رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إسماعيل رسلان بطل مصرى يؤكد أن أخلاق المصريين لا تزال بخير

من الضرورى أن نعترف بأنه قد حدث تغير كبير فى أخلاق كثير من المصريين حتى إننا أصبحنا فى أحاديثنا اليومية كثيرًا ما نقول إن أخلاق الناس قد تغيرت، ونستطيع أن نذكر عشرات الأمثلة والحكايات كل يوم على تغير الأخلاق وانتشار نماذج من العنف والعنف المفرط والبلطجة، ورأينا وشهدنا ممارسات وسلوكيات دخيلة على مجتمعنا وغريبة على طبيعة المصريين فى السنوات الأخيرة.
ورأينا أنها قد أصبحت موجودة وظاهرة فى التعاملات اليومية فى المجتمع فى مختلف الفئات، ولم يعد الشخص يُقيم بأخلاقه الحسنة أو بذوقه فى تعاملاته اليومية، ولم تعد الصداقات تقوم على اختيار الصديق بأخلاقه الحسنة، ولم تعد الأخلاق الحميدة توضع كأولوية فى تقييم الشخص، إنما أصبحت المصلحة تأتى فى الدرجة الأولى كهدف فى العلاقات بين الناس، وتكاد الأخلاق تغيب بشكل عام فى السلوكيات اليومية للمصريين.
فقد كان أهل مصر عادة ما يتحدثون بكلمات وعبارات فيها خفة دم وطيبة ولباقة وذوقيات وتفاؤل وأمل مثل صباح الخير، ومن فضلك، ولو سمحت، وصباح الفل، ومساء الفل، وألف شكر، وكلك ذوق، وتسلم إيديك، وغيرها من الكلمات اليومية التى يستخدمها المصريون فى التعاملات اليومية بشكل عادى، إلا أن بعض هذه الكلمات لم يعد موجودًا أو كاد يختفى، وكان الرجل يترك مكانه فى الأتوبيس لتجلس فيه السيدة، وكان يجعل السيدة تسبقه لدى دخول المصعد من باب الذوق والأخلاق التى كانت سائدة من قبل، ومثل هذا السلوك الكثير والكثير.
ولا بد أن ندرك أن هناك عدة أسباب لهذا التغير فى أخلاق المصريين وفى تغير أساليب تعاملات المصريين، ومنها على سبيل المثال الزحام الشديد فى كل مكان والإعلام والدراما والأفلام المليئة بالعنف والبلطجة، ومنها أيضًا مواقع التواصل الاجتماعى وانتشار استخدامها فى كل الأعمار، وهناك قبل هذا تقصير الأسرة فى بث الأخلاق والقيم لدى تربية الأبناء منذ الصغر، وأيضًا دور المدرسة فى توجيه الصغار نحو فضيلة التحلى بالأخلاق والقيم فى السلوكيات اليومية، وأضيف إلى هذا أيضًا خططًا ممنهجة من جانب تيار ظلامى يحاول نشر العنف والكراهية والصراع والتكفير وبث مفاهيم رجعية وأفكار متخلفة؛ بهدف إضعاف المجتمع المصرى وخلخلة استقراره ونشر الفتن والقلاقل بين أبناء الشعب العريق الذى كانت له سمات واضحة ومميزة وهوية عريقة تميزه عن غيره من المجتمعات الأخرى.
وفى تقديرى أن هناك فترة فارقة فى تاريخ مصر الحديث حدثت فيها تغيرات متتالية، وذلك منذ ٢٥ يناير ٢٠١١، حيث تم نشر الفوضى والعنف وتحقير النساء والبنات وانتشار الفتاوى الدينية التى تبث الكراهية والتطرف والتشدد المقيت بين أفراد المجتمع.
إلا أنه مع عودة استقرار المجتمع وتصحيح الأوضاع المغلوطة وانتهاء الفوضى التى كانت سائدة بخطط ممنهجة، ومع انتخاب قيادة سياسية وطنية ورئيس يحرص على الاستقرار والأمان والتقدم وحماية أبناء الوطن من أعداء الخارج والداخل، وإن كنا لا نزال فى حاجة إلى تغليظ العقوبات فى مواجهة ممارسات العنف بكل أشكاله، إلا أن لدينا أيضًا فى مواجهة هذا قصص بطولات من رجال الجيش والشرطة يستشهدون كل يوم من أجل حماية الوطن والشعب المصرى بكل أطيافه، ولدينا نماذج مضيئة من زوجات وأمهات الشهداء اللاتى يؤكدن أن معدن الشعب المصرى الأصيل ما زال موجودًا، ولدينا أيضًا نماذج نجاح وتميز فى كل أرجاء الوطن من رجال ونساء تستحق أن تروى.
وأتوقف اليوم أمام نموذج مضىء سطر قصة بطولة تؤكد لنا أن أخلاق المصريين ما زالت بخير وأنه قدوة نبحث عنها ويجب أن يسلط الضوء عليه من الإعلام وأن يتم تكريمه من أحد المسئولين فى الدولة، حتى يكون نموذجًا يحتذى به، إنه ببساطة شاب مصرى عادى اسمه إسماعيل رسلان لكنه تحول إلى بطل فى لحظة واحدة، حيث أنقذ ١٤ طفلًا وطفلة من الغرق.
تبدأ هذه القصة المدهشة منذ بضعة أيام حينما كان إسماعيل راكبًا ميكروباص ليعود إلى بيته فوجد تجمعًا كبيرًا من الأهالى فطلب من السائق أن يتوقف ليعرف سبب هذا التجمع.. وحينما ترك الميكروباص وجد «ميكروباص» واقعًا فى الترعة وفيه ١٥ طفلًا وطفلة كانوا ذاهبين إلى الحضانة بينما وجد الأهالى يتفرجون دون أن يفعلوا شيئًا، ورأى حالة غريبة من اللا مبالاة من الأهالى حينما كان الميكروباص على وشك أن يغرق فى المياه بينما الأطفال يصرخون هلعًا ورعبًا، وبدون أى تفكير قفز إسماعيل فى المياه بملابسه والموبايل ونقوده فى جيبه، مركزًا كل تفكيره على إنقاذ الأطفال.
وبالفعل استطاع أن يفتح الباب وبدأ فى إنقاذ الأطفال وسط تشجيع الأهالى الذين يأخذون منه كل طفل استطاع إنقاذه، حتى أنقذ ١٤ طفلًا وطفلة حتى أصبح الميكروباص خاليًا، ثم صرخت طفلة صغيرة قائلة له إن صديقتها لم تخرج من الميكروباص، فنزل إلى الميكروباص الذى كان فى المياه باحثًا عن الطفلة وطلب أن يساعده واحد من الأهالى فى البحث عن الطفلة المفقودة، فتطوع شخصان ونزلا معه وقاموا معًا بتحريك الميكروباص فوجدوا الطفلة قد فارقت الحياة تحت الميكروباص، فحملها إسماعيل، مرددًا «يا ريتنى قدرت أنقذها».
ثم بعد هذا حرص على حضور عزائها، وعرض عليه البعض من الأهالى موبايل بدلًا من التالف بسبب الماء لكنه رفض، ولما شكره الأهالى لإنقاذ أطفالهم قال لهم: «ربنا جعلنى سبب مش أكتر».
«إن بطولة إسماعيل رسلان هى قصة تستحق أن تُروى وأن تسلط عليها أضواء الإعلام المصرى، لأنها تبرهن لنا على أن معدن أخلاق كثير من المصريين ما زال أصيلًا ومضيئًا وأن السمات التى كانت تميزهم وكنا نعتز بها لا تزال موجودة وهى تظهر وقت الشدائد، مثل الشهامة والجدعنة والكرم والطيبة والأمانة، وأن كل الأسباب التى أدت إلى تغييرها هى أسباب يمكن أن تكون وقتية، وإنى هنا أدعو إلى ضرورة استعادة أخلاق المصريين الأصيلة والعريقة، لأنها من سمات الهوية المصرية العريقة التى نريد الحفاظ عليها.
ودعونا نتذكر اسم إسماعيل رسلان، ذلك الشاب المصرى البطل الذى أنقذ ١٥ طفلًا وطفلة وأعادهم سالمين لأهلهم، إنه الدليل الذى يؤكد لنا أن مصر لا تزال بخير ما دام فيها هذا الشاب الشهم النبيل، ولا شك أن هناك آلافًا غيره من أهل الشهامة والخير والجدعنة فى كل أرجاء بلدنا لكنهم يظهرون فى وقت الشدة فقط، ولا شك أن إسماعيل قد تحول إلى قدوة ونتمنى أن يحتذى به الآلاف من الشباب الآخرين، إنه أيقونة مصرية نأمل أن تسلط عليها أضواء الإعلام والبرامج التليفزيونية.