رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«نقيق».. صورة إنسانية واجتماعية لمآسى الحرب السورية

نقيق
نقيق

قدم المخرج الشاب مهند المهدى عرضًا يحمل اسم «نقيق»، تأليف الكاتبة السورية روعة سنبل، ضمن منافسات مهرجان القاهرة الدولى للمسرح التجريبى والمعاصر، على مسرح محافظة المنيا، الذى يناقش مآسى الحرب فى سوريا بين أطرافها المتعددة والمتداخلة.

ويناقش «نقيق» مأساة الحرب السورية داخل بيت «مى»، المرأة الأربعينية التى تعانى غياب زوجها، الذى سافر للعمل فى الخارج، ويرفض الرجوع إلى البلاد حتى تنتهى الحرب، وتتمنى لو لم تكن هذه الحرب قد بدأت، أو لو لم يكن زوجها قد سافر، أو لو لم تكن هذه هى حياتها فعلًا. 

وبسبب أزمات الحرب، تبدأ «مى» فى السقوط فى دوامات من الهذيان، تختلط فيها أمنياتها مع هواجسها وخيالاتها، ويظهر لها ضفدع فى هيئة بشر ليتحدث معها ويعترف لها بحبه، ولا نستطيع أن نميز بسهولة ما هو واقعها الحقيقى: هل هى امرأة تفنى حياتها فى خدمة حماتها، ورعاية ابنها؟ أم هل هى شخص يهلوس مع ضفدع فى هيئة إنسان ظهر لها فى غرفة الجلوس واعترف لها بأنه سقط فى غرامها؟ أم هى إحدى ضحايا الحروب التى فقدت ابنها بسبب الحرب، وغادرها زوجها ولم يعد بسبب الحرب؟

وفى السطور التالية، تقدم «الدستور» تحليلًا نقديًا لعرض «نقيق» من ناحية الفكرة والمضمون والأداء بمستوياته المختلفة.

يبدأ عرض «نقيق» بمحادثة هاتفية بين «مى»، وزوجها «عمار» المسافر بعيدًا، حيث تطل الأولى فى هيئة ذابلة، مع إضاءة شاحبة تغمر المكان، حيث تعد الطعام، وتلوم زوجها على سفره، وتخبره بأنها فى حاجة إليه، ليست هى فقط، بل هى وابنهما وأمه أيضًا.

لكن «عمار» يبدو هادئا دائمًا، باردًا فى تعامله مع الأمر، ويبرئ نفسه بتذكيرها أنه عرض عليها أن تسافر معه وقتما اندلعت الحرب، لكنها رفضت، فهى لا تستطيع العيش بعيدًا عن بلادها. 

وحاول المشاهدون تجميع القطع المتناثرة من حياة «مى»، خلال محادثتها مع زوجها «عمار»، لكن الرؤية الإخراجية، قررت منذ بداية المحادثة أن تضعنا فى بؤرة توتر متصاعدة، عندما تأكد لدى «مى» خلال المحادثة أن زوجها لا يأبه بها، ولا بابنهما «فراس»، وأنه لن يعود أبدًا من الخارج حتى لو تسببت الحرب فى عدم رؤيتهما لبعض مرة أخرى. فترتبك حركتها، وتتساقط الأشياء من يدها، وكأن ذلك إعلان لانهزامها أمام الواقع المرير.

وأطلت علينا «وفاء» والدة «عمار» فى البداية فى هيئة مريضة ألزهايمر، وقد قدمت الدور الممثلة الصاعدة رنا رشدى ببراعة منقطعة النظير، حيث يجمع أداؤها بين رعشة الخوف، والوحشة التى تشتعل فى أعماق المرء وهو يطأ مكانًا غريبًا لأول مرة، أو كمن استيقظ فوجد أشخاصًا لا يعرفهم فى منزله، لكنهم يعاملونه بلطف.

وتطلب «وفاء» من زوجة ابنها أن تقرأ عليها قصيدة «رقصة تانجو» للشاعر رياض الصالح حسين، التى يقول فيها: «قلبى سائغ للقضم.. ملجأ للأرانب الزرقاء»، فتصحح حماتها لها: «ملجأ للضفادع الخضراء».

وبمجرد أن تنصرف «وفاء»، تبدأ «مى» فى ترديد مقاطع القصيدة وهى تجهز أوانى الطبخ، ولكن فجأة يعترضها صوت غريب يصحح لها مقاطع القصيدة، ويجرى بينها وصاحب ذلك الصوت اتفاق، بأنه سيكشف لها عن شخصيته، وبمجرد أن تطأ الصالة وتفتح النور، ترى أمامها ضفدعًا على هيئة بشر. 

وقدم «نقيق»، حالة إنسانية شديدة الوعورة، تجمع بين الغموض والدراما النفسية، فى تصوير للتفاصيل الصغيرة التى تتساقط من الذاكرة ببطء، فالناس والوقت والمكان، أصبحوا بالنسبة لـ«مى» مثل الريح فى قبضة اليد.

ويتلاعب العرض بالمشاهدين طوال الوقت، لدرجة أنه ينتابنا الشك فى حقيقة كل شىء نراه مع مى، التى تجاهد بعنف لتقبض على حاضرها، لكننا لا نستطيع، وطوال الوقت نتساءل: أين نحن؟ ومتى حدث أو يحدث كل هذا؟.