عن أثرهما فى الغناء.. ماذا قال عبد الوهاب عن الحامولى ومحمد عثمان؟
في عددها الصادر بتاريخ 30 سبتمبر 1952، نشرت مجلة الكواكب، مقالا نقديا بقلم موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب، وفيه يشيد بدور كل من المطربين عبده الحامولي ومحمد عثمان وأثرهما في الموسيقى العربية.
يستهل “عبد الوهاب” مقاله بالتساؤل، حول من هم الأشخاص الأكثر تأثيرا في الموسيقى والغناء العربي، وهو من أساليب شد انتباه القارئ ويجذبه للقراءة حتى نهاية السطور.
ويوضح “عبد الوهاب”: في اعتقادي أن أكثر الأشخاص أثرا في الغناء والموسيقى هما عبده الحامولي ومحمد عثمان بالنسبة للتخت، والشيخ سلامة حجازي وسيد درويش بالنسبة للغناء المسرحي.
ويبدأ “عبد الوهاب” حديثه عن “عبده الحامولي”، مشيرا إليذى أنه: "قبل ظهور عبده الحامولي لم تكن هناك موسيقى مصرية جديرة بأن تدخل الصالونات وتصادق الطبقات الراقية والمتوسطة.
وكانت الموسيقى التي تدخل القصور العامرة بالعائلات التركية كلها بدورها من الوارادت التركية كالبشارف والسماعيات وبعض التواشيح. وكانت الطبقة المتوسطة لا تجد لها موسيقى تفهمها وتلائم ذوقها ومزاجها. أما الطبقة الدنيا فكانت الموسيقى بالنسبة إليها تتمثل في طائفة "الصهبجية" التي تغني في المواخير والأفراح، خليطا من التواشيح يلحنها المشايخ، ويقحمون فيها بعض الألفاظ التركية، تزلفا للأسياد الأتراك ...!
وفي وسط هذا كله كانت الموسيقى المصرية الخالصة هي الموسيقى الدينية، التي تتمثل في ترتيل القرآن الكريم، وما ينشد من الأذكار.
ويلفت “عبد الوهاب” إلى أنه: "وجاء عبده الحامولي وقد وهبه الله من المزايا الفنية والخلقية ما جعله أهلا لحمل عبء الرسالة الأولى لنهضة الغناء الحديث. أما مزاياه الخلقية فكان أخصها الكبرياء والاعتزاز بالكرامة إلى أبعد حد. كان المغني محسوبا على الكبراء، فأبى عبده الحامولي إلا أن يكون صديقا لهم. كان المكان الطبيعي للمطرب، وأقصى ما يطمع إليه، أن يكون في حاشية كبير أو عظيم، ولكن عبده الحامولي تمسك بأهداب كبرياء عنيفة، ففرض احترامه على الكبراء وساكني القصور الذين فتحوا له أبوابها كصديق.
ــ اعتزاز عبد الحامولي بنفسه وبفنه
ومما يروي عن اعتزازه بكرامته أنه كان يخرج مع والد الأمير "يوسف كمال" فيصر على أن يدفع هو الحساب. ويرروي أنه كان يغني في حضرة الخديوي إسماعيل في جلسة خاصة، وقام الخديوي لبعض شأنه في وسط الغناء، فأمسك عبده الحامولي بطرف ثوبه وأعاده إليذى مجلسه وهو يقول له: "أقعد أسمع عبد الحامولي". وهكذا فرض الحامولي احترامه واخترام فنه علي الناس جميعا، وهو فضل كبير لا يقل عن فضله في نهضة الفن نفسه، فما هو فضل الحامولي عليذى الغناء ؟ كان الحامولي موهوبا وكان عبقريا جمع هذا الفنان بين الموهبة وبين المقدرة، صوت كامل، جميل يبعث الطرب، وقد أدخل على الموسيقى أنغاما تركية وساهم مع محمد عثمان في إدخال الحوار الغنائي بين المغني والكورس، ومن هذا التطعيم بين الألحان استخرج موسيقي نظيفة تحتفظ بالطابع والروح المصري، موسيقي تعجب الخاصة وتهضمها العامة.
ــ رأي “عبد الوهاب” في محمد عثمان
ويتابع “عبد الوهاب” مقاله عن أكثر الأشخاص أثرا في الغناء والموسيقى: "أما محمد عثمان وإن لم تكن له مواهب عبده الحامولي الصوتية، وكان صوته أقل من صوت صاحبه، إلا أنه عوض ذلك بالمقدرة المكتسبة وبالإقبال على التحصيل والنظام.
وكان أخص ما يمتاز به مقدرته الفائقة علي التلحين، واهتمامه باللحن المرقص، فكان محمد عثمان يغير في الدور الواحد أوزانا كثيرة منها البطيء والسريع، حتي كانت الجماهير تتحرك علي الأوزان كتحرك السامع الآن لأنغام الجاز.
وكان لا يرتجل ألحانه حتى في غناء الموال، وإنما كان يضع له لحنا يحفظه، ويدرب عليه فرقته الموسيقية. وكانت ألحانه مصرية خالصة، ذات طابع شرقي صميم، لا أثر فيها للموسيقي التركية.
ويشدد “عبد الوهاب” على: "ونستطيع أن نقول إن محمد عثمان هو صاحب الفضل الأكبر في إدخال اللحن وعنصر النظام في عالم الغناء. فكان أول من استخدم فرقة للتخت تعمل معه بأجر شهري وتداوم علي إجراء بروفات منظمة. وهكذا كان عمله مكملا لعمل الحامولي، وتعاون الاثنان علي وضع أسس التخت الشرقي الحديث.