أحدب نوتردام.. «الرداء لا يصنع الراهب»
اكتسبت رواية «أحدب نوتردام» للكاتب الفرنسى فيكتور هوجو شهرة عالمية واسعة، منذ صدورها عام ١٨٣١، ما دفع صناع الفن إلى تقديم العديد من المعالجات لها فى السينما والمسرح، أشهرها فيلم بنفس الاسم من بطولة أنتونى هوبكنز سنة ١٩٨٢، وفيلم رسوم متحركة فى عام ١٩٩٦، وصولًا إلى زمننا الحالى حيث تُقدم معالجة مسرحية للرواية على مسرح الطليعة، من إعداد الكاتب الراحل أسامة نورالدين، وإخراج ناصر عبدالمنعم.
تدور أحداث العرض المسرحى فى القرن ١٥، ويحكى عن أزميرالدا، التى تجسد دورها الممثلة رجوى حامد، وهى فتاة غجرية تأتى إلى مدينة باريس، وتشارك بالرقص فى أحد الاحتفالات الشعبية، فيقع فى حبها كل من الشاعر جرنجوار «يحيى محمود»، والأحدب كوازيمودو «جورج أشرف»، والأب كلود «محمد عبدالوهاب»، ورئيس الحرس فويبوس «حسام الشاعر»، ويدور الصراع بينهم جميعًا للفوز بقلب تلك الغجرية.
من خلال تصميم الديكور لحمدى عطية نعرف أننا فى باريس، وتحديدًا داخل كاتدرائية «نوتردام»، حيث توجد الأيقونات والجرس، مع تقسيم المسرح إلى مستويين، الأول خشبة المسرح التى تعبر عن ميدان فى باريس، وفى العمق مستوى أعلى يعبر عن غرفة «الأحدب كوازيمودو»، التى يصعد لها من خلال سلم، حيث يرى المجتمع بعين الطائر، ويكشف تناقضاته بين المظهر والجوهر والقبح والجمال.
يتكثف هذا التناقض فى شخصية «الأب كلود»، فهو تقى قديس جميل يرتدى ملابس رجل دين، بالنسبة لأهل المدينة، لكنه يعانى من صراع داخلى وانجذاب جارف نحو «أزميرالدا»، حتى تحول هذا الصراع إلى طاقة تدمير وكراهية لها، وهو ما عبرت عنه الغجرية من خلال حوارها معه فى مشهد الزنزانة: «لابس عباية أطهر الناس وتفعل أفعال الشياطين؟!!».
وترتدى «أزميرالدا» فستان الغجر، وتُتهم بالعهر وممارسة السحر، رغم أنها عكس ذلك تمامًا، لذا ربما هى التجسيد الحقيقى لمقولة الكاتبة نوال السعداوى: «إن شرف الإنسان رجلًا أو امرأة هو الصدق، صدق التفكير وصدق الإحساس وصدق الأفعال.. إن الإنسان الشريف هو الذى لا يعيش حياة مزدوجة، واحدة فى العلانية وأخرى فى الخفاء».
فى ضوء المقولة السابقة، فإن «الأب كلود» يعيش حياة مزدوجة، على عكس «أزميرالدا» التى يتسق مظهرها مع جوهرها، ومع ذلك، يرى المجتمع رجل الدين هو القديس الشريف، والفتاة الغجرية هى المذنبة.
أما «الأحدب كوازيمودو»، فبسبب تشوهات فى شكله، اعتقد أهل المدينة أنه شيطان، ففى العصور الوسطى كان يُعتقد أن التشوهات الشكلية بسبب قوى شيطانية، وبالتالى نُبذ ورُفض من المجتمع، واعتبره المجتمع قبيحًا، بينما «كلود» هو الملاك الجميل.
التناقض الذى يعيشه المجتمع يظهر أيضًا فى اللغة، فهناك تناقض شديد بين «كلود» الذى ينعت «كوازيمودو» بـ«القرد» و«المعتوه» و«المشوه»، و«أزميرالدا» التى قالت له: «أنت جميل» و«اسمك جميل»، فلمست هذه الكلمات قلبه، بعدما صارت تلك الفتاة الغجرية، التى نبذها وظلمها المجتمع، هى الوحيدة التى أدركت جماله الداخلى.
وعلى الرغم من موضوع المسرحية المأساوى، تم تقليل حدة المأساة عن طريق «جرنجوار» ومواقفه مع الغجر، إلى جانب «سوزى»، التى جسدتها آية خلف، وهى فتاة غجرية تفجر الكوميديا على مستوى نبرة الصوت والإيماءات.
كما أن محاكمة «كوازيمودو» تشهد عدم استماع القاضى «فلوريان»، الذى يلعب دوره محمد حسيب، لدفاع الأحدب عن نفسه، ويحدث سوء تفاهم، فتتحول هذه المحاكمة إلى مهزلة، فضلًا عن شخصية «جيدول» لـ«مى السباعى»، فرغم أنها تجسد دور أم ملكومة، أثار تفاعلها مع الممثلين فى احتفال «عيد الحمقى» كثيرًا من الضحك.
ومزجت الاستعراضات من تصميم كريمة بدير بين الرقص والألعاب البهلوانية، مع أغانى وأشعار طارق على التى امتزجت بتناغم شديد مع موسيقى وألحان كريم عرفة، فى توليفة أضافت جوًا من المرح والبهجة، فضلًا عن استخدام اللغة العامية، ما أتاح للممثلين فرصة للتناص مع أغانٍ وألفاظ نابعة من الثقافة المصرية.
تنتمى المسرحية لـ«الميلودراما»، حيث الإفراط والمبالغة فى المشاعر، خاصة فى مشهد المواجهة بين «كلود» و«أزميرالدا» فى الزنزانة، وعلاقة الحب المستحيلة بسبب قوة خارجية، وسط تقييم شخصيات نمطية وأحادية الجانب.
وعلى مستوى الملابس لم تتغير ملابس الشخصيات الأربع: «أزميرالدا» و«كوازيمودو» و«كلود» و«فويبوس» طوال أحداث المسرحية، وعبرت عن الخير فى كل من «كوازيمودو» و«أزميرالدا»، والشر داخل كل من «فويبوس» و«كلود»، مع التركيز على الأخيرين بإضاءة لونها أحمر للتعبير عن هذا الشر.
ويلعب «جرنجوار» دور الراوى، ويخبر الجمهور بما سيحدث فى نهاية المسرحية، وخلال الأحداث يخرج عن شخصيته ليعلق على موقف أو شخصية، ويخاطب الجمهور لحثه على التفكير فى حياته الشخصية ومجتمعه بنظرة ناقدة للأحداث، ليمنع ترقبه وانتظاره لما سيحدث، ويثير تفكيره بأن التنمر والحكم بالمظاهر ليس مجرد أحداث فى المسرحية بل موجودة فى مجتمعه.
فى النهاية استطاع المخرج، مع تضافر عناصر العمل من تمثيل وديكور وملابس وموسيقى وأغان واستعراضات، دفع الجمهور للتفكير فيمن هو القبيح ومن هو الجميل.. من هو الشريف ومن هو المذنب.
«أحدب نوتردام» عرض مسرحى يستحق المشاهدة، لما فيه من إبهار على مستوى الفكرة و الصورة.. ويمكنكم متابعته على مسرح الطليعة.