رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فى شهر المرأة.. النضال مستمر

رغم مضى ١١٥ عامًا على بداية انطلاق مسيرة المرأة فى العالم من أجل الحصول على حقوق متساوية مع الرجل والقضاء على التمييز بينه وبينها، فإنه يتضح لنا من ملاحظة ومتابعة أوضاع وقضايا المرأة فى مصر والعالم هذا العام أنه من الضرورى مواصلة مسيرة النضال والاستمرار فيها حتى تتحق المساواة التامة، وحتى تتحسن أحوال المرأة فى كل أنحاء العالم.

وكانت مسيرة النضال قد بدأت فى العالم بمظاهرات عاملات النسيج بمدينة نيويورك فى ٨ مارس ١٩٠٨، لتحسين أحوال العمل السيئة والحصول على حق التصويت فى الانتخابات، وفى مصر بدأت مسيرة النضال من أجل الحقوق فى يوم ١٦ مارس ١٩١٩ بمشاركة النساء الرجال فى مظاهرات الشوارع بمدينة القاهرة أثناء ثورة ١٩١٩ للمطالبة بتحرير الوطن واستقلاله من قوات الاحتلال البريطانى، وبنظرة سريعة سنجد أنه مع الاحتفال باليوم العالمى للمرأة فى ٨ مارس وفى ١٦ مارس مع الاحتفال بيوم المرأة المصرية أننا لا نزال فى حاجة إلى مواصلة النضال من أجل الحصول على المساواة مع الرجل.

ولو عدنا بذاكرتنا قليلًا سنجد أن بداية النضال قد بدأت فى ٨ مارس عام ١٩٠٨ فى أمريكا، حيث اندلعت المظاهرات فى شوارع مدينة نيويورك، التى شاركت ١٥٠٠ عاملة فى مصانع النسيج للمطالبة بتحسين أحوالهن السيئة فى العمل، وحق التصويت فى الانتخابات ثم انتقلت ثورة النساء على أوضاعهن المعيشية السيئة إلى أوروبا، حيث طالبت كلارا زنكن المناضلة الألمانية فى مؤتمر المرأة بكوبنهاجن فى ١٩٠٩، الذى شاركت فيه ١٧ دولة بأن يكون يوم ٨ مارس يومًا عالميًا للمرأة.

وبناء على هذا الاقتراح تقرر أن يكون الاحتفال بالمرأة عالميًا فى ١٩١٠، وفى ١٩٠٩قرر الحزب الاشتراكى الأمريكى أن يكون يوم ٨ مارس هو اليوم الوطنى للمرأة فى أمريكا، وفى ١٩١١ انضم بعض الدول الأوروبية فى الاحتفال، وهى النمسا وألمانيا وسويسرا والدنمارك، وبدأت دائرة الاحتفال تتسع، وفى ١٦ مارس عام ١٩١٩ كان لمصر دور رائد فى المنطقة، حيث قادت المناضلة هدى شعراوى مسيرة نضال المرأة المصرية من أجل تحرير الوطن فشاركت لأول مرة فى مظاهرات ثورة ١٩١٩ جنبًا إلى جنب مع الرجل للمطالبة بالاستقلال التام وتحرير الوطن من الاحتلال البريطانى، وذلك بقيادة هدى شعراوى رائدة تحرير المرأة المصرية وسقط فى ذلك اليوم التاريخى ٤ شهيدات مصريات برصاص الاحتلال الإنجليزى، وسطرن بدمائهن أروع قصص البطولة والفداء للوطن، ثم على أثر ذلك بدأت هدى شعراوى تقود ملحمة نضال سباقه فى المنطقة العربية، وذلك من أجل حقوق المرأة المصرية وتحريرها من أسر التخلف والجهل والقهر، الذى كانت تعانيه وطالبت بتعليمها ورفع سن الزواج إلى ١٦ عامًا، ووضع أول قانون للأحوال الشخصية فى مصر فى ١٩٢٠، كما أسست الاتحاد النسائى المصرى ١٩٢٣ وتولت رئاسته، وفى ١٩٧٥ أعلنت منظمة الأمم المتحدة عن أن يوم ٨ مارس هو اليوم العالمى للمرأة، الذى تختار له كل عام شعارًا جديدًا للفت الأنظار إلى قضاياها ومشاكلها الأساسية استهدافًا لإيجاد حلول لها فى مختلف البلدان، وأيضًا احتفالًا بأدوارها المتعددة.

وفى تقديرى أنه رغم الإنجازات الكثيرة التى تحققت على مدار العقود الـ٥ الماضية، إلا أن الأمر يتطلب إنجاز المزيد من النضال فى جميع أنحاء العالم؛ لكى نضمن المساواة التامة وتحسين الأحوال، وأن تكون النوايا الحسنة مصحوبة بنتائج ملموسة، وأن تحصل المرأة على تكافؤ الفرص بموجب القانون، ولا يستطيع كل من المرأة والاقتصاد العالمى الانتظار أكثر من ذلك للوصول إلى المساواة بين الجنسين، وكشف التقرير الجديد للبنك الدولى الذى صدر مؤخرًا، منذ بضعة أيام، عن أن الوتيرة العالمية للإصلاحات الرامية إلى المساواة فى معاملة المرأة بموجب القانون قد تراجعت إلى أدنى مستوى لها منذ ٢٠ عامًا، وهو الأمر الذى يشكل عقبة محتملة أمام النمو الاقتصادى فى وقت حرج للاقتصاد العلمى، وكشف التقرير عن أن النساء لا يتمتعن فى المتوسط سوى بنسبة ٧٧ فى المائة من الحقوق القانونية التى يتمتع بها الرجال، أى أنه وفقًا للوتيرة الحالية، فإن المرأة ستتقاعد فى العديد من البلدان قبل أن تتمكن من اكتساب نفس الحقوق التى يحصل عليها الرجال.

ويأتى الاحتفال بهذا اليوم، هذا العام، أيضًا، لكسر التحيز ولتشجيع الفتيات والسيدات اللاتى يقدن مهمة التكيف مع التغير المناخى والتخفيف من حدته، والاستجابة له من أجل بناء مستقبل أكثر استدامة وللاعتراف بتأثر المرأة أكثر من الرجل بالتغيرات المناخية، فهن يشكلن الغالبية العظمى من فقراء العالم واللاتى يعتمدن على الطبيعة بشكل كبير، لهذا فإن «كسر التحيز» هو مطلب أساسى هذا العام من النساء العاملات وغير العاملات حتى يصبح الوضع بين الرجال والنساء عادلًا، ورغم مضى عقود من كفاح النساء لحقوقهن، إلا أنهن، حتى الآن، يشكلن العدد الأقل فى مراكز صنع القرار وهن الأغلبية العظمى من الفقراء وهن أقل دخلًا من الرجال، مما يعنى أن المساواة لم تتحقق بعد.

أما القفزة النوعية التى حدثت منذ بضعة أيام فإنها انطلقت من ألمانيا وستنجم عنها فى تقديرى تغييرات فى قضية الأمان والسلم فى العالم، فمنذ بضعة أيام ظهرت مناضلة جديدة لحقوق المرأة فى ألمانيا مطالبة بالمساواة بالرجال وكسر هيئة السلطة الذكورية فى السياسة الخارجية، ووضعت خطة محددة وفى تقديرى أرى أنه لا بد، وأنه سينتقل تأثيرها إلى خارج ألمانيا، وهى أنالينا بيربوك، وزيرة الخارجية الألمانية، إذ إنها منذ بضعة أيام فى مؤتمر للأمن فى ألمانيًا قد عقدت على هامش المؤتمر مؤتمرًا نسائيًا من ١٠٠شخصية من الشخصيات المرموقة من الحائزات على جوائز نوبل وجوائز محلية ودولية وشخصيات مرموقة من النساء فى مختلف المجالات.

ودار الحديث حول الخطاب النسوى والمساواة بين الجنسين، حيث دعت إلى كسر الحواجز أمام المرأة لتقف على قدم المساواة فى مجالات السياسة الخارجية، حيث أكدت أن هناك ٢٧٪ فى المناصب الإدارية فى السياسة الخارجية من النساء فى ألمانيا، ووضعت سياسة توجيهية من ٨٠ صفحة تحت عنوان «حقوق المرأة هى مؤشر لمجتمعنا، حيث تقوم السياسة الخارجية النسوية على الاقتناع بأن المساواة بين الجنسين والمشاركة المتساوية هى شروط مسبقة للسلام والأمن على المدى الطويل فى العالم، وفى هذا السياق يتمثل الهدف فى تعزيز حقوق وتمثيل موارد النساء والفئات المهمشة، فضلًا عن تعزيز التنوع، وتنص المبادئ التوجيهية على أن الخطة ليست من أجل سياسة خارجية للمرأة، وإنما لجميع أفراد المجتمع، ومع ذلك يجب تفكيك هياكل السلطة الذكورية التى نمت تدريجيًا، وقالت: «سنعمل بجد لإعطاء خدمتنا الخارجية وجهًا أكثر أنوثة وزيادة نسبة النساء فى المناصب القيادية»، وتخطط لاستحداث منصب سفيرة وزارة الخارجية للسياسة الخارجية النسوية، وتؤكد أنها ستقدم مفهوم المبادئ التوجيهية الجديدة بعد اجتماع مجلس الوزراء الألمانى المقبل وستقدمه بجانبها وزيرة التنمية سيفينا شولتسه، وتؤكد قائلة: «نحن نتبع سياسة خارجية نسوية، لأنها ضرورية للغاية، ولأن الرجال والنساء لا يزالون لا يعاملون على قدم المساواة فى جميع أنحاء العالم.

وهذه الجملة تحديدًا، فى تقديرى، تعبر عن حالة النساء فى جميع أنحاء العالم، وأتمنى أن يأتى يوم قريب نشهد فيه نهاية لقضية التمييز العنصرى بين الرجال والنساء فى العالم، ونرى المرأة تحصل على حقها الطبيعى فى المجتمع، وأتمنى أيضًا أن تتحقق المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة، بحيث تصبح الحياة والعمل مشاركة متساوية بين الجنسين، وحتى يمكن للتنمية الاقتصادية أن تنجح وتتحقق إذا ما حصل نصف سكان العالم، وهن النساء، على حقوق متساوية فى العمل وفى الحياة، ومن خلال قوانين تحقق العدالة والإصلاحات اللازمة وتطبيقها دون وتيرة متباطئة أو عنصرية، وأتمنى أن نشهد قريبًا يومًا تنتهى فيه مشكلة التحيز والتمييز فلحظتها فقط سيصبح العالم أفضل وأكثر أمانا واستقرارًا وسلامًا للجميع، رجالًا ونساءً.

وبنظرة سريعة على أوضاع النساء فى بلدنا سنجد أن لدينا قيادة سياسية لديها شجاعة واستنارة فيما يتعلق بمكانة وتمكين المرأة، فالرئيس عبدالفتاح السيسى قد قدم لها دعمًا كبيرًا منذ أن تولى مسئولية رئاسة مصر، فهو الداعم الأول لها ويوجه إلى احترام وتقدير مكانتها فى كل المناسبات القومية، كما وجه بتشديد العقوبات على العنف ضد المرأة، كما حدث بتشديد العقوبات القانونية فى الختان والتحرش، وقام بزيادة عدد النساء فى مناصب عليا، حيث قام بتعيين ٨ وزيرات وزاد عدد عضوات البرلمان ومجلس الشورى، كما وجه بإصدار قانون جديد للأحوال الشخصية يكون منصفًا لها والأسرة المصرية.

إلا أنه لدينا تناقض واضح فى مصر يتمثل فى وجود ثقافة مجتمعية فى حاجة إلى تغيير من الجذور، كما أن لدينا تيارات متطرفة وسلفية تعمل من وراء الستار لإرجاع المرأة إلى عصور الرجعية والعبودية وتقاوم التقدم والتحديث وتبث أفكارًا متطرفة ضد المرأة من خلال الدعاة المتشددين الذين يبثون التشدد والتخلف والعنف ضد المرأة فى العديد من المجالات، خاصة فى المدارس والمساجد، لذا فإننى أتمنى وأطالب بتدخل الدولة هذا العام استهدافًا لما نأمله من حماية المرأة فى الشارع وفى كل المواقع، وذلك بتغليظ القوانين الخاصة بالعنف ضد المرأة وتصحيح دور الإعلام؛ ليقوم ببث الوعى بضرورة تحقيق المساواة للمرأة والقضاء على التمييز بينها وبين الرجل، وإعلاء شأنها وتمكينها فى كل المجالات وتحقيق تكافؤ الفرص والتصدى لكل صور القهر والتمييز والظلم الذى تتعرض له فى المدارس؛ بإجبار البنات على ارتداء الحجاب منذ سن صغيرة والتنمر عليهن فى الجامعات، وحتى لا يتكرر ما حدث من تنمر من المشرفين على الطالبة «حبيبة طارق» بمدينة طنطا فى يوليو ٢٠٢١.

وحتى لا يتكرر ما حدث من جريمة قتل مروعة عن عمد للطالبة «نيرة أشرف» أمام أسوار جامعة المنصورة فى يوليو ٢٠٢٢، وحتى تجد المرأة والبنت فى بلدنا الحماية والأمان فى الشارع والمساواة التامة فى كل مجالات العمل، وحتى يصبح التمكين وضعًا مستقرًا لتحقيق التنمية المستدامة التى لن تتحقق بشكل صحيح إلا من خلال مشاركة فعالة لنصف المجتمع أى المرأة فى الإنتاج وفى مواقع صنع القرار وفى المناصب العليا فى مختلف المجالات، ولا بد أن يتم نشر الفكر المستنير واحترام مكانة المرأة والبنت من خلال خطب الدعاة فى المساجد ومن خلال اختيار دعاة مستنيرين تشرف عليهم وزارة الأوقاف وتراقب خطب الجمعة فى المساجد وضرورة أن تتصدى الدولة بأجهزتها المعنية لكل صور التمييز والعنف والممارسات الضارة والمجحفة بالمرأة والبنت المصرية، ونشر ثقافة التنوير لاقتلاع فكر الظلام والتطرف والرجعية من جذوره من مجتمعنا.