رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بخصوص أغانى المهرجانات وغيرها

 

لست أعرف إلى أى درجة يعبر قرار نقيب الموسيقيين بمنع مغنىّ المهرجانات عن وجهة النظر الرسمية، النقيب له كل احترام، لكن قراره خاطئ.. ما أريد أن أناقشه ما وراء القرار وليس القرار نفسه.. ما وراء القرار أن نقيب الموسيقيين لا يؤمن بفكرة مهمة هى «التنوع»، أساس هذه الفكرة أن مصر كبيرة جدًا، ولأنها كبيرة، فهى متنوعة، هذا التنوع تم إهماله لسبب أو لآخر.. الفن المصرى ليس الذى يقدمه أهل القاهرة فقط، أو ليس الذى يقدمه خريجو معهد الموسيقى العربية فقط.. هذه كذبة، فى مصر فلاحون، وأغانٍ تعبر عن الفلاحين، وأغانٍ تعبر عن البدو بمختلف مناطقهم، ولدينا فن يعبر عن سكان الواحات، ولدينا إنشاد صوفى، ولدينا أغانى مهرجانات، وأغانى راب، ومن الوارد أن تظهر لدينا أنواع أخرى من الغناء.. افتراض أن هناك «موسيقى صحيحة» و«موسيقى خاطئة» هو افتراض عبثى.. النخبة المصرية المتعلمة تتولى مواقع المسئولية فى مصر لأسباب لها علاقة بكفاءتها، وحصولها على تعليم مناسب، واعتبارات أخرى، هى تسهم فى إدارة مصر، لكنها ليست مصر.. مشروع حياة كريمة، الذى يتولى إعادة إحياء الريف المصرى، يجب أن يجاريه اهتمام بالفنون فى القرية الريفية، وبالأغانى التى كان يغنيها الفلاحون والتى اندثرت غالبًا، فى الستينيات كان هناك اهتمام كبير بالغناء الشعبى «الفلاحى» أساسًا، ضمن مشروع كبير بقيادة زكريا الحجاوى، مع انتشار وسائل الاتصال، والقنوات الفضائية، اندثر غناء القرية، وأصوات مداحى الموالد، وكل ما له خصوصية، لحساب موسيقى جيدها قليل ورديئها كثير، أغان مسروقة من ألحان تركية وغربية، وكلمات معاد إنتاجها، تتحدث عن الهجر والصد ولعبة الفار والقط بين الحبيبين بسياقات مختلفة.. موسيقى المهرجانات هى بنت التطور التكنولوجى، وبنت حاجة الطبقات الشعبية لكلمات تعبر عنها، يمكن اعتبارها نتيجة رداءة الأغنية التقليدية بعد وفاة المطربين الكبار وتعثر جيل الثمانينيات أو معظم مطربيه، ما نراه من تجاوز، أو ابتذال، أو خروج فى أغانى المهرجانات هو انعكاس لتغيرات وتشوهات حقيقية فى الشارع المصرى، تعمل الدولة على معالجتها وإصلاحها حاليًا، وبالتالى فإن الحل يكون حول تطوير هذا الفن، واستخدامه فى إيصال رسائل إيجابية للطبقات الشعبية، ليس مطلوبًا السكوت على أغنية خارجة، يمكن للنقابة أن تستدعى المتجاوز، وأن تحرر له محضرًا، وهو سيستجيب لأن النقابة لم تحرق ورقة المنع، واحتفظت بها لتجبر المطرب على الالتزام.. شىء جميل جدًا أن يبدع البسطاء فنًا، وأن يغنوا عن واقعهم، لأن البديل هو أن يتطرفوا، أو يحملوا السلاح، أو يحولوا طاقة غضبهم إلى نار تحرق المجتمع، لا نريد أن تنزلق النخبة بمختلف أطيافها إلى ممارسات التعالى على الشعب، والانفصال عنه، والتأفف منه، منذ صدور قرار النقابة الذى ضم أسماء مطربى المهرجانات، ظهر «تريند» جديد يقوم على السخرية من أسماء شهرة مطربى أو «مؤدى» المهرجانات، بعض الأسماء غريب بالفعل.. لكن من قال إن كل الأسماء يجب أن تكون «أحمد، ومحمد، وهانى» إلى غيرها من الأسماء التى اعتدنا عليها مؤخرًا.. هذا الشعب به عائلات كبيرة تحمل أسماء مثل «الحيوان، والجحش، والعبيط» مع كل الاحترام لأصحاب هذه الأسماء طبعًا، بعض القرارات الفرعية تكون عبئًا على الدولة، وليس عونًا لها، القرار يترجم لعناوين فى الإعلام الأجنبى عن منع نوع من الفنون فى مصر، نريد أن نقلل أخبار المنع فى مصر عن الإعلام الأجنبى، لا نريد أن نمنع سوى ما هو خطير على أمن الوطن، ما يمكن التعامل معه بالنصح والإرشاد لا يجب التعامل معه بالمنع، مؤخرًا كان الرئيس السيسى يجيب عن سؤال حول عدم إصدار قانون يلزم الأسرة بطفلين فقط، قال إن القانون لو لم تتمكن الدولة من تنفيذه، فلا داعى لإصداره، لأنه يهز هيبة الدولة التى أصدرته، هذه وجهة نظر رئيس الدولة بخبرة سنوات طويلة فى القيادة والأمن والسياسة، قرار نقيب الموسيقيين ينطبق عليه نفس الرأى، يُضعف هيبة النقابة، المطربون سيغنون عبر يوتيوب وعشرات المنصات الأخرى، نريد تقويم هؤلاء المطربين، وتطوير المهرجانات نفسها، وليس أى شىء آخر.. والله أعلم.