كتاب الجنوب: الصعيد يعاني فقرا ثقافيا وغياب المؤسسات خطر ندفع ثمنه
يبدو أن الصوت الثقافي لمبدعي الجنوب ظل منسيا أو مهمشا، ومتواريا لكن إذا دققنا النظر مرة أخرى، وتركنا لآذاننا السمع سنعرف أن صوت الجنوب كان يشغل المشهد الثقافي بكل ما يحمله من زخم.
وأن هناك أصوات إبداعية خرجت من قلب الجنوب، جعلت الجميع ينصتون إليه، صارت متونا، بل وعناوين كبيرة للثقافة وللإبداع المصري، أمثال: أمل دنقل، يحيي الطاهر عبد الله، عبد الرحمن الأبنودي، عبد الرحيم منصور، الطاهر مكي،، محمود أمين العالم، إدوار الخراط، جورج البهجوري،عبد الوهاب الأسواني وغيرهم كثيرين في شتى المجالات الإبداعية.
هؤلاء كانت القاهرة عتبتهم، كي يصبحوا ما يريدونه، إلى جانب ذلك كان هناك جيلا آخر اختار أن يسبح بصوته إلى القاهرة والعالم العربي دون انزياح وهجرة، بقصدية الوجود، عن حال الثقافة في الجنوب يدور هذا التقرير.
- طه حسين متنبئا: " زفت.. مستقبل الثقافة"
كتب عميد الأدب طه حسين "مستقبل الثقافة في مصر" سنة 1938 ، والذي مازال على حد تعبير الراحل جابر عصفور " مشروع لتغيير الثقافة فى علاقتها بالتعليم تغييرًا جذريًّ، والغريب أننا عندما نقرأ هذا الكتاب اليوم، بعد مرور ثمانين عامًا، نجد أن الكتاب يبدو كما لو كان مكتوبًا لنا اليوم، فأغلب المشكلات التى كان يتحدث عنها طه حسين - خصوصًا فيما يتصل بكل من الثقافة بوجه عام والتعليم بوجه خاص - لا تزال إلى اليوم مشكلات موجودة ومستعصية على الحل".
وفي حوار سابق للعميد “طه حسين “مع محمود عوض، قال "لقد سجلت فى الكتاب ملاحظاتى على الثقافة فى مصر سنة 1936، ولو عدتُ إلى تأليفه اليوم من جديد فسوف أقول: زفت.. مستقبل الثقافة.. زفت".
- أشرف البولاقي:20 عاما يعيش الصعيد في فقر ثقافي
يؤكد الشاعر والكاتب اشرف البولاقي على ما كرره طه حسين حول حال الثقافة منذ ما يقرب ما 80 عاما وقال لـ "الدستور" وهو يحدثنا عن الصعيد، " الأحوال الثقافية في صعيد مصر لا تبشّر بخير، فمنذ أكثر من عشرين عامًا وصعيد مصر يعيش في فقر ثقافي وإبداعي شكّل ظاهرة التفتنا إليها أكثر من مرة، وكتبنا عنها مرارًا وتكرارًا.
وأشار إلى أنه "اختفت المواهب تمامًا، تضاءل الفعل الثقافي المؤسسي والأهلي في ظل الظروف الاجتماعية والاقتصادية الصعبة والقاسية، هناك ندوات وفعاليات تتم بلا حضور ولا مشاركات، هناك إحساس عام باللاجدوى، كما أن الجيل الذي كان يحمل الشعلة فقد حماسَه الحركي والثقافي على الأرض، إمّا بسبب كبر السن، أو بسبب الضغوط التي يعاني منها الجميع.
وتابع "لم يعد حتى الأدباء والمثقفون قادرين على التجمع واللقاء كما كان يحدث من قبل، الكل مشغول بظروفه، الجميع يواجه أحزانه منعزلاً... المشروعات الفردية والمنجزات الشخصية هي الشيء الوحيد المتبقي الآن، لكنها رغم ذلك متبقية عند آخر جيل، وإذا كان صحيحًا أن الظروف التي نعيشها جميعًا تعيشها مصر كلها إلا أن الفعل الثقافي والإبداعي في القاهرة ما يزال محافظًا على حركته، والذين انتقلوا أو هاجروا مِن الصعيد إلى القاهرة نجَوا من كارثة العتمة والخواء الذي يعيشه الصعيد الآن، والقلة المتحققة تحاول التواصل مع هذا الفعل بالسفر أو الكتابة أو المشاركة".
- فتحي عبد السميع: غياب دور المؤسسات الثقافية عن الصعيد يشكل خطرا ندفع ثمنه اليوم
من جانبه يرى الشاعر والباحث في الموروث الشعبي فتحي عبد السميع " الوضع الثقافي في الصعيد صعب جدا، فالناس يعيشون حياتهم في ظل تحديات ثقافية كبير، تظهر في علاقتهم بالتقاليد والموروثات في ظل ثورة الاتصالات الحديثة، وأزمة تراجع المجتمع التقليدي المتلاحم والمتضامن أمام النزعة الفردية التي تصل إلى درجة الهوس.
وأضاف "كل هذه التحديات بما تثيره من أسئلة، وما تتطلبه من مراجعات ـ يتم مواجهتها بشكل عشوائي وفردي وسطحي ودون رؤية متكاملة أو عميقة، أو على الأصح بدون وجود المثقف الحقيقي الذي يمتلك من الأدوات ما يؤهله لمواجهة تلك الأسئلة التي تفرضها الظروف الجديدة وما تتطلبه من مراجعات، والنتيجة تدهور المجتمع التقليدي، أو سقوطه وتحوله إلى خرابات، لأنه يسقط دون أن يقوم مقامه كيان حديث ومتطور ومتناغم مع المستجدات العصرية".
- عدد المؤسسات الثقافية قياسا إلى السكان ضئيل جدا
ولفت "عبد السميع" إلى أنه "على مستوى دور المؤسسات الثقافية، فالصعيد يعاني من حالة موات تتجلى بداية من عدد المؤسسات الثقافية قياسا بعدد السكان، وهو عدد ضئيل جدا، ويشكل في حد ذاته فضيحة ثقافية، وقد شهد في مطلع القرن العشرين اهتماما من الدولة، لكن ذلك الاهتمام توقف الآن، ومنذ سنوات طويلة لم نعد نسمع بظهور مكتبة عامة، أو منفذ لتوزيع الكتب، أو أية علامة تشير إلى وجود حراك على مستوى المنشآت الثقافية.
وختم "عندما نتجاوز مشكلة العدد الضئيل وننظر إلى المردود الثقافي للمواقع الثقافية، أو طبيعة العمل فيها نجد العجب العجاب، لأنها تعمل تقريبا بلا ميزانيات، وبلا رؤية، وبلا خطط، توجد بعض الجهود الفردية لكن لا توجد أنشطة بمعنى الكلمة، لا يوجد ما يمنح المواطن شعورا بوجود شيء اسمه "المؤسسات الثقافية" في الصعيد، وهذا خطر، وكل تقصير في منظومة بناء الإنسان سوف ندفع ثمنه الباهظ ونحن نرسل أجيالنا الجديدة إلى المجهول دون أن نؤهلهم لتحدياته القاسية".
- عبيد عباس: المبدع لا يجد الوقت في ممارسة دوره
من جهته يرى الكاتب والشاعر عبيد عباس “أن الوضع الثقافي في الجنوب لا يختلف كثيرا عن الوضع الثقافي في مصر بشكل عام، لأن المؤثر الجغرافي ليس له وجود تقريبا، فالمبدع في الشمال والجنوب متأثر بعاملين أساسيين في علاقته بالإبداع كمنتِج ومتلق، العامل الاقتصادي وعامل مواقع التواصل الاجتماعي "السوشيال ميديا".
وتابع "عباس"، “العامل الاقتصادي يؤثر على المبدع فهو كإنسان لا يجد من الوقت، في بحثه وسعيه كأي مواطن عما يكفل له حياة عادية، ليمارس ما يجب أن يمارسه من فعل ومشاركة ثقافية، لا يملك الوقت ولا المال، ثانيا طغيان "السوشيال ميديا" واكتفاء المبدع بـ "الفيسبوك وتويتر" كمنصة لتقديم إبداعه.