الكاتبة رشا عبدالمنعم: دور النشر ترفض طباعة الأعمال المسرحية.. والنقد يساعد المبدع على تطوير تجربته
الكاتبة والناقدة المسرحية رشا عبدالمنعم، مبدعة حقيقية، قدمت للمسرح المصرى أروع الأعمال التى أسهمت فى إعادة إقبال الجمهور، خاصة من شريحة الشباب على «أبوالفنون»، من خلال مسرحيات ملهمة مثل «قواعد العشق الأربعون» و«أطياف المولوية» وغيرهما.
تخرجت «رشا» فى كلية دار العلوم جامعة القاهرة عام ١٩٩٥، ثم حصلت على دبلومة الأدب المسرحى عام ١٩٩٨ بتقدير امتياز، ثم بدأت الكتابة للأطفال، وتنوعت أفكار وموضوعات أعمالها بين الصوفية وقضايا المرأة، وقدمت أعمالًا مستوحاة من أحداث واقعية.
فى السطور التالية، تتحدث الكاتبة الكبيرة لـ«الدستور»، حول رؤيتها للمشهد المسرحى الحالى، متطرقة إلى الأفكار والآليات التى اعتمدت عليها فى كتابة أعمالها، وغيرها من التفاصيل الخاصة بالمسرح.
إلى نص الحوار:
■ ما سر تحولك إلى دراسة المسرح؟
- بدأت بكتابة شعر العامية، وأصبحت لدىّ اهتمامات بالمسرح، كان أمامى اختياران، إما أن أقدم فى دبلومة الأدب المقارن، أو الأدب المسرحى بجامعة القاهرة، فى تلك الفترة كنت أعمل فى تدريس اللغة العربية، ورشحنى الفنان يحيى نائل لكتابة شعر مسرحية عن «سناء محيدلى»، من إخراج عباس أحمد، وكان مطلوبًا أن يكون الشعر باللهجة الشامية، فوجدت الأمر صعبًا علىّ، لكنى حضرت البروفات، وكانت تقام فى نقابة الصحفيين، وأخذتنى أجواء البروفة، فوجدت أننى أقرب إلى دراسة الأدب المسرحى.
■ حدثينا عن بداياتك فى الكتابة المسرحية؟
- بدأت كتابة أول نص مسرحى لى فى أثناء دراسة الدبلومة، تلقيت تشجيعًا كبيرًا من أساتذتى، وأثناء دراستى فى تمهيدى الماجستير، رشحنى أستاذى عبدالمنعم تليمة لتقديم النص الذى كتبته لمسابقة الشارقة، ولم أكن أتوقع الفوز، لكن حصلت على المركز الأول، وظللت أتواصل مع مسرح الجامعات، وحصلت على تشجيع من المترجم الكبير الدكتور محمد عنانى، حيث طلب منى أن أكتب فى مجلة المسرح من ١٩٩٩ حتى ٢٠١٠، وكان له فضل كبير علىّ.
■ تلقيتِ ثقافة متنوعة.. ما أبرز الكتب التى أثرت فى مسارك الإبداعى؟
- قراءة النصوص المسرحية نفسها، وأكثر كتاب أثروا فىّ هم ستراندبرج، وبريخت، وسعدالله ونوس، وميخائيل رومان، إلى جانب قراءات فى علم النفس، مثل نظريات «فرويد ويونج» والنظريات الأحدث فى الفلسفة، وقد درست الفلسفة الإسلامية فى الجامعة، وبعد الجامعة تنوعت قراءاتى فى الفلسفة، وأفادنى ذلك فى تكوين وجهة نظر فى الحياة.
الكتابة هى رؤية العالم، والكاتب يكوّن وجهة نظره من خلال البعدين المعرفى والثقافى، والحياة اليومية التى يعيشها، وكذلك التاريخ والأدب الشعبى، مثل «ألف ليلة وليلة» التى ألهمت العالم، وكل ذلك هو مصدر إلهام حقيقى لى، وأنا أعتبر التاريخ هو مرآة الشعوب، لأنه يساعد على فهم ماضينا وواقعنا المعاصر، وكثير من حوادث التاريخ ملهمة.
■ أعددت مسرحية «دعاء الكروان» المأخوذة عن رواية الدكتور طه حسين.. ما كواليس هذه الخطوة؟
- كانت المخرجة كريمة بدير تجهز عرضها الأول فى مسرح الغد، وتم ترشيحى للإعداد المسرحى لـ«دعاء الكروان»، فى ظل رغبة لإضافة الرقص الحديث على أداء الممثلين، وكانت لى تجربة فى الكتابة لمسرح الرقص الحديث مع المخرج محمد فوزى والمخرج طارق الدويرى.
وتحمست للرواية للغاية، وكنت أشعر بأن هناك شيئًا جديدًا أريد أن أقوله من خلال العرض، أو أدخل فى علاقة جدلية مع الرواية، وركزت بشكل أكبر على دوافع الفعل عند المهندس والخال، وما هى الدوافع الاجتماعية التى سببت الحادثة وكيف نمنعها؟، والرواية كانت تحديًا كبيرًا، خصوصًا أنها تحولت لفيلم عظيم بقى فى ذاكرة الناس، وعملت على النص بتجريب أكثر ليركز على بُعد درامى جديد.
■ ماذا عن «قواعد العشق الأربعون»؟
- «قواعد العشق الأربعون»، تم وضعها وفق رغبة المخرج عادل حسان، لأنها رواية متداولة بين الشباب، وتحتوى على أفكار تكرس ثقافة التسامح وقبول الآخر، وهذا ما نحتاجه بشدة فى تلك الفترة.
ولم أكن قد قرأت الرواية بعد، لكن بعد قراءتها، تحمست لها واخترت الاكتفاء بالخط الدرامى الذى يربط بين جلال الدين الرومى وشمس الدين التبريزى، وكان معى فى الكتابة فريق متميز مكون من ياسمين إمام وخيرى الفخرانى، وعملنا على النص لمدة ٦ أشهر، وتمت كتابته على٣ مرات حتى استقررنا على نسخة العرض.
■ هل لديك تجارب أخرى فى الكتابة الصوفية؟
- درست الفلسفة الإسلامية فى الكلية، فانجذبت للشعر الصوفى، وتكونت فى كتابتى نزعة صوفية بطريقة غير مباشرة، ولدىّ أكثر من تجربة فى هذا الاتجاه، فقد عملت نصوصًا تحمل عناوين، مثل «حديقة الحيوان» و«البعيد»، وهى إعداد مسرحى عن أشعار يانيس ريتسوس، ترجمة الشاعر الراحل رفعت سلام، واشتركت فى نص «أطياف المولوية» مع المخرج انتصار عبدالفتاح، الذى وضع الفكرة الدرامية والتصور، وكتبت الحوار والتصعيد الدرامى للشخصيات، حيث تترقى فى طبقات الصوفية، واعتمدت على متون «هرمس» وأشعار القديسة مارى تيريزا، وتم عرض العمل فى المهرجان التجريبى ٢٠٠٩.
■ من أين جاءتك فكرة مسرحية «الطريقة المضمونة للتخلص من البقع»؟
- استلهمتها من واقعة حقيقية حدثت فى الإسكندرية عام ٢٠٠٧ لزوجة قتلت زوجها باستخدام الصودا الكاوية، وكانت علاقته بها سيئة، وكان يضربها كثيرًا، وأثرت تلك الواقعة فى خيالى.
وكتبت المسرحية فى جلسة واحدة، وبدفقة شعورية واحدة، وهو نص مونودراما، البطلة تتحدث عن علاقتها بحبيبها، فهو مثل البقعة التى تريد إزالتها، لتتطهر داخليًا، والنص تحمس له الأستاذ محمود أبودومة رئيس ملتقى البحر المتوسط للمسرح، واختاره ضمن مجموعة نصوص للطباعة والنشر، من إصدار مكتبة الإسكندرية عام ٢٠٠٧، وتمت ترجمته للإنجليزية، وهذا سر أن العمل هو الأكثر رواجًا فى الإسكندرية، وتم تقديمه عدة مرات، وهو من أقرب النصوص شعوريًا إلىّ، لأنه أشبه فى كتابته بالشعر.
■ ما القضايا الرئيسية التى يسلط النص الضوء عليها؟
- النقد الاجتماعى «جندرى» للعلاقات فى المجتمع، والممارسات الذكورية ضد المرأة وهمومها فى الحياة.
■ لماذا يتم اللجوء إلى نصوص أجنبية فى المسرح؟
- هناك سبب أساسى له علاقة بالرقابة، فالمخرجون يلجأون إلى النصوص الأجنبية التى تقع أحداثها فى الخارج، وهذا ما يسمى بـ«تغريب المشاهد عن الموضوع»، ليبدو العمل وكأنه يحدث فى مكان آخر.
وهناك سبب آخر يكمن فى مشكلة ضعف نشر وتداول النصوص المسرحية الجديدة، والمشكلة ليست فى عدم وجود مؤلفين مصريين، حيث يوجد الكثير ممن لديهم إنتاج مهم، لكن الأزمة تكمن فى دور النشر الخاصة التى لا تنشر نصوصًا مسرحية، فالرواية هى الأكثر تداولًا، ثم تأتى القصة القصيرة والشعر، ثم المسرح فى آخر القائمة.
■ حدثينا عن قدوتك فى الإبداع المسرحى؟
- لست نتاجًا لشىء واحد، لدىّ مصادر إلهام متعددة لها تأثير كبير فى حياتى، ولكن فى المسرح بشكل خاص، هناك نموذجان تأثرت بهما، الأول الدكتورة ألفت الروبى، أستاذتى فى دبلومة الأدب المسرحى، والثانية الدكتورة نهاد صليحة، من خلال قراءة كتبها، وهى من وجهتنى للمسرح المستقل.
■ الجوائز.. كيف ترين مسارها.. وآليات التقييم التى تعتمدها؟
- أنا مؤمنة بأن معايير وجماليات الفن نسبية، فكلمات أفضل وأحسن وأجمل، تعبيرات سخيفة جدًا، وكل ما هو على وزن «أفعل» لا يتناسب مع الفن، فالفن لا يتحدد بقواعد، أو وجهة نظر ضيقة.
وفى واقعنا الحالى الفرص قليلة، ونعمل فى سياقات إنتاجية صعبة، والمسابقات تخلق صراعات ولا تحدث تنمية، وأصبح لدينا ما يسمى بـ«باترون» للنص المسرحى الذى يفوز بالجوائز، فهناك من يكتبون بالشكل والطريقة التى تتناسب مع المسابقات ويفوزون فيها، وأنا لست ملتزمة بلغة أو سياقات اجتماعية محددة للكتابة، ولو حصلت على جائزة أفضل، فإنى أعرف أننى لست الأفضل.
■ كيف ترين العلاقة بين الكاتب والناقد؟
- النقد ضرورى، يساعد المبدع على تطوير تجربته، ويعتبر عينًا ثانية تقيم وتلقى الضوء على مناطق القوة والضعف، ولكن هناك دور غائب للنقد فى متابعة النصوص الجديدة للكتاب المصريين، يوجد نقد لنصوصهم لكن شحيح جدًا.
والنقد والإبداع أدوار مكملة لبعضها، الناقد يساعد أصحاب العمل الفنى لكى يروا منتجهم بعين أخرى عالمة، ومصطلح الدراماتورج نشأ فى أوروبا استلهامًا من أهمية النقد.
■ ما اقتراحاتك لتطوير المسرح فى مصر؟
- مسارح الدولة لا تستوعب كل فنانى المسرح فى مصر، الدولة تقدم أشكالًا مختلفة للفرق الحرة، سواء الهواة أو المحترفين، وأقترح دعم إجراءات تأسيس وتطوير الكيانات الحرة، وتقديم مساعدة مالية فى إنتاج المسرحيات، وإتاحة التدريب طول الوقت، وأنا سعيدة بما تقدمه الدولة من ورش تدريب، مثل «ابدأ حلمك»، ومركز الإبداع الفنى، ولكن ينقصنا تدريب التقنيين، ونحتاج لإحداث طفرة فيما يخص تقنيات المسرح، الصوت والإضاءة، عن طريق إرسال بعثات فنية للخارج، لأن التقنيات هناك قديمة.
■ حدثينا عن مشروعاتك المقبلة؟
- أحدث عمل لى هو «شبابيك عطية» أخرجته دينا أمين للجامعة الأمريكية، وحاليًا أعمل على مشروع بالتعاون مع المخرجة كريمة بدير.