رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المثقفون والخرافة (2)

استكمالا لمقالنا السابق تحت ذات العنوان، نضيف بأن المثقفين شغلوا أنفسهم بقضيتين،  الأولى هي قضية الروح وخفاياها واسرارها، ثم ظهر حديثا الاهتمام بطريقة تحضيرها، والقضية الثانية هي قضية الجن وتسخيره.

في أعقاب الهزيمة المروعة والشهيرة بالنكسة كتب الأستاذ محمد حسنين هيكل في الأهرام مقالا قال فيه إن عبور قناة السويس، وتحرير الأرض بدون اللجوء إلى القوة العسكرية يحتاج أي معجزة. وذكر هيكل في مقاله أن عصر المعجزات قد انقرض وانتهي.

وفي 4مايو 1971 نشر الصحفي القدير محمد حسنين هيكل مقالا في الأهرام حول اشتغال رجال القمة السياسية المصريين من كبار معاوني عبد الناصر بتحضير الأرواح، ومنهم وزير الحربية الفريق أول محمد فوزي، وسامي شرف سكرتير الرئيس عبد الناصر للمعلومات، وشعراوي جمعة وزير الداخلية. وكان الوسيط بين هؤلاء وبين الأرواح المزعومة أستاذا جامعياً. وحسب رواية هيكل، فإن هؤلاء كانوا يقومون بسؤال الجان للحصول على إجابات تتعلق بالوضع العسكري والسياسي الاسرائيلي.

وإذا أمعنا النظر في تاريخ المقال لتبين لنا أن هذا المقال نشر في توقيت بالغ الحرج، فقد كان السادات وقتها يقوم بعملية تصفية لكل رجال الرئيس عبد الناصر وهو ما أطلق عليه السادات فيما بعد بثورة التصحيح، وكان هذا المقال محاولة للنيل من مصداقيتهم والتأثير في شعبيته ولم يكن هذا جديدا على رجال السياسة في مصر.

ففي الخمسينات من القرن الماضي، وأثناء الوحدة مع سوريا ذكر فاخر الكيالي أحد الوزراء السوريين المركزيين في حكومة الوحدة، كان يعمل على عقد جلسات تحضير الأرواح. وأن هذه مسألة علمية لا شك في جديتها. وكان يدعي أن السلطات العليا في القاهرة والمسئولون الكبار كانوا يهتمون بها ويمارسونها. وهي تساعدهم على حل عقد كثيرة في شؤون السياسة والحكم. كما ذكر رياض المالكي في كتابه (ذكريات على درب الكفاح والهزيمة) أن عدداً من الوزراء السوريين في حكومة الوحدة وقتها كانوا يدعون تحضير الأرواح.

وفي سؤال للسيد إسماعيل هنية مدير مكتب الشيخ احمد ياسين سابقا ورئيس وزراء السلطة الفلسطينية حاليا، هل صحيح أن فيكم من تنبأ أن إسرائيل ستنتهي عام 2025؟ أجاب هذه بعض التوقعات التي قال بها الأستاذ بسام جرار أحد المفكرين الإسلاميين، وكذلك الشيخ المجاهد أحمد ياسين، وهي مرتبطة في البداية بقراءة النظم الرقمية في القرآن الكريم، ويعتقد الكاتب والمفكر المعروف الدكتور مصطفي محمود أن ما حدث يوم 11 سبتمبر 2001 والهجوم على أمريكا ليس وارد الخارج‏, وأنه بتدبير وتفعيل اليمين الأمريكي‏,‏ وانه من تدبير حزب الداوديين نفسه‏..‏ وفي أدبيات هذا الفريق وكتبهم ما يشير إلى هذا اليوم الموعود‏.‏ويقول الدكتور مصطفي محمود في مقاله في الأهرام يوم 22 سبتمبر 2001:" .. أقرئوا هذه السطور في كتيباتهم ومنشوراتهم‏.‏ انتظروا يوم تأتي الأفاعي الستة الطائرة تبصق النار من أفواهها لتطهر الأرض من فسادها وادناسها وتقضي على الظلم والظالمين وتشيع العدل والمحبة بين الناس‏، وما هذه الأفاعي الستة الطائرة التي تبصق النار من أفواهها‏." 
ويري الدكتور مصطفي محمود  أن الرموز الباطنة للطائرات المدنية الستة التي تبصق النار والدمار والتي قادها هؤلاء الإرهابيون الثائرون لهدم رموز هذا العالم الظالم الذي تصوروه‏..‏ وفي عبارات اخري‏..‏ يقول‏..‏ استعدوا‏..‏ استعدوا‏..‏ استعدوا‏..(‏ استعدوا لماذا؟‏!!)‏
وعن تحضير الأرواح، فقد ذكر الدكتور نزار شقيق الشاعرة نازك الملائكة، رائدة التجديد في الشعر الحديث ومعها بدر شاكر السياب وادونيس. أنها كانت تقوم بعقد جلسات لتحضير الأرواح في الكويت. أما في بغداد حيث ولدت وأقامت فترة طويلة فكانت تعقد فيها جلسات تحضير الأرواح باستمرار، وكانت تعقد تلك الجلسات بنفسها مع أصدقاء لها ومعارف، وكانت تستحضر روح والدها. وكانت كانت تفقد وعيها خلال الجلسات، وكانت تميل للروحانيات وتؤمن بالتقمص أيضا
وقد شاهدنا في إحدى القنوات التليفزيونية الخاصة التي كانت تناقش ظاهرة اندلاع الحرائق دون سبب أن بعض المتحدثين ذكر أن تلك الحرائق سببها الجان، وكان بعضهم يحمل شهادة الدكتوراه، وآخر كان عضوا في المجلس النيابي الموقر ذكر أنه شاهد حريقا هائلا في مدينة العياط، وأنه بمجرد اقترابه من الحريق وتلاوة بعض آيات القرآن وبعض الأوراد والأدعيات بدأت نيران الحريق تخمد حتي انطفأت تماما. وكانت المذيعة تتعجب . 
وكانت تلك القناة قد عقدت حلقة عن الطب واستضافت فيها سيدة مسنة تدعي العلاج بالقرآن، ورجل آخر يدعي أنه ابتكر نظرية جديدة للتنويم المغناطيسي. كما استضافت على الجانب الآخر أستاذا لعلوم الحديث بجامعة الأزهر، وطبيبا يحمل الماجستير في الأمراض الجلدية، وباحثا يحمل درجة الدكتوراه في علوم البحار ويعمل في وظيفة مرموقة، وأستاذا للأمراض النفسية بجامعة الأزهر.
ذكرت السيدة المسنة أنها عالجت أمراض الجلد والصدفية بزيت الزيتون والليمون وقراءة القرآن الكريم، وعندما طلب منها الشيخ الجليل أن تقرأ بعض آيات القرآن أحجمت في أول الأمر ثم أخطأت في الآية الوحيدة التي قرأتها. كما ذكر الرجل زميلها أنه ابتكر النظرية الثالثة في التنويم المغناطيسي والتخاطب عن بعد، وقال على الملأ أنه شاهد في الأقصر أحد اليابانيين وهو يقوم بتصوير مقبرة فتحت لتوها، وعندما شاهد الصور وجد أنها تصور عملية دفن الميت منذ أكثر من خمسة آلاف سنة، وقال الرجل إنه يستطيع أن يلقن الآخرين أفكارا عن بعد، ويقرأ أيضا أفكارهم.
بعد كل هذا نتسائل: لماذا يقترب المثقفون من عالم الخرافات .