«الأزهر العالمى للفتوى» يقدم حكاية كتاب «روضة العقلاء ونزهة الفضلاء»
قال مركز الأزهر العالمى للفتوى الإلكترونية، عبر صفحته الرسمية، إنه في إطار مشروعه التثقيفي “حكاية كتاب” يقدم مركز الأزهر حكاية كتاب «روضة العقلاء ونزهة الفضلاء» للإمام الحافظ ابن حبان البُستي، تزامنًا مع ذكرى وفاته التي توافق الثاني والعشرين من شهر شوال.
مُؤلف الكتاب في سُطور
▪️هو الإمام الحافظ المجوِّد أبو حاتم محمد بن حِبَّان بن أحمد بن عبد الله التميمي الدارمي البُستي، المعروف بابن حِبَّان.
▪️ولد ابن حبان سنة بضع وسبيعن ومائتين في مدينة «بُست» التي ينسب إليها، وهي مدينة كبيرة قرب سجستان، التي يقع معظمها الآن في أفغانستان وأجزاء منها في باكستان وإيران.
▪️اشتهر الإمام ابن حبان بكثرة رحلاته العلمية، فطاف بلاد الإسلام شرقًا وغربًا؛ طلبًا للحديث في نحو أربعين سنة، كنيسابور، والأهواز، والعراق، والشام، ومصر، والحجاز، ومرو، وبخارى، وغيرها من البلدان، إلى أن عاد إلى مسقط رأسه ببست، وتوفي بها رحمه الله تعالى.
▪️تتلمذ الإمام على يد كثير من العلماء، بلغ عددهم قرابة ألفي عالم، أمثال: أبو خليفة الفضل بن الحباب الجمحي، وأبو عبد الرحمن النسائي، وإسحاق بن يونس المنجنيقي، وأبي يعلى الموصلي، والحافظ الدمشقي، وابن خزيمة وغيرهم من كبار علماء عصره.
▪️تلقى ابن حبان عن مشايخه العديد من العلوم والفنون، كعلم اللغة، والفقه، والطب، والتاريخ، وتبحر في علم الحديث، وأدرك الأئمة والعلماء والأسانيد العالية، وصنَّف فيه التصانيف النافعة، وتولى القضاء في سمرقند.
▪️ومن مؤلفاته: صحيح ابن حبان، والضعفاء، والثقات، وفقه الناس بسمرقند، والسيرة النبوية، وأخبار الخلفاء.
▪️توفي رحمه الله في الثاني والعشرين من شهر شوال، سنة 354هـ، ودفن بمسقط رأسه بمدينة بُست.
سبب تأليف الكتاب
بأسلوب أدبي وحسن بيان، وقوة حُجة واستدلال، واجه المؤلف واقع الناس الذي تغيرت فيه كثير من القيم، وتبدلت فيه عديد من المبادئ، وتشوهت فيه وجوه للفطرة؛ قال المؤلف: (فإن الزمان قد تبين للعاقل تغيره، ولاح للَّبيب تبدله، حيث يبُس ضرعُه بعد الغزارة، وذبُل فرعُه بعد النضارة، ونحل عُودُه بعد الرطوبة وبشع مذاقُه بعد العُذوبة، فنبع فيه أقوام يدعون التمكن من العقل باستعمال ضد مَا يوجب العقل من شهوات صدورهم، وترك مَا يوجبه نفس العقل بهجسات قلوبهم)، فجاء الكتاب مشتملًا على ما يدعو إليه الدين القويم، والعقل السليم، وفي ذلك يقول: (أبين فيه مَا يحسن للعاقل استعماله من الخصال المحمودة ويقبح به إتيانه من الخلال المذمومة ...).
بين يدي الكتاب
بلغ عدد صفحات الكتاب 289 صفحة، قسم المؤلف أبوابه إلى خمسين بابًا أطلق عليها «شُعَب العقل»، وأيَّدَها بالأحاديث النبوية والآثار المروية، ثم بعد ذلك بسط حديثه عنها بما فتح الله عليه، ناسبًا الكلام إلى كنيته التي اشتهر بها «أبي حاتم» ومن ذلك قوله: (قال أَبُو حاتم -المؤلف- الواجب على العاقل الحازم أن يعلم أن للعقل شُعبًا من المأمورات والمزجورات، لا بد له من معرفتها واستعمالها في أوقاتها ... وإني ذاكر في هذا الكتاب -إنْ اللَّه قضى ذلك وشاءَه- خمسين شعبة من شعب العقل من المأمورات والمزجورات، ليكون الكتاب مشتملًا على خمسين بابًا، بناءُ كل باب منها على سُنَّة رَسُول اللَّه ﷺ، ثم نتكلم في عقيب كل سُنَّة منها بحسب مَا يمن اللَّه به من التوفيق لذلك إن شاء اللَّه). [روضة العقلاء ونزهة الفضلاء ص: 26].
ورغم أن المؤلف -رحمه الله- أكثر مِن تناول الأخلاق الاجتماعية وسلوكيات التعامل من الغير كالتَّحلي بالصدق والكرم والحلم وإفشاء السلام وقبول الهدية، واجتناب الغش والكذب والتدليس ومعاداة الناس والتلون في التودد معهم، إلا أنه اهتم بعلاقة الفرد مع نفسه وقربه من ربه، فحث على العلم وضرورة العمل به، وبَيَّن أن التقوى وإصلاح السريرة من أول شُعَب العقل، ومن ذلك قوله: (فأول شعب العقل هو لزوم تقوى اللَّه وإصلاح السريرة؛ لأن من صلح جوانيه أصلح اللَّه برانيه، ومن فسد جوانيه أفسد اللَّه برانيه). [روضة العقلاء ونزهة الفضلاء ص: 26]
وهكذا يتضح للقارئ الكريم أن هذا الكتاب هو روضة للعقلاء، ونزهة للفضلاء بحق، لا يخرج قارئه من روضته إلا مرتويا؛ لما حواه من مخاطبة العقل والروح معًا، ولما اشتمل عليه من مكارم وفضائل روحانية سامية صافية.
رحم الله العلامة الحافظ ابن حبان، وجزاه خير الجزاء عن ما قدم للإسلام والمسلمين.