رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عن غياب القيم الأخلاقية وأصول المهنية

نحن نشاهد حاليًا فوضى عارمة لم نرَ مثيلًا لها من قبل فى تقديم البرامج على الشاشات التليفزيونية والفضائيات.. وتسيبًا واضحًا فى الوجوه التى تظهر على القنوات.. وتدهورًا فى المحتوى البرامجى.. وتراجعًا عن كل تقدم تحقق.. وتجاهلًا للقيم.. وجهلًا بأبسط قواعد المهنية.. وأنا لست ضد حرية التعبير والإبداع، لكننى أتحدث حول فوضى البرامج التى تبث فى مصر أو الموجهة للمصريين، أو التى يقدمها مصريون أو مصريات، وأثارت استياءً عامًا وغضبًا شديدًا على مواقع التواصل الاجتماعى.

لذا، أطالب المسئولين بوقف «برنامجين ومقدمتين بعيدتين عن المهنية»، وتسيئان للمرأة المصرية بشكل خاص، وإلى الإعلام المصرى بشكل عام، فلا بد أن تدرك أى مقدمة برامج أنها واجهة للإعلام المصرى أينما كانت فى مصر.. فى قناة فضائية مصرية، أو خارج مصر فى قناة فضائية عربية أو أجنبية، فالكلمة فى الإعلام مسئولية وتقديم البرنامج مسئولية، والظهور على الشاشة من خلال تقديم برنامج له قواعد وأصول ومظهر لائق وأسلوب، وإعداد البرامج وإخراجها له قواعد وأصول وتدريب مطلوب.

لم يكن من قبل مسموحًا أن تظهر مذيعة أو مقدمة برنامج دون اختبار وتدريب كافٍ يؤهلها لأداء مهمتها كمذيعة، ولقد استطاع التليفزيون المصرى منذ ظهوره أن يقدم لنا مذيعات على درجة عالية من المهنية وبرامج تتضمن إعدادًا جيدًا حتى تكون واجهة للإعلام المصرى فى مختلف نوعيات البرامج التليفزيونية، فمن منا لا يعرف مذيعات قديرات وناجحات نعتز بهن كمصريات وما زلنا نشاهد برامجهن بكثير من التقدير والاستمتاع حينما تبث على قناة ماسبيرو زمان؟

بل إن مذيعات ماسبيرو استعانت بهن الفضائيات الجديدة ليقدمن البرامج فيها لدى ظهورها، فلقد كان لدينا مذيعات مرموقات وأنيقات وناجحات، ومنهن مع افتتاح التليفزيون المصرى، على سبيل المثال: سلوى حجازى وأمانى ناشد وليلى رستم ثم سهير شلبى ونجوى إبراهيم وسناء منصور وميرفت سلامة ودرية شرف الدين وحمدية حمدى وسلمى الشماع، ثم سوزان حسن وفاطمة مختار ومنيرة كفافى وصفاء قطب وعزة مصطفى ومهرة راشد ومها عثمان وأميرة عبدالعظيم وعزة مصطفى ونهال كمال، ثم جاسمين طه زكى وريهام سهيلى وحياة عبدون وغادة شريف وداليا ناصر وسارة نجيب وشيرين شايب وأمنية مكرم ودينا أبوالفتوح وأميمة تمام ودينا رامز، وبعضهن انتقلن إلى القنوات الخاصة.

وفى القنوات الخاصة، تطل علينا مقدمات برامج ناجحة، منهن سهير جودة ومفيدة شيحة وسحر عبدالرحمن، وغيرهن أسماء كثيرة، كما تولت رئاسة التليفزيون المصرى سيدات استطعن أن يحققن نجاحًا كبيرًا وأضفن له الكثير، ومنهن سامية صادق وزينب سويدان وسهير الإتربى وصفاء حجازى، وما زال التليفزيون المصرى يقدم برامج بها مذيعات متميزات وأنيقات تم تدريبهن جيدًا قبل الظهور على الشاشة.

ومن هنا فإننى أتوقف بشكل خاص حول برنامجين يحتويان على ممارسات فجة ومرفوضة تقدمهما مقدمتان مصريتان لا علاقة لهما بالمهنية أو بالإعلام، وكلاهما مرفوض من المشاهدات المصريات بشكل واضح على مواقع التواصل الاجتماعى، باعتبارهما واجهة سيئة للمذيعات فى مصر، ويسيئان للمرأة المصرية شكلًا ومضمونًا، مما يتوجب معه إيقاف البرنامجين، وتظهر إحداهما فى قناة مصرية هى قناة النهار ببرنامج اسمه «الجمهورية الجديدة»، أما الثانية فإنها تظهر فى قناة عربية ببرنامج اسمه «كلام الناس».. والاثنتان أثارتا استياءً عامًا بين المشاهدين فى مصر وتيار غضب شديدًا على مواقع التواصل الاجتماعى.

كانت فوضى الإعلام قد بدأت تظهر بشكل واضح وإطلاق لقب إعلامية وإعلامى عشوائيًا بعد أحداث يناير ٢٠١١، ولكننى أتوقف هنا عند هاتين المقدمتين لأنهما لا يصح أن تظهرا على الشاشة، وقد تم بالفعل وقف الأولى التى تقدم برنامج «الجمهورية الجديدة» من المسئولين فى قناة «النهار»، مع كلمة مرفقة مع خبر وقفها، حيث ذكرت القناة احتمال عودتها مرة أخرى، وهنا أناشد المسئولين بالقناة اختيار مذيعة تليق بتقديم برنامج بعنوان «الجمهورية الجديدة» تكون رزينة ووقورة وأنيقة، بلا فجاجة أو خروج عن المناسب من الأزياء.

أما المقدمة الأخرى التى تقدم برنامج «كلام الناس» فهى كارثة كبيرة تنشر التخلف والتراجع وتعيد المرأة إلى زمن العبودية والإذلال والمهانة والتمييز ضد المرأة وتحقير شأنها، وإعلاء شأن الرجل بحيث يتحول هو إلى السيد وهى العبدة الذليلة، وأنا لا أريد أن أذكر اسمها لأنها لا تستحق ذلك، ولا تعرف شيئًا عن ملايين السيدات المصريات اللاتى تكافحن فى الحياة وفى العمل لتربية الأبناء ومساعدة أسرهن فى المعيشة اليومية.

ويبدو أنها لا تعرف أن فى مصر سيدات شعبيات عاملات وشريفات وسيدات فى مناصب عليا ناجحات ومرموقات، وأن لدينا فتيات وشابات يحصلن على أعلى الدرجات فى المدارس والجامعات ويتفوقن على الشباب ويحصلن على المراكز الأولى فى الثانوية العامة، وأن مصر سباقة فى مجال مشاركة الرجل فى الوطنية منذ ثورة ١٩١٩، ثم فى السنوات الأخيرة تقدمت الصفوف للثورة على الظلاميين وتيار الرجعية.

لدينا فى مصر ٨ وزيرات ولدينا نحو ربع البرلمان المصرى ومجلس الشورى من السيدات ولدينا شابات مصريات قد حصدن المراكز الأولى فى مختلف الألعاب الرياضية على مستوى العالم وعلى المستوى العربى، وكل هؤلاء المصريات تستحق كل واحدة منهن كل الاحترام والتقدير من المجتمع ومن الرجال، فما زلنا حاليًا نكافح للقضاء على العنف ضد المرأة والفتاة وكل الممارسات السيئة ضدهن، بينما نجد هذه المذيعة تنشر التخلف تظهر على الشاشة لتقدم مواعظ للشابات والسيدات فى كيفية إذلال أنفسهن أمام الرجل، وهى تتملق وتغازل الرجال بشكل فج ومستفز، وهى أبعد ما تكون عن المهنية أو احترام الذات أو احترام المرأة كإنسان له حقوق وواجبات، وهى فاقدة احترام المشاهدين بحيث ظهرت موجات غضب متتالية ورفض لما تقدمه، ومطالبات متتالية من النساء فى مصر للمسئولين عن القناة بوقف هذه المهزلة التى تسىء إلى المذيعات وإلى النساء المصريات، وإننى هنا أتساءل: لماذا تم اختيار وجه مصرى غير لائق لتقديم هذه المهزلة؟ ولماذا لم يتم اختيار مقدمة من بلد عربى آخر لتقديم ونشر مثل هذا التراجع والتخلف؟ 

أعتقد أننا فى حاجة إلى أن يعلو صوتنا أكثر ضدها ليتم وقف هذا البرنامج تمامًا أو أن يمتنع الجميع عن مشاهدته، فلقد بدأ الأمر أولًا بأن كانت السيدات فى مصر يضحكن على كلام المذيعة وإطلاق النكات عليها، وكتبت أنا حينذاك على صفحتى بـ«فيسبوك» معبرة عن استيائى الشديد قائلة: أطالب بوقف مقدمة البرنامج لأنها دعوة للتخلف والتراجع وهرتلة فجة لا يصح أن تظهر على شاشة قناة «إم بى سى»، ثم تعالت أصوات النساء والشابات من مختلف المجالات على مواقع التواصل الاجتماعى برفض هذا الأسلوب فى استعباد المرأة المصرية، وأنه لا يصح أن تتحدث هكذا عن علاقة المرأة والرجل فى مصر.

ثم أمام الرفض الجماهيرى المتصاعد قام المجلس القومى للمرأة برئاسة القديرة د. مايا مرسى بخطوة إيجابية بإصدار بيان يؤكد فيه أن المجلس القومى للمرأة بجميع لجانه وعضواته يعلن عن رفضه واستيائه من المحتوى المسىء الذى يقدم من خلال برنامج (كلام الناس) المذاع على قناة إم بى سى، الذى يمثل إهانة وتحقيرًا وتقليلًا من شأن المرأة المصرية.

وأعلن المجلس عن أنه تقدم بشكوى رسمية إلى المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام ضد البرنامج بعد تلقى العديد من الشكاوى من نساء مصر عبر منصات التواصل الاجتماعى يعبرن عن رفضهن هذا المحتوى المسىء ويطالبن بوقفه، ويؤكد المجلس رفضه القاطع أى محتوى من شأنه تحقير وإهانة المرأة المصرية، حيث إن المحتوى الذى يقدمه البرنامج مهين ورجعى ويتضمن خطابًا تحريضيًا لممارسة العنف ضد المرأة المصرية، وإهانة وضرب الأزواج للزوجات وأنه على النساء تقبل العنف والإهانة، كما يتضمن محتوى البرنامج أيضًا السخرية والتنمر على حال الأسرة المصرية ما يؤدى إلى تدمير البنية الاجتماعية، وخلق نزاعات داخل الأسرة المصرية، دون اعتبار لأحكام الدستور المصرى الذى تضمن أكثر من ٢٠ مادة تنظم موضوعات المواطنة والمساواة، وتجريم العنف والتمييز واحترام المرأه وصون كرامتها.

وفى تقديرى أن موجة استياء ورفض وغضب نساء وبنات مصر من هذا البرنامج الأخير تحديدًا «كلام الناس» الذى يبث على قناة «إم بى سى» لن تهدأ أو تخفت إلا إذا تم وقف البرنامج والمذيعة، تمامًا، وإننى الآن أطالب نقابة الإعلاميين باتخاذ موقف واضح ومخاطبة القناة برفض السيدات المصريات مثل هذا المحتوى المتدنى والمسىء الذى يعد دعوة سافرة لنشر الفكر المتخلف والمذل والمهين، والمناقض لاحترام وتقدير المرأة وإعلاء شأنها، وإعلان رفض النقابة هذا البرنامج ومحتواه واتخاذ إجراءات كفيلة بوقف هذه المذيعة، واتخاذ إجراءات رادعة ضدها لأنها تتعمد الإساءة لنساء مصر وتشويه العلاقات الأسرية والتحقير من المرأة الأم والزوجة والابنة والأخت، وأن تتولى الهيئة العليا للإعلام التوجيه باتباع المعايير الضرورية المطلوب توافرها لظهور المذيعات المصريات فى القنوات المصرية أو غير المصرية، والمطالبة بعدم ظهورها أو ظهور أى مذيعة قد تسىء لمصر وحضارة مصر ومجتمع مصر ونساء مصر.

وأدعو أيضًا كل امرأة وفتاة مصرية تحترم ذاتها أن تقاطع هذا البرنامج المسىء للمصريات وأى برنامج آخر مشابه قد يبث بعد ذلك، وإعلان رفضهن أى برنامج أو مقدمة أو مذيعة تسىء للمرأة المصرية أو الفتاة المصرية بأى شكل من الأشكال، فلقد كانت المرأة المصرية دائمًا سباقة فى الحضارة المصرية القديمة وكانت سباقة فى العصر الحديث، وستظل دائمًا شريكة للرجل فى الوطنية، ولن تتخلى عن حقوقها التى اكتسبتها بمسيرة نضال طويلة وستتقدم إلى الأمام وإلى مستقبل أكثر إشراقًا ونجاحًا وتنويرًا لها ولوطنها.