رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«جروبات الماميز» حداثة ضد التطوير

فى مصر ظاهرة اجتماعية جديدة اسمها «جروبات الماميز»، وهو نطق عربى لتعبير بالإنجليزية يعنى «مجموعات الأمهات»، لكن هذا الازدواج اللغوى ليس هو التناقض الوحيد، الظاهرة بنت تطور التليفون المحمول وبنت تطبيق «واتس آب» على وجه التحديد، أو فى الأغلب الأعم، وهى تضم الأمهات اللاتى يدرس أبناؤهن فى صف دراسى واحد أو فى مدرسة واحدة، وهى كما يبدو تجتذب فى الأغلب الأعم الأمهات من الشريحة العليا من الطبقة الوسطى من اللاتى يدرس أبناؤهن فى المدارس الخاصة بتنويعاتها المختلفة، التى تكاثرت خلال العقدين الأخيرين فى مصر حتى أصبحت هى أساس التعليم للطبقة الوسطى المصرية مهما كانت التضحيات التى تقدمها الأسرة، جروبات الماميز غالبًا ما تعبر عن مأساة جديرة بالاحترام والتعاطف أيضًا.. فالغالبية العظمى منهن ربات بيوت، يعانين من الفراغ، والافتقاد للعب دور مؤثر، مع غياب معاناة اقتصادية حقيقية، وانشغال الأزواج فى السعى لطلب الرزق والبقاء خارج المنزل ساعات طويلة لسبب أو لآخر، هذا الوضع ينتج عنه أن حياة الأطفال وشئونهم الخاصة هى الملعب الوحيد الذى يمكن للأم أن تثبت فيه جدارتها واستحقاقها، وهو أيضًا الملعب الذى يمكن أن تثبت فيه أنها صاحبة رأى وتأثير فى الأخريات وقدرة على إقناعهن بوجهة نظر معينة أو للسير فى اتجاه معين.. فى البداية وفى حدود ما لاحظت كانت هذه المجموعات الصغيرة تتناقل انطباعًا عن مدرس مادة معينة فى فصل معين، أو شكوى من أتوبيس المدرسة الذى يطلق عليه «الباص»، أو إعلانًا عن مرض تلميذ معين حتى يأخذ الآخرون حذرهم.. مع مزيد من انتشار «واتس آب» و«فيسبوك»، ومع مزيد من التليفونات الذكية، بدأ مجتمع الماميز فى التطور، وانفتحت مجموعات على بعضها، واتضح للبعض أن هذه مجموعات آمنة لممارسة الشغب مأمون العواقب، وظهرت كمية كبيرة من الإفتاء فيما يتعلق بشئون التعليم من سيدات لم تتح لهن الظروف استكمال الخبرات اللازمة للمساهمة فى هذا الشأن الخطير.. كانت الدعوة لإغلاق المدارس فى بداية ظهور كورونا أول إسهام لـ«الماميز» فى الشأن العام، ثم تطورت الأمور لحملة خرافية ضد ما سمى بـ«منهج رابعة ابتدائى» وهو كما فهمت من وزير التعليم منهج يقوم على الفهم بدلًا من الحفظ، ويعتبر نقلة للطالب بعد مناهج السنوات الثلاث الأولى التى تتم فيها معاملته على أنه طفل صغير، وقد وجدت صديقة على «فيسبوك» تنشر صورة لمنشور لأحد جروبات الماميز يهددن فيه باللجوء للأمم المتحدة بسبب مناهج رابعة ابتدائى!! ولم أعرف هل المنشور جد أم هزل، لكن قمة الهزل أن يكون المنشور جادًا..!

دعك من أن الأمهات ينازعن وزير التعليم فى وجهة نظره رغم أنه خبير عالمى فى التعليم لدى اليونيسكو ودارس بأكبر جامعات الغرب، الفكرة أعمق من هذا.. أولياء الأمور يقيسون المناهج حسب قدرتهم هم على الاستيعاب وليس قدرة أطفالهم.. القاعدة تقول إن الطفل أكثر ذكاءً، وإن عقله صفحة بيضاء تحتمل كل ما يكتب فيها، وإننا إذا عودنا الطفل على مناهج تخاطب عقله وطريقة تفكيره فسيتسع عقله لاستيعابها.. لكن أولياء الأمور لدينا يريدون أن يحصل أبناؤهم على شهادة لا أن يتعلموا وبين الاثنين فارق كبير.. جروبات الماميز هى إحدى علامات الحداثة المهدرة فى مجتمعنا حيث لدينا «آيفون» فى كل يد، لكنه لا يساعدنا على العلم والعمل والتعلم، ولكن على نشر المزيد من التفاهات.. وهذه مأساة فى حد ذاتها.