رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

روشتة للاستقرار فى مواجهة ارتفاع الأسعار

إن التكافل الاجتماعى له أهمية قصوى فى المجتمع، لأنه يُعد من أهم الأسس التى تكفل استقرار المجتمع وتقدمه، وتنميته وازدهاره، خاصة إذا ما كان حاضرًا فى الأوقات الصعبة مثل الأزمات الاقتصادية، أو وقت التهديد بالحرب، أو الصراعات الإقليمية، أو فى وقت الجائحة.. كما حدث فى جائحة كورونا التى تعرض لها العالم كله، وأسفرت عن أزمات اقتصادية وبطالة وتوقف كثير من الأعمال.

وهو أيضًا من القيم الثابتة التى تكفل تضامن المجتمع وتماسكه وقوة نسيجه وتقدمه فى مواجهة الأزمات الاقتصادية، ومن الضرورى أن ينتبه كل فرد فى مجتمعنا إلى ضرورته وأهميته ونحن نتجه لبناء جمهورية جديدة مصرية متقدمة، ومستقرة وقوية ومنتجة وحديثة، وذات مكانة عالية تستحقها وسط الدول.

ولأننا الآن نواجه أزمة اقتصادية يمر بها العالم كله، خاصة بعد جائحة كورونا ثم بعد حرب أوكرانيا وارتفاع الأسعار فى كل الدول بنسب متفاوتة، ولا بد لنا أن نتجه إلى طرح حلول للغلاء الشديد الحالى تكفل لنا الاستقرار أثناء البناء والتقدم إلى الأمام، وهناك ٣ أضلاع ضرورية فى مثلث الاستقرار مع مواجهة غلاء الأسعار.

أولها: الدولة أو الحكومة ودورها فى مواجهة الغلاء المتزايد فى جميع الأسعار، فى كل أنواع السلع والأغذية.

ثانيها: التجار ودورهم فى رفع الأسعار أو تزايدها بشكل تصاعدى.

ثالثها: الشعب ودوره فى مواجهة ارتفاع الأسعار لجميع السلع.

وأول ضلع فى مواجهة الغلاء هو الدولة، ودورها الأساسى يتمثل فى مراقبة السوق، ووضع حد لارتفاع الأسعار الذى يتزايد ويتصاعد دون هوادة من قِبل التجار، ويسفر عن هذا عجز أو صعوبة لدى رب الأسرة أو الأم المعيلة فى توفير احتياجات المعيشة اليومية للأسرة ذات الدخل المتوسط، فما بالك بفئة الفقراء أو العاملين بأجور ثابتة ومحددة فى الوظائف الحكومية أو المؤسسات التابعة للدولة أو الموظفين فى الهيئات الحكومية أو أصحاب المعاشات الثابتة وغير القادرين على الالتحاق بأى عمل لكبر سنهم أو الأمهات المعيلات ذوات الدخول الصغيرة وغير قادرات على توفير مطالب الأبناء الأساسية من مأكل وملبس ومدارس ومستلزمات تعليم وصحة ودواء ودفع الكهرباء وغيرها من الاحتياجات الضرورية التى لا غنى عنها فى المعيشة اليومية، أو أصحاب المعاشات الذين لا تكفى معاشاتهم لسد أساسيات معيشتهم، وفى هذه الحالة لا بد أن أقول إن الحكومة قد نفذت عدة برامج لدعم الفئات غير القادرة تقوم بها وزارة التضامن الاجتماعى، مثل برنامجى تكافل وكرامة وغيرهما، أو وزارة التموين التى تقوم بفتح منافذ للسلع الغذائية بأسعار مناسبة، وأيضًا فتح منافذ عديدة من قِبل للجيش لتوفير السلع، وهنا أطالب بالمزيد من المنافذ، لتصبح منتشرة فى كل الأحياء، ومن الضرورى أن تقوم الدولة بإجراءات حازمة لردع التجار الجشعين، الذين يخفون السلع من أجل رفع سعرها فيما بعد، وحماية المستهلك من جشع وغش التجار.

ثانى ضلع هو دور التجار فى ارتفاع الأسعار، وهو دور أساسى فى الأزمة الاقتصادية وهو يستند إلى أهمية قيام التجار بدور وطنى وحماية الولاء للوطن من خلال الاحتكام إلى ضميرهم وعدم المغالاة فى الربح من بيع أى سلعة غذائية، خاصة الأغذية والسلع الشعبية التى يقوم عليها غذاء المواطن المصرى البسيط والأسر الأكثر احتياجًا، وليكن لديهم بعض الإحساس بالفقير الذى لا يقوى على الغلاء المتزايد دون رحمة، لأنها من أولويات غذائه اليومى مثل الفول والطعمية والخبز والعدس والأرز والمكرونة والزيت والسمن والسكر والشاى، والبيض والخضروات والجبن الأبيض.

فكل هذه السلع قد ارتفع سعرها وبشكل مبالغ فيه، ولا بد من وقفة لأصحاب المخابز ومحلات الخضروات والسوبر ماركت لتخفيض الأسعار والاكتفاء بربح معتدل ومناسب، وهذا ممكن للتاجر المصرى الوطنى، إلا أن هناك تجارًا ينتمون إلى التيارات المتشددة التى تستهدف تعجيز المواطن الفقير عن شراء السلع الأساسية، بحيث يحدث لديه سخط على الحكومة بسبب الغلاء، ونقص بعض السلع الأساسية، ومن هنا فإن وقف الغلاء المسعور الذى يشكو منه المواطن الآن يمكن أن يتم خفضه من خلال مبادرات لتجار وطنيين يقدمون دعمًا للمواطن من خلال طرح سلع بأسعار مخفضة ومناسبة دعمًا للاستقرار، وتلبية للواجب الوطنى والولاء للوطن فى وقت الأزمات، ولا بد من محاربة والقضاء على كل أفكار التشدد والتطرف التى تدعو للتفرقة والفتن بين أبناء الوطن. 

ثالث ضلع فى مثلث الاستقرار هو الشعب، وفى تقديرى أن هذا يتطلب تنفيذ روشتة ضرورية وأساسية تقضى بنشر الوعى بأهمية التكافل الاجتماعى لضمان التقدم دون أضرار على المواطن أو على استقرار الدولة، وهذا دور مهم للميسورين أو الأغنياء الذين يمكن أن تكون لهم وقفة وطنية لدعم استقرار الوطن وحفظًا للسلام الاجتماعى فى هذه الفترة الانتقالية وذلك للعبور بسلام إلى الجمهورية الجديدة، ولهذا فإننى أطالب رجال الأعمال وميسورى الحال وأصحاب الضمائر الحية من المواطنين الشرفاء بإعلان مبادرة للتكافل الاجتماعى فى بلدنا دعمًا لأصحاب الدخول الفقيرة والمحتاجين دعمًا وتيسيرًا لهم فى معيشتهم اليومية، وعلى اعتبار أن أصحاب الدخول الثابتة أو الصغيرة والمرأة المعيلة وأصحاب المعاشات هم أكثر من يعانون من قسوة ارتفاع الأسعار والغلاء فى كل السلع، صحيح أن الزيادة السكانية قد أصبحت قنبلة موقوتة لا بد من وقفها قبل انفجارها، ولهذا فإنه إلى جانبه نشر الوعى بقيمه التكافل الاجتماعى، فإنه أيضًا لا بد من إيجاد حلول مبتكرة وحاسمة من جانب الدولة للمشكلة السكانية التى لا بد من القضاء عليها قبل أن تلتهم أى تقدم أو إنتاج أو دعم من ميسورى الحال لدعم الفئات الأكثر احتياجًا. 

إن إعلان مبادرة للتكافل الاجتماعى من رجال الأعمال لكفالة الأكثر فقرًا أو الأكثر احتياجًا من حولهم سيجعل التقدم آمنًا.. وسيصبح سياسة ناجحة يمكن اتباعها لأنها تجعل الفقير يحس بأن له قيمة فى وطنه وكرامة يكفلها له مواطن مصرى آخر ميسور الحال، لكنه أحس بمعاناته، وأسهم فى دعمه ومساعدته، وهكذا يمكن تكوين مجموعات للتكافل الاجتماعى حتى يعبر الوطن فى أمان إلى التقدم والتنمية والاستقرار، إن التكافل الاجتماعى فى تقديرى هو روشتة مضمونة لسد حاجة الفقراء والمحتاجين فى ظروف الغلاء الحالى، ولكن على أن تجد الدولة حلولًا آمنة له، إنه أيضًا فى تعاليم الدين الإسلامى، وله ثواب كبير فى علاقه الإنسان بالله العلى القدير وبأفراد المجتمع، وتخفيف وطأة الفقر عن المحتاجين، كما أنه يبنى العلاقات بين أفراد المجتمع على أسس من الرحمة والمودة.

وجاء فى الآية القرآنية قوله تعالى: «ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما أتاه الله لا يكلف الله نفسًا إلا ما آتاها»، كما حث الرسول الأعظم، عليه الصلاة والسلام، أيضًا على أهمية الخير والبر والإحسان والتضامن الاجتماعى، حيث قال: «الله فى عون العبد ما دام العبد فى عون أخيه»، «ومثل المؤمنين فى توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى».