رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

دراما القيامة.. والأيقونة البديعة

لعلها مناسبة طيبة، ونحن نتناول سيرة وحدوتة ومفهوم «الأيقونة القبطية»، التوقف عند البدايات التاريخية للتفكير فى إبداعاتها الأولى.
كان الملك الرومانى عند جلوسه على العرش يرسمون له صورته على العرش وتوزع على كل أنحاء المملكة ليقدموا لها آيات الاحترام والبخور وتوضع حولها الزهور ويتم التحرك بها فى موكب أثناء الاحتفالات والمناسبات السياسية.
وعبر تلك الاحتفالات يكون الحضور الرمزى للملك وتمثل شخصية الإمبراطور وحضوره، فمن يقدم لها الاحترام فهو يقدمه للملك، وغَيَّرَ المسيحيون صورة الملك الزمنى إلى المسيح، فهو ملكهم الحقيقى السرمدى، وإذا عملوا ميدالية وضعوا على أحد وجهيها المسيح وعلى الآخر الملك الزمنى فهو وكيله.

السفينة: ترمز للكنيسة
الطاووس: يرمز إلى جمال الفردوس لألوانه
العنب أو الكرمة: دم المسيح 
سجود المجوس: خضوع الأمم 
الأيقونة: لا تُرْسَم بأبعاد ثلاثية فهذا يعطيها تجسيم، «فنحن ما زلنا على الأرض» ولكنها تخضع لبُعْدِين فقط «فنحن نحيا بالإيمان والرجاء».
الأيقونة لا تعترف بالزمن: فتُرسم العذراء على سبيل المثال مع إيليا النبى مع مار جرجس.. فى أيقونة واحدة.
الأيقونات: هى درس ناطق لمن لا يقرأ وإكرامها إكرام لصاحبها وليس لها.
الإضاءة فى الأيقونة: ليست حسب المنطق العادى فى الفن، فليس هناك مصدر خارجى للإضاءة، فتكون الظلال على الجانب الآخر، بل الإضاءة تنبع من وجه المسيح أو العذراء مثلًا وتنير ما حولها.
رسام الأيقونة: هو فنان، له صلوات خاصة فى بعض الكنائس، هو دارس العقيدة والروحيات وأصول الفن المسيحى وقواعده، هو إنسان يصلى ليوحى له الروح القدس بالفكرة، فتكون مؤثرة روحيًّا فيمن يشاهدها.. لذلك فالفنان لا يوقع على لوحته بل يكتب تحتها «رسمت بيد فلان» فصاحب الفكرة هو الروح القدس.
ونحن أمام أيقونة القيامة التى تعود إلى القرن الرابع عشر عصر النهضة التصويرية، لفنان مجهول الهوية، موجودة خلف الهيكل فى معبد بجانب الكنيسة الرئيسية كنيسة المخلص «خورا» فى القسطنطينية التى ترجع إلى القرن الخامس التى أُعيد بناؤها فى القرن الثانى عشر.
تتجلى فى هذه الأيقونة عقيدتى الفداء والقيامة، أما الفداء فنكتشفه من خلال جروحات المسيح الخمس، علاوة على أنه بالصليب نزل إلى الجحيم، أما القيامة فتظهرها هذه الأيقونة على أن قوة قيامة المسيح، قادرة على إقامة من يريد، فالأيقونة ترينا كيف أنه أقام آدم وحواء «اللذين يمثلان البشرية كلها»، وهذا مدلول قيامة لإقامة كثيرين.
نرى هنا يسوع الغالب المجلل بالنور والمجد الإلهى يملؤه العطف والحنان والحب الذى بسببه قبل أن يتجسد وأن يتألم ويموت أيضًا، بالقوة والقدرة والانتصار، نراه الآن قد نزل إلى أسافل دركات الجحيم ليبشر الموتى وينهضهم بقيامته.
وكما هو ظاهر فى الأيقونة أنه اليوم حضر النور الساطع كالبرق «قانون الفصح»، لينير الظلمة ويغلبها، حضر السيد ليكمل بشارته التى بدأت بالذين على الأرض واليوم يعلنها للذين فى الجحيم «قد بشّر الأموات أيضًا بالإنجيل».
نرى الرجل المقيد والأبواب المكسرة والقيود المفككة الأغلال، ويسوع يقف فوق أبواب مكسرة وأقفال ورجل مقيد فى ظلمة داكنة ألا وهو إبليس سبب الموت والفساد قُيِّد ووُضع فى الهاوية التى صنعها والظلمة التى هو سببها، وعرف أن وعد الله صادق هو وأصبح حقيقة. 
قيَّد الذى كان يُقيّد قديمًا الداخلين إليه، بقيوده ذاتها، بعد أن كسّر أبوابه التى لم تستطع أن تحتويه داخلها «اليوم الجحيم تنهد صارخًا، لقد كان الأَجود لى ألا أقتبل المولود من مريم لأنه مع ما أقبل نحوى حل اقتدارى وطحن أبوابى النحاسية وأنهض النفوس التى كنت استوليت عليها».
مع إشراقة يوم الأحد السابق لأحد القيامة يعيش ويؤدى المواطن المسيحى بسعادة وحب طقوس ممارسات روحية على مدى زمن أيام «أسبوع الآلام» الذى يُعد من أقدس أيام السنة، وأكثرها معايشة لدراما مؤثرة ومدعومة بعناصر تصاعدية البناء تحييها مشاعر روحانية لها خصوصية رائعة بالنسبة إليه، تتجدد كل عام.
الحياة كلها مقدسة، ولكن أيام الرب لها قداسة غير عادية، تفوق قداسة باقى الأيام، لأنها مخصصة للرب، وهناك أوقات لها قدسية خاصة، لاعتبارات روحية معينة، فمع أن الحياة كلها مقدسة، لكن أوقات الصلاة مثلًا، أوقات التأمل، أوقات الرؤى والاستعلانات، هى أوقات لها قدسية من نوع خاص غير عادى.. وهناك أيام مقدسة فى حياة كل إنسان.
ولعل فى الطقوس التى تمارس على مذابح الكنائس التى تعد بمثابة مسارح يتم أداء المشاهد الدرامية عليها لاجترار أحداث دينية، ما يؤكد على تلك العلاقة الرائعة بين أطراف العائلة الإنسانية.. دراما وموسيقى وميزانسين وكورال وإضاءة ونص درامى وإخراج يشكل حالة إبداعية مشوقة ومؤثرة.
وعليه، نقترب من طقوس تمثيلية القيامة وهى الشعيرة الأبرز، والهدف من القيام بتمثيلها فى الديانة المسيحية هو تذكر ما قام به السيد المسيح من تضحيات وما تحمله من آلام وهى تصور انتصار الحق والخير على الشر والظلم واستعدادات للاحتفال بعيد القيامة.
تبدأ طقوس التمثيلية عبر أداء شعائر وصلوات قداس عيد القيامة، يرتل الشمامسة «برلكس» «يا كل الصفوف السمائيين.. إلخ»، تبدأ تمثيلية القيامة التى تحمل معانى روحية عظيمة كالآتى:
يدخل الكهنة داخل الهيكل ثم تغلق أبوابه حتى ينتهى الحوار بين من فى داخله ومن فى خارجه، وفيه إشارة إلى غلق باب الفردوس بعد أن أخطأ آدم وحكم عليه بالموت وطرد منه.. أيضًا فيه إشارة إلى أن قيامة المخلص تمت والقبر مغلق ومختوم والظـلام باقى حيث أضيئ بنور القيامة.
بعد غلق الأبواب تطفأ الأنوار، إشارة إلى الظلام الذى كان مخيمًا على البشرية كلها منذ عصيان آدم حتى مجىء السيد المسيح، لتتم النبوءة «الشعب الجالس فى الظلمة أبصر نورًا عظيمًا»..
يبدأ حوار بين شماس يقف خارج الهيكل مع كبير الكهنة بالداخل قائلًا:
- إخرستوس آنستى xrictoc anecth «أى المسيح قام ثلاث دفعات، وفى كل دفعه يجاوب كبير الكهنة من الداخل بقوله أليثوس أنستى alhqoc anecth «أى بالحقيقة قام: 6، لو 24: 7».. ويرد الشماس من الخارج قائلًا «بالعربى »: المسيح قام «ثلاث دفعات فيجاوبه كبير الكهنة فى كل دفعة بالحقيقة قام»، وفى ذلك تأكيد بالإيمان بالقيامة.
ثم يقول الشماس: «افتحوا أيها الملوك أبوابكم وارتفعى أيتها الأبواب الدهرية»، «مز 24: 7 »، مرتين.. ولا يجاوبه كبير الكهنة بشىء.. وفى المرة الثالثة يقول: «افتحوا أيها الملوك أبوابكم وارتفعى أيتها الابواب الدهرية ليدخل ملك المجد».. « قد سميت بالأبواب الدهرية لأنها ليست مادية، كما أنها غير قابلة للفساد ولأن منها يتم الدخول إلى الحياة الأبديه الدائمة».. ثم يسأله كبير الكهنة من الداخل بقوله: «من هو ملك المجد؟»، فيجيبه بقوله: «الرب العزيز القوى الجبار القاهر فى الحروب هو ملك المجد»، «مز 24: 8 – 10».. ثم يقتحم الباب بقوة فيفتح وتضاء الشموع والأنوار.
ــ يفتح باب الهيكل بعد القيامة: وفيه إشارة إلى أن مخلصنا قد فتح باب الفردوس بصلبه وقيامته، وأن العداوة التى تسببت لآدم وذريته بسبب غواية إبليس قد زالت وتم الصلح بين الله والإنسان وفيه مناداة لنا للاقتراب من الله لكى ننعم بالأقداس السماوية.
ـــ ثم تضاء الأنوار بعد إعلان القيامة وفتح الأبواب: الذى فيه إشارة إلى النور الذى انبثق للمؤمنين بقيامة السيد المسيح وإلى القبر الذى لم يعد مظلمًا بعد أن أنار المخلص طريق الخلود الذى لم يعد مجهولًا، بل فى نور القيامة أصبح عقيدة لاشك فيها ولا غموض.
ـــ دور أيقونه القيامة: بعد فتح الأبواب يدور الكهنة والشمامسة فى الهيكل ثلاث دفعات، حاملين الأيقونة والصلبان والمجامر والشموع.. ثم يطوفون البيعة ثلاث مرات وبعدها يصعدون إلى الهيكل ويدورون حوله دورة واحدة، فيكون مجموع الدورات سبعًا.. ذلك كما طاف يشوع بن نون والكهنة حاملين الأبواق حول أسوار أريحا سبع مرات فسقطت الأسوار ودفعت المدينة ليد نبى إسرائيل. 
ـــ وهذا يذكرنا بأنه بموت المسيح وقيامته تحطمت أبواب الجحيم وتكسرت متاريسه الحديد وأخرج المسبيين هناك «بزلة آدم»، يبدأون دورة القيامة بتسبحة القيامة وهى إخرستوس أنستى إكنكرون أى المسيح قام من الأموات.
وفى رواية «المسيح يُصلب من جديد» للرائع «كازنتزاكيس» تأتى مثل تلك الجمل الحوارية..
• إن الله لا يتعجل أبدًا، إنه ساكن، يرى المستقبل كأنه ماض، إذ إنه يعمل فى نطاق الأبدية، المخلوقات الزائلة التى لا تدرى ماذا سيحدث غدًا هى وحدها التى تتعجل بدافع من الخوف والقلق، دع الله يعمل فى صمت، ولتكن مشيئته، لا ترفع رأسك ولا تسأل، فكل سؤال خطية.
• الإنسان وحش كاسر.. إنه يفعل ما يختار، إنه يسلك الطريق الذى يختاره لنفسه، أمامه بوابة الجحيم وبوابة الفردوس متلاصقتان، وهو يدخل أيهما يختار.. الشيطان لا يدخل سوى النار، والملاك لا يدخل سوى الفردوس، أما الإنسان فإنه يدخل أيًا منهما حسب اختياره.
فصول دراما إنسانية عظيمة صاغها لنا «كازنتزاكيس» بترجمة بديعة متفهمة لخيال المبدع وواقعية الحدث لــ«شوقى جلال».. كواحدة من أهم أدبيات استلهمت أحداثها وتداعيات بناء العمل الدرامى لها من واقع أحداث أيام الألم والرجاء والفداء وتفاصيل تداعيات حدث الصلب.. لا شك، إن ما أشار به «كازنتزاكيس» فى روايته هو عين ما نردده جميعًا ونزأر به فى صرخات استغاثاتنا لوقف رسائل كل المتحدثين باسم الإله.. الذين احتكروا معرفة الأديان أيًا كان هذا الدين بتجلياته الثلاثة «المسيحية واليهودية والإسلام».. من ظنوا امتلاك التقويض المعرفى والإيمانى والعقائدى والقيمى دون أهل الأرض قاطبة.. بما يناسب مصالحهم الخاصة جدًا والضارة جدًا فى الواقع.