المؤلف والناقد المسرحي إبراهيم الحسيني: المسرح ما زال قادرا على إحداث تأثير.. ومصر مليئة بالمواهب (حوار)
إبراهيم الحسينى واحد من أبرز كتاب جيل التسعينيات المسرحيين فاز مؤخرًا بجائزة ساويرس للكتابة المسرحية والتى جاءت تتويجًا لرحلة طويلة من الدأب على الكتابة. «الدستور» التقته لتناقش معه تجربته فى المسرح المصرى.
ولد «الحسينى» فى ١٠ أغسطس ١٩٧٠، وحصل على دبلومة الدراسات العليا فى الدراما والنقد من أكاديمية الفنون، وبكالوريوس من المعهد العالى للفنون المسرحية عام ١٩٩٨، وله أكثر من ٥٠٠ مقال موسوعى كتبها على مدار ٢٥ عامًا. وحصل كاتبنا الكبير على أرفع الجوائز المصرية والعربية، منها جائزة أفضل مؤلف مسرحى من المهرجان القومى للمسرح المصرى عن مسرحية «ظل الحكايات»، وجائزة أفضل دراسة نقدية عن المسرح الكنسى فى مصر، وجائزة فوزى فهمى عن أفضل دراسة نقدية بالمهرجان القومى، وجائزة محفوظ عبدالرحمن عن المجلس الأعلى للثقافة عن مسرحية «مذكرات سنوحى المصرى»، وجائزة ساويرس الثقافية لكبار الكتاب عن نص «جنة الحشاشين». فى السطور التالية، يتحدث «الحسينى» فى حواره مع «الدستور» عن مشواره الفنى ورحلته الطويلة مع الكتابة، وكواليس كتابة أعماله وغيرها من التفاصيل. إلى نص الحوار:
■ كيف بدأت الكتابة؟
- بدأت بمجموعة قصائد فى المرحلتين الابتدائية والإعدادية وكنت أقولها فى الإذاعة المدرسية، وحصلت على أول جائزة من وزارة الشباب والرياضة قيمتها ١٥ جنيهًا.
وهاجس الكتابة بدأ قبل الكلية، ولكن لم أكن أفكر فى أن الكتابة ستكون وظيفة فى المستقبل، الكتابة هى الوظيفة التى تجمع كل الوظائف فى سلة واحدة، فعندما أكتب عن طبيب، أو مهندس، أو ضابط، أو قبطان بحرى أتقمص الشخصية، أتعايش مع تفاصيلها وأبحث عن معلومات عنها.
وفى جامعة الزقازيق، كتبت قصيدة عن حتمية التكامل العربى من ٨٠ بيتًا، وفزت على مستوى الجامعة بجائزة أفضل قصيدة، وقيمتها ٦٠ جنيهًا، ومعنويًا فزت برحلة شباب الجامعة فى القاهرة، وشاهدت فنونًا وثقافات مختلفة، وشاهدت مسرحًا، وبدأ الشغف بمشاهدة أعمال مسرحية فى قصور الثقافة بالزقازيق.
وتقدمت لمعهد الفنون المسرحية قسم دراما ونقد، وحصلت على المركز الأول فى امتحانات القبول وكنت الأول على دفعتى.
ودرست فى المعهد فلسفة وعلم نفس واتجاهات كتابة، ومجموعة نصوص، وكتبت نص «الغواية» فى البكالوريوس، ونال استحسان أساتذتى، وتقدمت به لجائزة محمد تيمور، وحصلت عليها، وتمت طباعته فى الهيئة العامة للكتاب بمقدمة أستاذى محسن مصلحى، وكلمة الغلاف للكاتب رفيق الصبان.
■ كيف تقيّم عملية نشر النصوص المسرحية؟
- معظم دور النشر لا يقبل نشر النصوص المسرحية، لأنه يرى أن مكانها التنفيذ على خشبات المسارح، لكن النشر الورقى يعمل على توثيق النصوص، ولم نكن سنجد مسرحيات توفيق الحكيم وميخائيل رومان ومحمود دياب لو لم تتم طباعتها. كما أن الطباعة تساعد فى رسائل الماجستير والدراسات النقدية.
■ حدثنا عن حركة النقد الحالية؟
- لا يوجد حاليًا نقد مثل فترة الستينيات والسبعينيات، والحراك حاليًا غير مواكب للمسار المسرحى، سواء على مستوى النصوص أو المسارح إلا فى بعض الأقلام المحدودة، ومعظم أساتذة الدراما، قليل منهم من يتابع أو يكتب النقد، هناك محاولات شخصية، لكن لا تشكل قوام حركة نقدية.
■ صف لنا أبرز مشكلات المسرح المصرى؟
- أهم مشاكل المسرح المصرى أن عدد موظفى الجهات الحكومية أكثر من عدد الفنانين، وليست لديهم قناعة كاملة بتأثير الفن، ويتعاملون معه كوظيفة، وهناك صعوبات تواجه أى كاتب، وما يصل من المؤسسات للكتاب عائد مادى بسيط جدًا. لذلك يتجهون للتليفزيون، لأنه أفضل حالًا، وهناك تعقيدات روتينية لتنفيذ النص، الكتّاب المسرحيون قابضون على الجمر، الكاتب يكتب لأنه يحب هذا العالم، ويبذل أقصى جهده لتوصيل أفكاره.
وأطالب بزيادة أجور النقاد والكتّاب، وتأسيس جمعية كتّاب ونقاد المسرح لتحافظ على حقوقهم وليحتموا بها.
■ ناقشت فى مسرحياتك قضية الإرهاب والتطرف الدينى.. حدثنا أكثر عن ذلك؟
- توجد عند معظم الشعب أفكار سلفية، وهم ليسوا سلفيين، لكن الفكر متغلغل فيهم دون أن يدركوا ذلك، وبدأت أبحث عن فكرة الاغتيالات السياسية باسم الدين، فوجدت حسن الصباح، ونص «جنة الحشاشين» يدين الفكر السلفى والاغتيالات باسم العقيدة، والنص يعالج ما يحدث داخل الجماعة ومجموعة خطوات التجنيد، وكيف يتصرف المجند مغيب الوعى، وينجذب بكليته للإمام.
وفى نفس السياق كتبت «حكايات سعيد الوزان»، وهو قاتل مأجور يطلب منه قتل شخص يبيع كتبًا قديمة، فيتساءل: لماذا أقتل؟ السؤال يفتح بوابة من الأسئلة، ورحلة طويلة من البحث عن الوصول للصفاء الذهنى الخاص، وهى مستلهمة من التراث الشعبى.
■ ما كواليس كتابة مسرحية «كوميديا الأحزان»؟
- شهدت مصر فى ٢٠١١ بعد الثورة حالة من عدم الفهم الشديد، كتبت المسرحية بعد نحو ٤ أشهر، وهى تتحدث عن تأثير فعل الثورة على أشخاص لم يشاركوا فيها.
وأنتجها البيت الفنى للمسرح من إخراج سامح مجاهد. وحضرها أساتذة من الجامعة الأمريكية، فكتبوا عنها، وكتبت عنها الدكتورة نهاد صليحة مقالًا بالإنجليزية فى «الأهرام ويكلى»، و«نيويورك تايمز».
■ كيف وصلت لأمريكا؟
- تم اختيار النص ليقدمه طلبة جامعة هارفارد فى مشروع السنة النهائية، أرسلوا لى دعوة لمدة ٤٥ يومًا، وتم عرضه فى مؤتمر «النساء يصنعن الديمقراطية» باعتبار أن بطلة المسرحية «ضحى» ترمز لمصر، وتم عرضه فى جامعات نيويورك، وشيكاغو وكانساس وجامعات أخرى.
وتم اختيار النص لتنفيذه داخل «برودواى»، وتمت ترجمة نصوص أخرى، وتم عرضه على مسرح «سجنتشر» وتم عقد ندوة حوله.
وكان العضو الأساسى فيها الناقد مارڤن كارلسون، والعرض نال نجاحًا كبيرًا ومن شدة السعادة بكيت.
■ مَن بطلة العرض؟
- بطلة العرض «ضحى» هى نجلاء إدوارد سعيد، وكنت سعيدًا لهذا الاختيار لما أكنه من محبة لإدوارد سعيد وكتاباته.
■ كيف كانت ردود الأفعال بعد عودتك؟
- تلقيت احتفاء من الشارقة، وقدمت ورشة كتابة وتقنيات النص، وتكريمًا من دائرة الثقافة، وفى المغرب أيضًا، حيث عقدت الندوة الدولية للفرجة، وفى مصر تحمس للكتاب الدكتور أحمد مجاهد، وتمت طباعته بالمقالات التى كتبت عنه سؤالًا بالعربية أو الإنجليزية ونشرته الهيئة العامة للكتاب.
■ ماذا تمثل لك الكتابة المسرحية؟
- الكتابة المسرحية بوتقة تحمل فيها كل الفنون المرئية والمسموعة. فى «كوميديا الأحزان» استخدمت تقنية القص، ولحظات سرد على طريقة القصة القصيرة، من خلال صوت داخلى للشخصيات.
■ حدثنا عن مسرحية «باب عشق»؟
- قصيدة باب عشق مستلهمة من قصيدة «قتلت صاحبها»، عن شاعر مجهول يكتب قصيدة للوصول لقلب الأميرة ابنة حاكم المدينة، ويقابل قاطع طريق، وهى مستلهمة من التراث الشعرى، واستغرقت فى كتابتها ٦ أشهر.
وتلقيت مكالمة من المخرج عادل حسان، اطلع على النص، واتفق على إنتاجه فى مسرح الطليعة من إخراج سامح مجاهد، وسيتم عرضه قريبًا.
كما أننى تقدمت به لجائزة ساويرس وفزت بها.
■ ماذا تمثل لك الجائزة؟
- الجائزة مثل اسم النص «باب عشق» هى «باب رزق» وليس معنى أن النص فاز أنه أفضل نص، لكن النص من خلال هذه اللجنة وفى هذا السياق، حصل على الجائزة، ومن الممكن فى سياقات أخرى ألا يحصل على جوائز.
■ كيف ترى علاقة الكاتب والمخرج فى العملية الإبداعية؟
- علاقة شائكة، المؤلف يريد الاحتفاظ بكل كلمة داخل النص، والمخرج يرى أنه من حقه أن يضيف أو يحذف من النص بما يناسب إمكانات الممثلين والخشبة، اقتداءً بنجيب محفوظ. لا قداسة للنص الأدبى المسرحى، من حق المخرج الوصول لأفضل صيغة يراها.
■ ما طقوسك فى الكتابة؟
- أغلق الباب تمامًا أنا والكتب، أسمع أغانى قديمة، أم كلثوم، نجاة، فريد الأطرش، أما الإيقاع الصاخب للأغانى الجديدة فهو لا يساعد على الكتابة، مؤخرًا تعلمت الكتابة على الكمبيوتر، ولكن أشعر بالملل فأعود للورقة والقلم.
■ متى تفضل الكتابة؟
- فى المساء.
■ ما تجربتك مع المسرح الكنسى فى مصر؟
- قدمت بحثًا من ٨٠ صفحة عن التيمات والأفكار فى الـ٢٠ سنة الماضية، ومكثت سنة فى البحث عن المسرح الكنسى بنوعيه الدينى والدنيوى الاجتماعى، والاستلهام من سير القديسين والشهداء، الذين يقومون به بمثابة خدمة تقربًا من الله وليسوا موظفين، وينتج هذا المسرح نحو ٣٠٠٠ مسرحية سنويًا على مستوى كنائس مصر كلها.
■ لماذا اتجهت لدراسته؟
- المسرح الكنسى منغلق على ذاته، لا توجد مقالات نقدية، كمسرحيين لا نعلم شيئًا عنه، والمقالات قليلة جدًا، لدىّ أصدقاء أقباط، مثل سليم كتشنر، وإيميل جرجس، وفادى فوكيه، وميشيل ماهر من المركز الكاثوليكى للسينما، وحصلت على سيديهات العروض المسرحية وشاهدتها، وتمت دعوتى للمسرحيات، بدأت أرصد هذا العالم بنظرة محايدة جدًا.. أفكار وتوجهات مختلفة، ويُعد رافدًا مهمًا جدًا.
■ ما رؤيتك للمسرح فى الصعيد؟
- منذ ١٠ سنوات تقدمت بمشروع مسرح الـ١٠٠ قرية بالتعاون مع المخرج عصام السيد، وناصر عبدالمنعم، الهدف الأساسى تقديم عروض مسرحية لـ١٠٠ قرية لم يدخل لها أى نشاط ثقافى من قبل، من خلال نص يكتبه أبناء القرية أو مشرفون على الكتابة، ويتيح للناس نشاطًا مسرحيًا يجمع بين الأغنية، والتشكيل، والفرجة، ويمكن تقديم قصص عن أعلام كل قرية، قيم أخلاقية، مشاكل اجتماعية وتشكيل وعى ثقافى سياسى جديد.. يسقط دعاوى التحريم، لا يوجد شىء مبتذل، وجمهور المحافظات متعطش جدًا للفن.
■ إلى أين وصل المشروع؟
- لم يكتمل بسبب المعوقات الإدارية، وأطالب باستكماله وتنفيذه.
■ حدثنا عن أهم القضايا التى تتناولها فى كتاباتك؟
- العدالة الاجتماعية، وقبول الآخر، والتسامح، وقبول وجهة نظر مختلفة، والانفتاح على كل الثقافات.
■ بماذا تحلم؟
- طباعة كل مسرحياتى بشكل كامل فى مجلدات، والحلم الأهم ترجمة النصوص المميزة إلى لغات مختلفة.
■ كيف ترى العلاقة بين المبدع والناقد؟
- لا أقيّم نفسى كناقد، بعدما أكتب النص أتركه عدة شهور، وأترك مسافة وبُعدًا زمنيًا، ثم أنظر له نظرة نقدية، المبدع يستخدم حاسته النقدية لبناء نص قوى من وجهة نظر الإبداع.
■ ماذا تقرأ حاليًا؟
- أعيد قراءة بعض كتابات نجيب محفوظ، وهى عالم ساحر، من أكثر المؤلفين الذين جمعوا بين الكتابة والفلسفة، خلف كل كتاباته مقولات فلسفية، وأقرأ كتاب «بيت النخيل» لطارق الطيب وكتابات أخرى.