رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الكِتَاب المصرى

هناك مقولة غير صحيحة، كنا نرددها دون أن نفكر فيها، روجها بعض اللبنانيين للترويج للكتاب اللبناني، وهي أن الكتب تُكتب في مصر. وتُطبع في لبنان. وتُقرأ في العراق.. والواقع أن تلك المقولة كانت صحيحة إلى عهد قريب. 
فالقاهرة في الوقت الحاضر، تكتب وتطبع وتنشر وتقرأ، وأعتقد أن السوق المصرية للكتاب واعدة، بما فيها من إمكانات بشرية وثقافية، ويمكننا مراجعة أرقام مبيعات الهيئة المصرية العامة للكتاب وحدها وسنكتشف أن الكتاب الورقي مازال بخير، والإقبال عليه يتزايد رغم التطور التكنولوجي. ولعل ما أعلن مؤخرا من خلال فعاليات الدورة 53 من معرض القاهرة الدولي للكتاب، والتي أقيمت تحت رعاية الرئيس عبدالفتاح السيسي رئيس الجمهورية، وافتتحها الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، والدكتورة إيناس عبدالدايم، وزيرة الثقافة، ونظمتها الهيئة المصرية العامة للكتاب برئاسة الدكتور هيثم الحاج، وجاءت تحت شعار هوية مصر "الثقافة وسؤال المستقبل" وأقيمت من 26 يناير حتى 7 فبراير بمركز مصر للمؤتمرات والمعارض الدولية.
بلغ عدد رواد المعرض خلال أيام الدورة 53 من معرض القاهرة الدولي للكتاب أكثر من 2 مليون زائر. سجلت أكثر من 128 مليون زيارة، كما بلغ عدد الزائرين المسجلين عليها قرابة مليون زائر، وبلغ عدد الجولات الافتراضية للمعرض أكثر من 102 ألف جولة، وبلغ عدد مشاهدات الكتب على المنصة للهيئات ودور النشر المشاركة في المعرض 2.5 مليون مشاهدة، وحيث بلغت مبيعات الكتب اونلاين على المنصة عدد 369 كتابا رقميا، و58 كتابا ورقيا، وعدد مرات شراء برنامج موسوعة مصر القديمة: 6 مرات
والواقع أن سلاسل الكتب التي تنشرها الهيئة العامة للكتاب، والهيئة العامة لقصور الثقافة، والمركز القومي للترجمة. اضطلعت بدور كبير في نشر الكتب الرصينة، وكتب الثقافة الرفيعة، والتي لا يمكن نشرها في دور النشر الخاصة.
ولعل سلسلة تاريخ المصريين والنشر العام في الهيئة المصرية العامة للكتاب، وغيرها من السلاسل المختلفة تعد من قبيل النشر الثقيل فعلا. وهي تنشر الكتب التي يعجز عن نشرها القطاع الخاص.
فقط يحتاج الأمر لتوحيد النشر في تلك الهيئات، والتنسيق بينها لمنع تكرار النشر، وكذا ينبغي مزيد من الاهتمام بنوعيه الورق والتجليد والأغلفة والفهارس، لتصبح الكتب المصرية في طليعة النشر العربي كله.
في الآونة الأخيرة، مازلنا في مرحلة سجال في المفاضلة بين الكتاب الإلكتروني والكتاب الورقي، ومدى تأثير انتشار الحاسب على إقبال الناس على الكتاب، وتبني بعض المثقفين نظرية أفول عصر الكتاب الورقي لصالح الكتاب الإلكتروني، إذ يستطيع القارئ تخزين آلاف الكتب في جهاز حاسب صغير، بينما يتبنى فريق آخر نظرية عدم الاستغناء عن الكتاب الورقي وأنه ستبقى له مكانته لدى القراء، وأن كثيرًا من الناس يرون في الشكل الورقي تجسيدا لمضمونه وأن منهم من يجد متعة في أخذ الكتاب بين يديه وتقليب صفحاته وطي بعضها ووضع ملاحظاته عليها ووضع علامات هنا وهناك.
ومما لا شك فيه أن الكتاب الورقي مازال محتفظًا بمستواه المتقدم في ظل تحديات ثورة التكنولوجيا الحديث والتطور في عالم الكتاب الإلكتروني، كما نري أن الكتاب الإلكتروني لن يحل محل الكتاب الورقي مهما تطورت التكنولوجيا. وسيبقى الكتاب الورقي هو المرجع، وخصوصًا للباحثين.
يمكننا في مصر أن نجعل من الكتاب المصري سلعة للتصدير لجلب العملات الصعبة، مثل أى صناعة نحرص عليها، ونحسن جودتها، لنصدرها، لو تم دراسة الموضوع دراسة متأنية ووفرنا له عوامل إنتاجه التي يمكن إجمالها في: أفكار المؤلف. الناشر. الطباعة. وأخيرا التوزيع.
فالعمل الذهني الذي يختص به الكاتب، أمر محلى، والكاتب لا يتقدم بعمله إلا بعد استيفائه من حيث سلامة اللغة والسرد وجودة الأسلوب في الأعمال الأدبية، وبقية الكتاب مسئولية الناشر والمؤلف، وهي مسئولية مشتركة بين الناشر والمؤلف يحكمها القانون.
أما عملية الطباعة والتوزيع فهي ما نريد أن نتكلم فيه، ونطالب بتدخل الدولة فيها في بعض المواضع. وهي عملية تكنولوجية تحكمها معدات وأدوات، بلغت من التقدم العلمي، أنه بإمكانها طباعة آلاف النسخ في ساعات محددة، ولدينا من تلك المطابع العديد في الهيئة العامة للكتاب، والمؤسسات الصحفية، والجامعات المصرية، وتستغلها المؤسسات الصحفية على نطاق تجاري واسع في طبع الكتب المدرسية.
وعلى ذلك فلدينا فرصة لتصدير الكتاب المصري، بما يحتويه من فكر وفن وثقافة وعلوم متنوعة إلى مختلف الدول العربية، ويصبح الكتاب موردا من موارد العملة للصعبة. 
لا نريد لمركز الثقل الثقافي العربي أن يخرج من القاهرة، القاهرة بمبدعيها وعلمائها، فهي قادرة على تأسيس منارات للعلم في الدول العربية كلها، وليس العكس. 
عملية الإنفاق على الثقافة ضرورية، في ظل دولة تريد أن ترسي أطر التقدم وبناء دولة حديثة، وتشجع القطاع الخاص على التدخل لملء مكانة مصر الثقافية التي كانت منذ مطلع القرن التاسع عشر حتى بداية مطلع القرن العشرين.