رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

افتتاح مهيب لمسجد السيدة نفيسة «حبيبة المصريين»

سعدت بأن تم افتتاح مهيب لمسجد السيدة نفيسة «حبيبة المصريين»، حيث شرّف الافتتاح الرئيس عبدالفتاح السيسى، وذلك بعد ترميم مسجدها العريق الكبير الذى يقع فى وسط حى مصر القديمة، وهذا الافتتاح جاء ليجعله يتلألأ بأنوار بركاتها، وبسواعد المصريين الذين عاشت فى أرضهم، وطلبوا أن تدفن فى مصر لشدة تعلقهم بها، وللخير الذى يملأ شخصيتها، والعلم الذى أفادت به طالبى العلم والناس عامة بعد وفاتها، وأيضًا للكرامات التى تجلّت لمن لجأوا إليها أثناء إقامتها المباركة فى أرض مصر.
وهذا الافتتاح أسعد قلبى بشكل خاص لما لها من مكانة كبيرة فى قلبى، ولأنها- رضى الله عنها- من آل البيت، ولها كرامات كثيرة عرفت عنها، وما من مرة ذهبت للصلاة فى مسجدها وكنت فى رحابها إلا وخرجت وصدرى قد زال عنه الضيق، وانشرح قلبى، وأصبحت فى حال أفضل، وما من مرة كنت فى كرب وذهبت لأصلى فى مسجدها وخرجت منه إلا وقد انزاح كربى.كما أن التطوير يأتى فى إطار تطوير المنطقة ومصر التاريخية القديمة بأسرها، مما سيجعل المصلين يسعدون بالصلاة فى المسجد العريق، ومما يتناسب مع مقامها الرفيع.
وسيصبح مزارًا أثريًا وتاريخيًا يرتاده راغبو زيارته، والسائحون على السواء، وهى معروفة بأنها «نفيسة العلم»، وأنها تفرج الكروب لمن يصلى بقلب سليم فى مسجدها المبروك، والسيدة نفيسة هى أيقونة إسلامية نعتز بأنها اختارت مصر للإقامة بها، وأن قبرها فى أرض مصر التى أحبتها، والتى أحبها شعبها، والتى يعتبر مسجدها قبلة، وتفريج كرب لكل من يمر بكرب، وسبحان الله، وما أروع كراماتها وتفردها، وأنا أقول هذا عن تجربة شخصية، فهذا المسجد هو بالفعل مسجد فريد، الذى يصلى فيه ينشرح صدره، ومن يدعو بتفريج الكرب فإن الله يفرج عنه كربه.
ولو عدنا إلى نبذات موجزة عن حياتها، فإن اسمها- رضى الله عنها- بالكامل: هو نفيسة بنت الحسن بن زيد الأبلح بن الحسن بن على بن أبى طالب- كرم الله وجهه- ولدت بمكة المكرمة، يوم ١١ من شهر ربيع الأول سنة ١٤٥ من الهجرة النبوية، وعندما بلغت الـ٥ سنوات انتقل بها والدها إلى المدينة المنورة، فكانت تذهب إلى المسجد النبوى، وتستمع إلى مشايخه، وتتلقى الحديث والفقه من علمائه، حتى لقّبها الناس بنفيسة العلم قبل أن تصل إلى سن الزواج، وتقدم الكثيرون للزواج منها، إلا أن والدها قبل بزواجها من إسحاق بن المؤتمن بن جعفر، وأنجبت منه القاسم وأم كلثوم، وفى ٢٦ رمضان ١٩٣ من الهجرة كرم الله أهل مصر بقدومها إليها، فخرجوا لاستقبالها وأسرتها فى العريش بالفرح والسرور، واستقرت بمصر، وأصبح بيتها قبلة العلماء والمحبين لآل البيت.
ومن الكرامات المنسوبة إليها أنها فى يوم من الأيام شح النيل وجف منسوبه، فذهب أهل مصر إلى السيدة نفيسة، وقالوا لها: إن منسوب النيل قد انخفض، فخلعت السيدة نفيسة قناعها، وطلبت من أهل مصر أن يلقوا به فى مياه النيل، ففاض النيل وقتذاك، ومن هنا زاد تعلق المصريين بها تعلقًا شديدًا، حتى أصبحت «حبيبة المصريين». 
وعندما توفيت- رضى الله عنها- بالقاهرة فى رمضان عام ٢٠٨ من الهجرة، جاء فى كتب التراث الإسلامى: «إن زوجها إسحاق بن الإمام جعفر الصادق أراد أن ينقل جثمانها إلى المدينة المنورة، فسأله أهل مصر أن يدفنها عندهم، خاصة أنها قد اختارت مكان دفنها بحفرها قبرها بيديها، حيث كانت تنزل فيه لتصلى، ويقال إنها صلت فيه ٦ آلاف مرة، فرفض، فتوسلوا للوالى أن تدفن فى أرض مصر للتبرك بها.. إلا أنه عاد مرة أخرى بعدها إلى الوالى قائلًا: إنه رأى النبى- صلى الله وعليه وسلم- فى المنام وفقًا للرواية، فإذا النبى- صلى الله عليه وسلم- يقول له: (يا إسحاق لا تعارض أهل مصر فى نفيسة، فإن الرحمة تنزل عليهم ببركتها)». 
وكانت حبيبة المصريين قد أتت إلى مصر قبل مجىء الإمام الشافعى لها بـ٥ سنوات، وكانت تقرأ على الشافعى، ويقرأ عليها العلم، وحينما مرض الشافعى أرسل إليها تلميذًا من تلاميذه يقول لها: الشافعى يسألك الدعاء، فيقول التلميذ: حينما قلت لنفيسة العلم، قالت: «قل للشافعى شفاك الله»، فذهبت إليه وكأنما لم يكن به مرض، ثم مرض مرة ثانية فأرسل إلى السيدة نفيسة التلميذ قائلًا لها: الشافعى يسألك الدعاء، فقالت له: «قل له، متعك الله بالنظر إلى يوم وجهه الكريم»، فعلم الشافعى أنه بقيت له أنفاس معدودة، ثم تصعد روحه إلى ربه، وحدث هذا بالفعل.
وأعود لأقول عن خبرة شخصية أن من يذهب لزيارة مسجد السيدة نفيسة ويصلى به سيجد فى مسجدها هدوءًا وراحة نفسية لا مثيل لها أبدًا، ومن المعروف أن السيدة نفيسة- رضى الله عنها- قد أدت مناسك الحج ٣٠ مرة سيرًا على الأقدام، وكانت تتعلق بستار الكعبة وتقول فى كل مرة: «إلهى فرحنى برضاك عنى، ولا تسبب لى ما يبعدنى عنك»، وكان يصحبها أبوها لزيارة قبر جدها المصطفى- صلى الله عليه وسلم- وهى صغيرة، ويقف على قبر جدها، ويقول: «هل أنت راضٍ عن ابنتى نفيسة؟ فجاءه الرسول- صلى الله عليه وسلم -فى المنام، وقال له: «يا حسن إنى راضٍ عن ابنتك نفيسة برضاك عنها، إن الله عز وجل راضٍ عنها برضاك عنها».
ولما للسيدة نفيسة من كرامات، ونظرًا للروحانيات التى تنبعث فى أرجاء المكان، ولما للصلاة من قدرة على تفريج الكروب، فإننى أتمنى أن يتم تطوير المكان كله من حوله، وأن تتم صيانته والحفاظ عليه متألقًا للمصلين وللزائرين والمريدين، وأن يوضع على خريطة الزيارات السياحية قريبًا، وذلك لما لمسجد السيدة نفيسة- رضى الله عنها- من منزلة إسلامية رفيعة ولما لمسجد «حبيبة المصريين ونفيسة العلم» من قيمة تاريخية فريدة.