مرثية حزينة للقاهرة فى «حيث ينتهى النهر»
صدرت رواية «هناك حيث ينتهى النهر»، مؤخرًا، عن دار نشر «الكتب خان»، للقاصة والروائية مريم عبدالعزيز.
الرواية هى الكتاب الثانى لـ«مريم» بعد مجموعتها القصصية الأولى «من مقام راحة الأرواح» عام ٢٠١٦. درست الكاتبة الهندسة المدنية، وتهتم بالسفر وتوثيق الآثار الإسلامية وترميمها.
يصل عدد صفحات الرواية إلى ١٩١ صفحة، وبطلتها تدعى «سلمى»، وهى فتاة تعيش وحدها فى شقة فى القاهرة، بعد أن فقدت والديها، وتعانى من تجربة خذلان وانفصال عن حبيبها، وتحمل غضبًا شديدًا تجاه القاهرة، ويظهر غضبها من خلال وصفها لما تشمئز منه بسبب رائحة البول المنفرة فى الشوارع وأسفل الكبارى، وتصف ذلك بجملة: «نسكن فى مدينة تتبول فوق رءوسنا كل يوم».
كما أنها تحمل إرثًا عائليًا مؤلمًا، حيث فقدت والدها، وبسبب مشكلات عائلية تجهل الطريق إلى قبره، فتذهب إلى مدينة رشيد فى محافظة البحيرة، فى رحلة للبحث عنه، ولا زاد لها فى هذه الرحلة سوى صورة فوتوغرافية وجدتها فى صندوق جدها، كدليل وحيد تتقصى به أثر عائلتها.
بعد أن تصل رشيد تلتقى بالصدفة ٤ شخصيات: جميلة، وأم بطة، وحامد، ومصطفى، وكل منهم يحمل بداخله حزنًا دفينًا، ويبحث عن حلم ضائع وشخص مفقود.
هناك حيث ينتهى النهر فى رشيد، تنتهى كل الأحلام، فرشيد كما تصفها الكاتبة مدينة كئيبة ورمادية، وأرض تضيق بمن عليها بسبب قسوة الحياة والفقر، ويهرب الأطفال والشباب منها إلى أوروبا بطرق غير شرعية تضطرهم لمواجهة قسوة البحر بمراكب متهالكة. وتصف الكاتبة رحلة الموت، وتتهم البحر بأنه غدار وقاتل، يقتل أحلام الشباب والأطفال، قبل أن تكتمل فى البلاد التى لا يصلون إليها أبدًا، بعد أن وضعهم الفقر أمام ٣ اختيارات، أولها أن يطحنهم ويفنيهم، وثانيها أن يجعلهم يعيشون كأنهم موتى، وثالثها أن يهربوا منه فى هجرات غير شرعية عبر البحر الذى يبتلعهم، ومن ينجو منهم ويصل إلى شواطئ إيطاليا فإن السجن يكون مصيره ثم يعاد إرساله إلى مصر.
تسلط الكاتبة الضوء على مخاطر الهجرة غير الشرعية التى تلتهم أرواح الشباب زهور المدن، وتحوّلهم إلى «وجوه ذابلة وقلوب أحرقها الانتظار».
يتملك سلمى السأم من رتابة وقسوة القاهرة، كونها وحيدة، وحين تصل إلى رشيد، تجدها ملاذًا تهرب إليه، ووجدت الدفء الذى تبحث عنه، لكنها تكتشف أنها أيضًا مدينة يحوم حولها الموت.
وتتساءل «مريم» على لسان بطلة الرواية: «مَن منَّا بقى على حاله؟ رفعتنا أمواج فظنَنَّا أن أحلامنا فى متناول كفوفنا الممدودة، ثم هبطت بنا نفس الأمواج إلى أسفل سافلين، فاصطدمت رءوسنا بأسفلت الرصيف مرة، وبأخشاب المراكب مرة، ثم فقدنا الاتجاه، وحده البحر بقى على حاله وكما ترقد مدن قديمة فى أحشائه يفتح فمه لالتهام مدن جديدة».