادرة على تدمير كل البشر، واحتلت المعادلة الصفرية الأدمغة، هل سنرى حربًا طويلة الأمد أم سيموت الجميع سريعًا.. وفي هدوء؟
ومفهوم المعادلة الصفرية، الذي تبدأ به الحروب، هو اقتناع كل طرف برهان: كسب كل شيء أو خسارة كل شيء.
كنت منشغلًا بفكرة أن المُعَدّة الأحدث قد تضمن لصاحبها تفوقًا أكيدًا، لكنني تذكرت أن البشر جربوا الحروب الشاملة غير مرة، واكتسبوا خبرة كافية لكبح جماح أي غافل منهم يريد النجاة دون تقدير حق غيره في ذلك (إن قتلتني سنموت جميعًا) هذه هي معادلة القوة الآن، لذا فمن المؤكد أن الحروب لم تصبح بالمُعَدّة.
ليت القدر يجمعني بالشهيد يومًا، لأخبره بما رأيت وما تعلمت بعد ذلك، وأكمل معه النقاش.. كنت سأحدثه بالطبع عن الصراعات الجديدة التي أصبحت تحيط بنا، والتي لم يعرفها أجدادنا بالتأكيد؛ فبعد أن كانت الحروب للسيطرة على الأرض، أصبحت تستهدف العقول!
في الماضي كنت أظنها نظرية مؤامرة، لكن بعدما أدركت أن "الدولة" فكرة في عقول مجموعة من البشر.. وليست أرضًا فقط، تأكدت من أن أي شخص يمكن أن يفتت أرض الدولة إن احتل العقول ودمر إيمان المواطنين بوطنهم، وأن أي محتل مهما طال مكوثه، يعلم في أعماق نفسه أنه سارق، ولن يستطيع منع قدميه من الركض حال المواجهة.
هل يتحقق الانتصار بالفرد أم بالمُعَدّة؟
ننظر حولنا، فنرى جيش احتلال في فلسطين، يدرع بالقوى العظمى كلها، ويتقهقر أمام أفراد يستخدمون حرفيًا معدات بدائية.. أين ذهبت المُعَدّة الحديثة؟
في ذكرى نصر أكتوبر المجيد، أبعث تحية لمعلم صادق، اسمه الشهيد المقدم محمود جمال منتصر، الذي لم يكتف بمطاردة الإرهابيين كالفئران أمامنا، بل حرص أيضًا على توعية الشباب، وتحصين عقولهم من الاحتلال، لأن (الفرد هو كل شيء).
كان يقول لنا إن على الإرهابيين أن يخافوا منا، وأن يختبئوا في جحورهم، وعلينا أن ننظف منزلنا، ونحلم بالشهادة في سبيل الوطن.. حلم بها ونالها.