أحمد الصادق: آن الأوان لفلترة الأدب وإبراز النوعيات الجديدة (حوار)
يعد الروائي أحمد الصادق واحدا ممن فازوا بجائزة الدولة التشجيعية في فرع أدب الخيال العلمي عن روايته "هيدرا.. أوديسا الفناء والخلود"، والتي صدرت بعد ذلك عن دار العين للنشر والتوزيع.
وفي حوار أجرته "الدستور" معه كشف "الصادق" رؤاه عن أدب الخيال العلمي، وأنه أدب رفيع يناقش رؤى فلسفية أيضًا ولا يكتفي بتقديم متعة مشهدية، وأوضح أنه آن الأوان لإبراز أنواع أخرى من الأدب، كما طالب كتاب الخيال العلمي بالبحث والتريث في تقديم الأفكار حتى لا تؤخذ أي نظرة انطباعية كما حدث في السابق من محدودية الأفكار وعدم تناولها بصورة عميقة.. وإلى نص الحوار:
- لا تكتفي بأحداث وإنما تمرر فلسفة خاصة من خلال أدب الخيال العلمي.. كيف ترى هذا؟
- أدب الخيال العلمي أدب رفيع، لا ينبغي أن ينحصر في دور "البوب آرت" أو الأدب الخفيف الذي يكتفي بتقديم متعة مشهدية وانبهار بالفكرة العلمية، ويتجاهل إبراز فلسفة إنسانية تشير إلى أسئلة تؤرق العالم إلى يومنا هذا، تتمثل في السؤال الوجودي بصفة أساسية، إذ أنه وثيق الصلة بأدب الخيال العلمي؛ فإذا تحدثنا عن روبوتات ذكية سيؤول ذلك إلى إدراك الروبوتات لذواتها ومحاولتها التمرد على الواقع، وخلق سؤالها الوجودي الخاص، من صانعها؟ من خالقها؟ وإذا ناقشنا الكائنات الفضائية سيؤول ذلك إلى أسئلة من قبيل من أين جاءت؟ ما معنى وجودها؟ وكيف سيرى الإنسان العالم بعد أن ظن أنه محوره الوحيد؟
أرى أن الفكرة التي يمكن أن نقدمها في قالب واقعي، لا ينبغي أن نقدمها في قالب من الخيال العلمي، إلا إذا اقتضت ذلك الضرورة، فالخيال العلمي ينبغي له أن يقدم لنا إضافة حقيقية لا يمكن بأي حال أن تقدمها لنا الرواية الواقعية، وبالتالي فرواية عن حرب كونية مثلًا، يريد الفضائيون فيها احتلال الأرض التي يدافع عنها الإنسان، هي رواية بلا قيمة، إذ يمكننا أن نستبدل الطرفين بأطراف واقعية بين بلدين أحدهما معتد والآخر مدافع عن وطنه. إنما يصير لاستخدام نوع الخيال العلمي معنى في حالة واحدة، وهي إضفاء معنى فلسفي عميق يبرز من خلال اختيار النوع، بل والتورط معه.
- الكثير من الروايات التي ناقشت الخلود.. لكنك أبرزت رؤية مفادها أن الأفضل للإنسان ما هو عليه؟
- لأن الرواية أخذت على عاتقها إتمام الفكرة. أغلب الروايات والقصص التي ناقشت الخلود كانت تقتل الفكرة قبل أن تحدث، معللة ذلك بأن الخلود شر مستطير، أو تقتل الخالد بعد خلوده. ولكن مع "هيدرا" فكان الموضوع مختلفا، إذ إن الخلود أصبح حقيقة واقعية في العالم كله، ويخضع الشخص الخالد لاختبارات معقدة، وبالتالي كان هناك عدد كبير من الناس الذين ظلوا فانين، وفي وقت ما اكتفى مجتمع الخالدين بعددهم فتم إغلاق باب الخلود للأبد، فأصبح هناك عدد من الخالدين الذين يعيشون آلاف السنين، مقابل عدد من الفانين الذين يولدون ويتكاثرون ويموتون.. فكانت النتيجة واضحة، طبقية وحشية بين الخالدين والفانين، أسياد وعبيد، وهذه شيمة الإنسان إن شعر بقوته وتحكمه فيمن حوله. وبالتالي فالرواية تناقش الخلود بوصفه سلاحا ذا حدين، فهو يخدم العلم، ولكنه يقيم مجتمعًا فاسدًا يستعبد فيه الخالد الفاني، إذ يشعر بأقدميته وسلطته وأنه أعلى بسطة في العلم والجسم والذكاء والدهاء وكل شيء.
- يعاني أدب الخيال العلمي في مصر منذ نشأته وعدم القناعة به كلية باعتباره أدبا غربيا.. كيف ترى هذا؟
- ربما لأنه نشأ في الغرب على يد المؤسسين جول فيرن وهربرت جورج ويلز وإسحق عظيموف وغيرهم، ولكنها ليست عدم قناعة بقدر ما هو تخوف من قراءة هذا النوع بالذات، لأن أفكاره بسيطة ومنحصرة في عدة قضايا وتيمات يمكن عدها على أصابع اليد "الفيزياء والفضاء والزمن، التكنولوجيا والروبوتات، علوم الطب والبيولوجيا…" ومحدودية الأفكار تجعل هناك تحديا في إمكانية خلق أفكار جديدة من التيمات المتكررة، والتيمات المتكررة تجعل معظم الكتابات في هذا المجال مجرد أدب خفيف يقوم على المتعة وحدها، لا تقدم أي جديد، وبالتالي فربما سئم القارئ من تكرار هذه التيمات في مجال يصعب فيه الإتيان بجديد أثناء الكتابة، وإبراز عمق فلسفي وإنساني وليد النوع واختياره والتورط فيه.
- هناك العديد من المحاولات في أدب الخيال العلمي.. كيف تراها؟
- معظمها يدور في فلك الأدب الخفيف الذي لا يقدم جديد، ويمكن قلبه في نوع واقعي دون أي اختلاف في الجوهر، وبعضهم يخلط بين الخيال العلمي والفانتازيا، وهذا ليس عيبًا أو شرطًا تم تجاوزه، فلكل قاعدة شواذ، ولكن ظهور أدب الخيال العلمي الصرف، وبخاصة أدب الخيال العلمي الثقيل Heavy since fiction أمر شحيح منذ فجر الكتابة العربية.
- يخلط البعض بين الفانتازيا وأدب الخيال العلمي.. كيف ترى هذا؟
- هناك خلط وليد الجهل بالنوع، فالخيال العلمي ينطلق من تنبؤ علمي يحدث في عالم الواقع، وهناك مستحيلات علمية، مثل أن يسبق صاروخ سرعة الضوء، لو ظهر هذا المشهد في رواية فهذا خرق لقانون لن يتغير مهما حصل، والحديث عن خوارق للقوانين العلمية يذهب بنا لعالم الفانتازيا. ولذلك فالحفاظ على المنطق الداخلي للخيال العلمي أمر في غاية الأهمية، فإن انهار المنطق انهار النوع. لا يمكن أن نبعث جسدًا ميتًا إلى الحياة في الخيال العلمي، ولكن يمكننا أن نجعله خالدًا لا يموت، فالأخير قابل للتحقق.
وهناك خلط وليد محدودية الأفكار التي يقدمها الخيال العلمي، مقابل أفكار لا نهائية تقدمها الفانتازيا، فالأخيرة مغرية للقارئ والكاتب على حد سواء، ولكن إن أردنا كتابة الخيال العلمي، فعلينا بالتزام القواعد والقوانين والمنطق التزامًا صارمًا.
- ساهمت الدولة في محاولة لزيادة هذه النوعية من الكتابات والتي تستشرف المستقبل مثل دعمها بجائزة للخيال العلمي.. هل في رأيك نحن في حاجة لزيادة هذه النوعية من الجوائز، ما رأيك؟
- قطعًا، أرى أنه ينبغي إثراء الوسط الثقافي بجوائز في كل أنواع الأدب، خاصة في أدب الرعب والفانتازيا والخيال العلمي، فقد اعتادت الجوائز أن تكرم الأعمال التاريخية والإنسانية والاجتماعية والأعمال صاحبة القضايا السياسية والحربية والوطنية. آن الأوان لفلترة الأدب، وإبراز الأنواع الجديدة، وتكريم الروايات التي تستحق منها؛ سيثري ذلك الحالة الثقافية وربما ينعش كتابة أنواع أدبية مثل الخيال العلمي، وينقي أنواع أخرى مثل الرعب والفانتازيا من شوائب الـ"بوب آرت".