رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فشل ومقاطعة لـ«كليوباترا المزيفة»

سيظل تاريخ مصر الفرعونية مادةً جاذبةً ومبهرةً للعالم كله يقدم فى كتب وأفلام ومسلسلات ودراسات ومقالات يتسابق الناس فى جميع أنحاء العالم لمعرفتها والتزود بمعلومات عنها، وتظل أسرار ملوك وملكات الفراعنة وطقوسهم وآثارهم والاكتشافات الأثرية مصدرًا لاهتمام العالم فى كل مكان حتى يومنا هذا.

وستظل الملكة «كليوباترا» المصرية وحياتها- فى تقديرى ووفقًا لما نرى ونتابع- هى الملكة الأكثر شهرة وقوة فى العالم والأكثر إثارة للإبهار، وأكثر من تلقى اهتمامًا فى جميع أنحاء العالم حتى يومنا هذا، وأكثر ملكة تم تقديم حياتها فى أفلام وكتب ودراسات ودراما عنها، حيث أعطى جمالها وجرأتها وأحلامها لمصر التى عشقتها ورومانسيتها أيضًا ووقوع اثنين من أقوى قادة الإمبراطورية الرومانية فى حبها، لحياتها أبعادًا حوّلتها إلى أيقونة للجمال وأسطورة تبهر العالم، وتفاصيل حياتها تتناقلها الأجيال جيلًا بعد جيل، إلى أن حدث مؤخرًا الإعلان عن عمل وثائقى بدأ عرضه فى ١٠ مايو ٢٠٢٣ ويقع فى ٤ أجزاء بعنوان «كليوباترا» حول الملكة المصرية الأسطورة.

وكنت قد شاهدت برومو «كليوباترا» قبل وضعه على منصة «نتفليكس»، واعترضت على تقديم الملكة كليوباترا المصرية ببشرة سوداء وملامح إفريقية، وتم تقديم المسلسل على أنه عمل وثائقى يقدم حقيقة قصة حياة الملكة كليوباترا وبتعليقات من خبراء متخصصين فى حياتها وفى التاريخ المصرى، فقررت أن أشاهده فإذا بى أجد مغالطات تاريخية مهولة وتزويرًا متعمدًا لتاريخ الملكة الأسطورة، أى للتاريخ المصرى.

ومن هذه المغالطات: التأكيد منذ اللحظات الأولى أن الملكة كليوباترا هى ملكة فرعونية إفريقية ذات بشرة سوداء، أى أنه محاولة واضحة وفجة لتزوير الهوية المصرية والتاريخ المصرى بشكل متعمد، متجاهلًا كل الحقائق التاريخية والآثار والدراسات والتماثيل التى تصف كليوباترا على أنها ملكة مصرية فرعونية ذات بشرة بيضاء، حيث إنها تنحدر من أسرة من البطالمة الذين حكموا مصر عدة قرون، وكانوا يتميزون بملامحهم اليونانية البيضاء، وكانت هى فائقة الجمال حتى تحولت لأسطورة تتناقل قصتها الأجيال، وتقدم فى أفلام عالمية عديدة تروى حياتها وطموحاتها ومكانتها ودورها فى تاريخ مصر الفرعونية.

وأثار هذا البرومو الجدل فى أنحاء العالم بمجرد ما إن تم عرضه، وانتشرت تكذيبات لهذا التزوير فى تاريخ مصر الفرعونية، على اعتبار أن هناك جماعة اسمها «الأفرو سنتريك» وراء هذا التقديم المزور للحقائق التاريخية، الذى يزور ملامح كليوباترا، وفى تقديرى أنه من الضرورى رفع قضية من مصر على منصة «نتفليكس» بعد هذا الإصرار على عرض فيلم يزيف حقيقة شكل الملكة المصرية الفرعونية الأكثر شهرة فى العالم بهذا الشكل المتبجح.

وإذا ما عدنا إلى الأمور المؤكدة تاريخيًا، سنجد أنها قد ولدت فى مصر عام ٦٩ ق. م. من أصل مقدونى، وبالرجوع إلى التماثيل التى تركتها لنا الملكة يتأكد أن ملامحها هيليستينية، كما يظهر ذلك جليًا فى التمثال النصفى المصنوع من الرخام والمحفوظ فى متحف برلين من القرن الأول قبل الميلاد، وتظهر هى فيه ترتدى إكليلًا ملكيًا، وبعينين لوزيتين، وبأنف مسحوب وشفاة رقيقة، وهناك أيضًا تمثال نصفى آخر محفوظ فى الفاتيكان يظهرها بملامح ناعمة ورأس من الرخام، وترتدى غطاء الرأس، فضلًا عن عدد من العملات التى تظهرها بنفس الهيئة الهيليستينية، وفى الجزء الثانى من دراسة «كليوباترا المفترى عليها» للمؤرخ اليونانى سترابو جاء به: إن الملكة مقدونية شقراء، ولا يجوز تزييف وعى الأمة المصرية القديمة، وقد قامت بإنتاج هذا المسلسل جادا بينكيت سميث زوجة الممثل الأمريكى الشهير ويل سميث فى سلسلة وثائقية تستكشف حياة الملكات الأفارقة البارزات والمبدعات.

وقد لقى البرومو بعد عرضه هجومًا كبيرًا وعلى نطاق عالمى على «فيسبوك» فى كثير من أنحاء العالم، وانتشرت وانطلقت دعوات لمقاطعة الفيلم، وأثمر الهجوم ودعوات المقاطعة المنتشرة على «فيسبوك» عن ضعف نسبة مشاهدته، إلى حد أن موقع «الديلى ميل» أكد أن مسلسل «الملكة كليوباترا» الذى تعرضه منصة نتفليكس قد تمت مقاطعته إلى حد تلقى رقم الطماطم المتعفنة أى بنسبة ١٪ فقط من المشاهدة.

وأضاف الموقع أن هذا العمل بدأ عرضه بالفعل على منصة نتفليكس منذ ١٠ مايو، حول صعود وسقوط آخر ملوك الفراعنة فى مصر، والذى يتناول علاقاتها وميراثها وعملها السياسى، وأن هذا الامتناع عن مشاهدته وسقوطه قد حدث بعد اختيار ممثلة إفريقية سوداء لتؤدى دور كليوباترا، وهى آديل جيمس «٣٧ سنة»، رغم كل الآثار والدلائل التاريخية التى تظهر أنها مقدونية يونانية الجذور.

ويذكر الموقع أنه بعد ٤ أيام من عرض العمل، فإن المشاهدة التى تبلغ ١٪ تؤكد أنه أسوأ عمل توثيقى تم تقديمه فى تاريخ الأعمال التوثيقية الدرامية، وذلك وفقًا لمجلة فوربس، وقام الأثرى المصرى د. زاهى حواس بإدانة هذا المسلسل، باعتباره مزيفًا بالكامل، وأن نتفليكس تحاول إثارة البلبلة بنشر أكاذيب أن أصل الحضارة المصرية إفريقية، وهذا غير صحيح، وقال إن كليوباترا ذات جذور يونانية، مما يعنى أنها ذات بشرة فاتحة وليست سوداء. 

أما نحن فى مصر، فأتذكر أننا حينما كنا فى سن صغيرة قد شاهدنا، بعد سنوات من عرضه فى العالم، أشهر فيلم أنتجته هوليوود عن الملكة كليوباترا فى ١٩٦٣.. وقامت ببطولته النجمة الإنجليزية البيضاء البشرة والجميلة إليزابيث تايلور ومعها النجم الإنجليزى ريتشارد بيرتون فى دور القائد الرومانى الشجاع مارك أنطونى، وقام النجم ركس هاريسون بدور الإمبراطور الرومانى يوليوس قيصر، وكان الفيلم من إخراج المخرج الشهير جوزيف مانكيفيتش، وتم إنتاجه فى الولايات المتحدة والمملكة المتحدة.

وهكذا فشل المسلسل الوثائقى الذى يقدم الملكة المصرية الفرعونية كليوباترا على أنها ذات بشرة سوداء فشلًا ذريعًا، حيث قاطعه المشاهدون فى كل أنحاء العالم بعد الهجوم الضارى عليه على «فيسبوك» ومواقع التواصل الاجتماعى، حيث رفض المشاهدون فكرة تزوير التاريخ المصرى وتقديم الملكة الفرعونية باعتبارها ملكة فرعونية سوداء إفريقية.

ويبقى أننى ما زلت أطالب الجهات المعنية برفض هذا المسلسل الوثائقى الذى يزور التاريخ المصرى عمدًا، حتى يتوقف تقديمه وتزييف وعى المشاهدين حول تاريخنا المصرى الفرعونى الذى ما زال يبهر العالم، ويؤكد عظمة الحضارة المصرية القديمة ودورها الحضارى السباق فى كل المجالات وقبل كل العالم. 

مصر مهد الحضارة ولا تزال تبهر العالم لعظمة وتقدم وعبقرية أجدادنا من ملوك وملكات مصر الفرعونية.