رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عالِم ينشر الجهل

 

الواعظ الأزهرى الشيخ محمد أبوبكر نموذج لعالِم يعانى من الجهل، هو عالم بنصوص الشريعة، لكنه جاهل بمقاصد الشريعة، هو دارس فى الأزهر، لكنه لم يفهم روح الأزهر.. هو نموذج لمن يقودوننا للوراء فى وقت نحتاج فيه لوعاظ يأخذون بيدنا للأمام.. هو نموذج للأزهرى الذى لا نحتاجه وليس الذى نحتاجه.. على صفحته الرسمية كتب الشيخ محمد فتوى عجيبة مفادها أنه يعتقد أن الجن يمكن أن يقوم بسرقة الذهب والأموال من البيوت! وأن هذه السرقة قد تكون لحسابه أو لحساب من يسخره من البشر!! وأنه قد يحتفظ بالمسروقات فى عالم الجن، أو يضعها فى بيت أحد البشر ويأتى فى المنام لصاحبها ليرشده عن مكانها.. واستشهد العالم «الجاهل» بمقولة لابن تيمية يؤكد فيها أن الجن قد يمارس الضرر لمجرد الضرر دون وجود أى منفعة له فى ذلك، واستشهد «لا نفعنا الله بعلمه» بواقعتين حدثتا مع صحابيين جليلين تم تفسير السرقة التى تعرضا لها بأنها من فعل الجن!! انتهى اقتباسى من فتوى هذا «العالم- الجاهل» بمقاصد الشريعة.. وأبدأ فأقول إن هذا العالم الأزهرى هو أكبر دليل على حاجتنا لإصلاح الخطاب الدينى اليوم قبل الغد، وهذه الساعة قبل الساعة التالية، ولعله أكبر دليل على أن مَن يطالب بالإصلاح لا يطالب بالتخلى عن صحيح الدين، بل يطالب بالتخلى عن التفسيرات الخرافية للدين، التى لا يمكن أن يسير معها المسلمون فى طريق النهضة، هذا العالم ينطبق عليه القول بأنه «حافظ مش فاهم» فهو يحفظ نصوص الشريعة ولا يفهم مراميها.. إن الجن بكل تأكيد مذكور فى القرآن كقوى غيبية محجوبة عن عالمنا البشرى، وهذا حق، لكن تحديد ما يمكن أن تفعله هذه القوى، وأوصافها، وأسمائها، وصفاتها، هو محض خيال شعبى، تتداخل فيه مرويات غير مؤكدة، مع أقاصيص شعبية، مع أكاذيب خرافية، لا يصح أن يستند إليها عالم يحمل شهادة من الأزهر الشريف، ويرتدى زيه، ولعل فى كتابات الشيخ محمد الغزالى وما يجب أخذه منها وما لا يجب أخذه دليلًا واضحًا على هذا رغم أى خلاف سياسى معه.

ثانيًا: هذا «العالم- الجاهل» بمقاصد الشريعة، يفتقر للتفكير المنطقى، إذ يستطيع أى لص تُضبط المسروقات فى منزله أن يقول إن الجن هو الذى سرقها وأتى بها إلى منزله، أو أن يقول إن الجن هو الذى سيطر عليه وأرغمه على السرقة، وفى هذا تعارض مع قاعدة رشد الإنسان ومسئوليته عن أفعاله أمام الله، وأمام المجتمع.

ثالثًا: هذا «العالم- الجاهل» بمقاصد الشريعة يخلط بين ما هو دينى يجب أن نأخذه عن الصحابة وبين ما هو دنيوى يجب أن نرجع فيه لعقولنا وتطورات زماننا، وقد قال الرسول (ص) «أنتم أعلم بشئون دنياكم»، فقد كان الصحابة يعالجون أمراضهم بطرق لم نعد نتبعها، ولا يمكن أن نتبعها فى هذا العصر الحديث، وقد كان لديهم جوارٍ وإماء، ولم يعد لدينا جوارٍ وإماء فى هذا العصر، وكانوا يحاربون بطريقة لا يمكن أن نحارب بها، وبالتالى نحن لسنا ملزمين بتفسير ما يقول إن الجن سرق واحدًا من الصحابة! هذه محض خرافة بنت مجتمعها وليست بنت مجتمع العلم والقانون الحديث، لقد تعرض سعد بن عبادة زعيم الأنصار لحادث اغتيال سياسى وشاع بين الناس أن الجن قتله، فهل يمكن أن يقف محام أو وكيل نيابة الآن أمام المحكمة ليقول إن الجن متهم بقتل فلان أو علان؟ لا طبعًا.. هذه محض خرافات والقانون لا يعترف بالخرافات ولكن بالقواعد العلمية، والحقائق التى يمكن إثباتها على الأرض.

رابعًا: إن الشيخ محمد أبوبكر بهيئته والآراء التى يقولها هو نموذج مجسد لاختراق التيارات الرجعية والوهابية الأزهر الشريف طوال الأربعين عامًا الماضية، وهى جريمة علمية وسياسية وحضارية اشتركت فيها أطراف متعددة، ولعله من اللافت أن العالم-الجاهل لم يجد سوى رأىٍ لابن تيمية يستند إليه فى مسألة سرقة الجن البشر وهو من هو بالنسبة لتجار الإسلام السياسى والجهادى ومحترفى الإرهاب باسم الدين.

خامسًا: إن هذا العالم وأمثاله هو نموذج لفقر الفكر وفكر الفقر الدينى اللذين تحدث عنهما العظيم يوسف إدريس، حيث يؤدى الفكر المتخلف إلى الفقر، ويؤدى الفقر إلى مثل هذه الأفكار المتخلفة، وأزيد فأقول إننا لكى نخرج من فقرنا يحب أن نتحول إلى مجتمع صناعى، ولكى نتحول إلى مجتمع صناعى يجب أن نحب العلم والبحث العلمى، ولكى نحب العلم، يجب أن نتوقف عن حب الخرافات والتواكل اللذين يزرعهما البعض فى عقولنا باسم الدين والدين منهما برىء، وطالما أننا لا ندرك الفرق بين التدين الحق والخرافات فسنظل نكره العلم والعمل، وما دمنا نكره العلم فلن نتقدم، وما دمنا لن نتقدم فسنظل فقراء، وما دمنا سنظل فقراء فسنفكر كل عدة سنوات أن نقوم بما نعتقد أنه ثورة، ونهدم ما بنيناه، وسيسرق هذه الثورة التيار الذى ينتمى له هذا «العالم- الجاهل» ليروِّج مزيدًا من الخرافات.. تؤدى لمزيد من التخلف ولمزيد من الفقر ولمزيد من الغضب.. إلخ، وسنظل هكذا فى دائرة لا تنتهى.. بينما العالَم يخطو محلقًا فى السماء.. وينظر باندهاش إلى هذه المنطقة من العالم التى ما زال فيها شخص يستخدم الآى فون ويدخل على فيسبوك، ليكتب أن الجن يسرق الذهب والنقود إذا تركتهما فى مكان مفتوح!!! يا فضيلة شيخ الأزهر.. هذا عالِم يسىء فهم اعتزازك بالتراث، فاشرح له من فضلك.