«أيام العطش والحرب 3».. أحمد نوار: الأدب المصرى لم يعبر عن أكتوبر
هو واحد من أبطال أكتوبر، وكيف لا يكون بطلًا من أكتوبر وقبلها حرب الاستنزاف التي أنهكت العدو وجعلته معرضًا لضربة قوية وقاضية، بالفعل كان العبور في أكتوبر.
الدكتور أحمد نوار، الفنان التشكيلي والقناص الذي كان يمسك بندقيته وينظر بتمعن فيغلق عينًا ويفتح الثانية ويصوب باتجاه الهدف ويضرب، وكان الهدف هو جندي صهيوني استحل الأرض والعرض، وكان نوار ينظر كثيرًا وفي كل نظرة يسقط صهيوني، حتى عد 15 جنديًا إسرائيليًا.
راح نوار يحصد البطولات وكلما سقط صهيوني ارتفعت صرخات الله أكبر، وينظر نوار للبراح ويردد بصوت خفيض مفعم بالفرحة: "الله أكبر"، وفق ما رواه في حواره مع الدستور وإلى نصه..
كيف يمكنك أن تصف أيام أكتوبر ومعايشتك لها؟
للإجابة عن هذا السؤال يجب توضيح بل تصحيح المفهوم العام لحرب أكتوبر 1973، هو عبور الجيش المصري في 6 أكتوبر 1973، وأرى طبقًا للواقع الحرب بعد 1967 بأن الجيش المصري أعيد بناؤه بقيادة الفريق محمد فوزي وزير الحربية، وبإرادة وطنية رئاسية من القائد العظيم الراحل جمال عبدالناصر، وبدأت حرب الاستنزاف بعد 1967 مباشرة، وامتدت حتى سبتمبر 1970 وهو تاريخ وقف إطلاق النار، ولقنت القوات المسلحة المصرية دروسًا قاسية للعدو الصهيوني وكبدته خسائر فادحة على طول خط المواجهة من السويس جنوبًا حتى بورسعيد شمالًا، وامتدت أعمال القوات الخاصة المصرية إلى عمق سيناء وخلف خط بارليف ولقنته دروسًا أثبتت أن إرادة المقاتل المصري لا تعرف المستحيل، وعلى مدى هذه السنوات استخدمت كل أنواع الأسلحة المتطورة.
وحصل المقاتل المصري على درجات عالية من الكفاءة القتالية والقدرة على المبادرة بالهجوم والجسارة والشجاعة، لذا أصحح ما ينشر دائمًا عن انتصار أكتوبر 1973 فيما يلي، حرب الاستنزاف هي الحرب الكبرى توجت بعبور قناة السويس في أكتوبر 1973، وحققت نصرًا غير مسبوق على المستوى العسكري المتعارف عليه في العالم، وهذا يؤكد أن الحرب لها بداية ونهاية ولا يجب أن نعتبر النهاية كل شيء، بل هي نتاج سنوات من القتال والفداء واستشهاد الآلاف من الشباب.
أما عن الشق الثاني من السؤال فبكل صراحة ومصداقية بالرغم من إقامتي لعدة معارض تشكيلية عن الحرب والشهيد أعوام "1971، 2010، 2014"، وبعض الأعمال عن العبور والقنص والنابالم في معرضي المقام حاليًا بمجمع الفنون بالزمالك فإنني لن أوفي بالتعريف عن حرب أكتوبر لعدة أسباب، منها أن الحدث أكبر من التعبير عنه في لوحة أو تمثال لذا تقدمت باقتراح للرئيس مبارك ووزارة الدفاع ووزارة الثقافة، وهو إنتاج فيلم روائي كبير يرقى لمستوى الحدث العبقري الذي تم بعبور القناة، واتخذ الاقتراح بعض المراحل الأولى للتنفيذ، وتوقف لعدم امتلاك إرادة التنفيذ من المؤسسات المعنية.
السبب الآخر هو غياب الإعلام بكل أنواعه عن وضع خطة للتعريف من خلال توثيق حقيقي لما تم على أرض الواقع منذ بداية حرب الاستنزاف حتى أكتوبر 1973، والذي حدث هو "إعلام المناسبات" والجميع يتغنى بكيفية استلهام حرب أكتوبر في حياة المصريين وإعداد أجيال قادرة على الاستمرار بحس وطني، ولكن ما زلت أعيش سنوات الحرب، وما زلت أفكر في عمل تشكيلي يرقى لمستوى الإنجازات العسكرية المصرية منذ بداية "الحرب الكبرى" والتي توجت بالعبور والنصر في 6 أكتوبر 1973.
هل ترى أننا في مصر منحنا حرب أكتوبر حقها في الأدب والفن؟
للأسف الشديد مصر كمؤسسات تعليمية وثقافية وفنية لم تفعل شيئًا من إنجازات لاستلهام روح الحرب والنصر على كل المستويات، "بل حدث تغييب للحس والانتماء الوطني"، بدليل ما ذكرته في إجابة السؤال الأول عن اقتراحي بإنتاج فيلم روائي كبير يرقى لمستوى الحدث العبقري، ولم يتم للأسف الشديد، وما أنجز على مستوى السينما حتى الآن لا يرقى لمستوى حدث البطولة والانتصار، "في الوقت الذي أنتج العدو الصهيوني أكثر من 3 أفلام روائية عن انتصارهم في الحرب"، من خلال فتح الثغرة، لا الأدب ولا الفن ولا المسرح ولا الموسيقى.. إلخ، ما أُنتج هو القليل ولكن لا يرقى لمستوى الحدث العبقري.
ما الذي يمكننا فعله في رأيك حتى نكرس لأكتوبر كملحمة مصرية خالصة؟
بدون شك مرور خمسين عامًا على عبور القوات المسلحة العظيم، وستة وخمسين عامًا على حرب الاستنزاف يجعل من الصعوبة الحصول على المواد التوثيقية الكاملة التي كانت على أرض الواقع، بالرغم من وجود معلومات كثيرة بإدارة التوجيه المعنوي بالقوات المسلحة، ولكن أقصد الوثائق المصورة لمشاهد حرب الاستنزاف والتدمير المستمر الذي لحق بالجانب الصهيوني، وتصوير آلاف العمليات الفدائية التي تمت خلف خطوط العدو، على مستوى الجبهة بالكامل لم يتم، بالإضافة إلى خطط تدمير خط بارليف في مواقع كثيرة، أقصد في النهاية لم يتم تصوير كل العلميات العسكرية من خلال رؤية توثيقية سينمائية، لتوظيفها في الإنتاج السينمائي التوثيقي والروائي.
وفي هذا الصدد، أقترح إنتاج أفلام توثيقية للعمليات الفدائية التي تمت خلال حرب الاستنزاف "الحرب الكبرى"، وإنتاج فيلم روائي كبير عن خطة العبور وتدمير خط بارليف فقط، إنتاج فيلم روائي كبير عن خطة تحرير سيناء من الناحية التاريخية والعسكرية، وإنتاج فيلم روائي كبير عن خطة إنجازات القوات المسلحة في استنزاف العدو خلال سنوات "الحرب الكبرى"، وإعداد مقررات تضم لمناهج التعليم الأساسي وأيضًا الجامعي تضم ملاحم وبطولات الجيش المصري خلال الحرب الكبرى، التي توجت بالعبور في السادس من أكتوبر، مع إقامة مسابقات بحثية كل عام عن نصر أكتوبر، وإعداد صور للأبطال والشهداء تعرض بالمدارس وكل مراحل التعليم، ويضاف إليها صور للعلماء البارزين والرموز في كل المجالات كقدوة للأجيال وحافز لتحقيق الذات الوطنية للشباب، وأن تقوم الدولة بعرض مشروع فني كبير في مجال الفنون التشكيلية على الفنانين التشكيليين بمصر، بموجب تكليف وطني لإعداد والمشاركة في تحقيق رؤية تشكيلية ترقى لمستوى الحدث العبقري، وأخيرًا إنتاج أفلام عن القناصة الأبطال، كسلاح كان له الأثر الفعال في نفوس الصهاينة والذي أرهبهم وبث روح الخوف والجبن، مِثل هذه النوعية من الأفلام تجذب الشباب لأنها تظهر قدرات خاصة للأبطال.
"ملحوظة" فيما يخص الأفلام وإمكانية استعادة المشاهد، يمكن عن طريق التقنيات المتقدمة للإنتاج السينمائي بالإضافة للمعلومات البصرية والتحريرية من قبل إدارة التوجيه المعنوي بالقوات المسلحة.
هل هناك قصص أو أعمال أدبية في ذهنك تدور حول فكرة الحرب ويمكن أن نراها فيما بعد؟
في هذا المقام أعمل فنيًا منذ فترة في محيط اسمه "إرادة وطن"، وأنتجت مجموعة من الأعمال الفنية التي تعبر عن إرادة الوطن، وكلها تهدف إلى الطاقة التي يمتكلها الوطن من خلال أبنائه العلماء والمبدعين في شتى المجالات، كما لا تعني أنه "لا مستحيل أمام إرادة قوية" والتي تؤدي إلى التحدي والإصرار على الانتصار، في الحرب أو السلم، وكما ذكرت بأنني أعيش بشكل مستمر في التفكير لإنجاز عمل فني كبير ملحمي عن الحرب الكبرى التي توجت بالعبور، وحتى الآن الصورة الذهنية لهذا العمل تدور في فلك خيالي، وأتمنى أن أصل لمرحلة التنفيذ وترى النور، وترقى لمستوى إرادة الوطن الذي حقق نصرًا مضيئًا لتاريخ مصر والحفاظ على كرامتها وكبريائها وعزتها.
هل ترى أننا في حاجة لمسابقات أدبية تكرس لهذه النوعية من الأدب؟
بدون أدنى شك، وجود أو طرح مسابقات سنويًا ومستمرًا سيكون لها الأثر الكبير في استدعاء روح الحدث، من خلال الوثائق المتاحة وهي كثيرة وستكون الفائدة مزدوجة، معايشة المشاركين بالمسابقة لروح أكتوبر ومحاولة التعبير عنها، وثانيًا طباعة هذه الأبحاث بعد مراجعتها بدقة وتوزيعها بأسعار زهيدة للمواطنين بالإضافة للمسابقات الفنية عن مستوى مراحل التعليم حتى الجامعة وبالتجارب السابقة لبعض الورش لأطفال صغار أنتجوا أعمالًا رائعة عنا للحرب والانتصار من خلال إشراف متخصص ناقد أو فنان حتى يتعرفوا في البداية قصة الحرب ببساطة وكانت النتائج مذهلة ورائعة.
الموضوع يحتاج إلى البدء والاستمرار بدون توقف حتى نصل بأن تكون المعلومات جزءًا لا يتجزأ من حياة الناس، وتصبح ثقافتهم متنوعة ووطنية، وأنا ضد نشاط المناسبات، أي لي كفاية الاحتفال بيوم الشهيد فقط، ويوم رفع العلم على سيناء.. إلخ، كلها مناسبات نفخر بها ولكن تأتي طبيعيًا ضمن منهج علمي طوال الوقت.
كيف ترى أكتوبر والتعبير عنها أدبيًا وما المناطق المجهولة التي تحتاج إلى تأريخ في رأيك؟
ذكرت فيما سبق أن مجالات الفنون المختلفة والأدب لم يقدموا إبداعًا يرقى لمستوى حدث الحرب الكبرى والعبور للأسف الشديد.
الجزء الثاني من السؤال هام للغاية، لأنه يشير إلى أحداث أو تفاصيل يجب تأريخها وتوثيقها علميًا بالفعل كل دقيقة وكل لحظة، وعلى مدار اليوم بالكامل كانت مواقع الجيش المصري على طول المواجهة من السويس جنوبًا إلى بورسعيد شمالًا تنبض بالحياة ودقات قلوب المقاتلين تزداد بقوة، وإصرارهم على إنجاز مشرف يحفظ سمعة القوات المسلحة، كانت ملاحم تنفذ على مدار هذا الوقت الملتهب، تخطيط، تكليف، علم عسكري، معلومات دقيقة، من كتائب الاستطلاع وطائرات التصوير الجوي، التفاصيل لا ناهية لها، الأعداد لعبور جماعة فدائية يعتبر ملحمة إنسانية قتالية وطنية تحتاج إلى دراسة وتدقيق في كل شيء بدءًا من المقاتل، حالته النفسية، الكفاءة العسكرية، الإرادة، الشجاعة، شعوره بأنه سيعبر القناة وسيكون في قلب مواقع العدو الصهيوني، ويمكن بعد تنفيذ العملية الفدائية أن يستشهد، أو يعود جريحًا أو سليمًا، ما يحتاج إلى تأريخ الكثير يشارك فيه علماء عسكريون، وعلم نفس، واجتماعيون.. إلخ، حتى نصل إلى تأريخ علمي متكامل الأركان.
لماذا في رأيك لم يتم عمل مشروع كتابي كامل من أدباء عايشوا الحرب للتعبير عنها؟
أعتقد هذا السؤال واضحة إجابته، لأن بعد علمية اتفاقية السلام حدث نوع من الإحباط لدى الكثيرين وتلاه تغييب الحس الوطني لدى الشباب والعامة، وهذا أثر كثيرًا على كل الإنتاج الإبداعي واستمر حتى الآن، بالرغم من أن قضية فلسطين كانت المحرك الأساسي حتى وقتنا هذا، فقدت هذا الإحساس وفقدت الحماس من تجاهنا بالرغم من الهدم والتنكيل والسحل والقتل اليومي أمام أعين العالم، المبررات متعددة يعلمها الأدباء أنفسهم كما في الفن التشكيلي، الذين اشتركوا أو تواجدوا بالقوات المسلحة أثناء الحرب لم يعبروا عنها حتى ولو بعمل واحد للأسف الشديد.
في الأخير.. ما أهم الأمور التي تود الإشارة إليها في الحرب ولم تذكر في كتب؟
وكانت الثغرة، الجزء رقم 19 من كتابي "نوار عين الصقر" قناص حرب الاستنزاف صادر 2002، بعد مراجعة دقيقة من الإدارات المختصة بالقوات المسلحة ص 133 حتى 138، وأحس برغبتي في تناول أمر مهم أزعجني إلى حد لا يحتمل، عندما كنت في إسبانيا عام 1973 وكنت قد أنهيت خدمتي العسكرية وسافرت إلى أسبانيا عام 1971، في بعثة على منحة مقدمة لي من حكومة إسبانيا، إنها شجون الثغرة الشهيرة التي أحدثها العدو الصهيوني في منطقة الدفرسوار بعد نجاح الجيش المصري في عبور قناة السويس وتدمير خط بارليف وتبديد كل التوقعات الاستراتيجية العالمية التي تنبأت بتدمير 80% من الجيش المصري في حال مهاجمته لخط بارليف عبورًا للمانع المائي، لقد كان عملًا عسكريًا عبقريًا ذروته اختيار أماكن العبور وزمانه، مع خطة رائعة التنفيذ لخداع العدو ومفاجأته في مقتل.
عند سؤالي عن سر التنبيهات اليومية لدينا برفع درجة الاستعداد تحسبًا لأي هجوم صهيوني وخاصة أننا هنا للدفاع عن مصر، ونحن في غاية الاستعداد للمواجهة بشكل دائم كما ينبغي أن يكون وليس فحسب عندما تأتي معلومات تؤدي إلى تلك التعليمات المتكررة أكثر من اللازم، إننا تعلمنا هنا أن كل جندي وضابط في حالة استعداد لا تخلو أبدًا من توقع دائم لأي محاولة من العدو أليس ذلك هو الشيء الطبيعي؟
كررت السؤال على مدى 6 أشهر وكانت إجابة القيادات الخاصة التي أكدها لي قائد كتيبتي الهمام المقدم عصام حافظ حلمي بأن المخابرات المصرية قد اكتشفت خطة صهيونية لجعل منطقة الدفرسوار مستهدفة بشكل استراتيجي، لأن تلك الخطة معدة للتنفيذ حال عبور الجيش الصهيوني للضفة الغربية للقناة، على مستوى المواجهة وتقدم على أساس فتح ثغرة في الدفرسوار يعبر منها الجيش الصهيوني إلى الداخل، ثم ينطلق سريعًا وراء مؤخرة الجيش المصري في اتجاه الجنوب حتى السويس، ويتم فتح الثغرة بضرب مكثف يشغل الموقع المصري بالرد عليه، بينما تتسلل قواته في الخفاء عبر الأحراش والظلام، وكان ردي وهل ذلك ممكن، ونحن الآن مهما كانت كثافة الضرب الصهيوني لا نغفل ثانية عن مراقبة المياه لمواجهة أي احتمال لعبورهم، وكان رده "هذا صحيح" ولكنه يتم بأعلى كفاءة الآن بفضل تلك التعليمات المتكررة التي دفعت القيادة إليها معلومات المخابرات المصرية.
أثناء خدمتي العسكرية كان موقعي في لسان منطقة الدفرسوار كقناص وكان خلف اللسان أحراش وهذا يعتبر في مدخل البحيرات المرة، خلف الأحراش وبداخلها مدفعية مضادة للدبابات وتمركزات خصيصًا لمواجهة أي عبور ودبابات برمائية صهيونية، والأغرب من ذلك هذه المدفعية تحركت إلى مكان غير معلوم أثناء العبور، وأيضًا تم تفريغ مواقع الدفرسوار من القوات المصرية التي كانت مرابضة، واستبدلت بقوات رمزية من إحدى الدول العربية، وأصبح الموقع جاهزًا لعبور القوات الصهيونية من الثغرة بدون مقاومة أو مواجهة.