رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ولماذا لا ننقل المقابر كما هى؟

موضوع مقابر القاهرة التاريخية موضوع آخر من الموضوعات التى يختلط فيها الحق بالباطل، السياسة بالتاريخ، الرغبة فى الكيد بالرغبة فى الحفاظ على التراث، هناك تحذيرات وتخوفات، لكن لم يحدث أى شىء على أرض الواقع، على موقع فيسبوك وجدت صفحة بعنوان «إنقاذ جبانات القاهرة التاريخية» لا أعرف من أنشأها، وهل هدفه سياسى، أم ثقافى، وهل هو معنا، أم علينا، وهو ينشر من حين لآخر صورة لمدفن قديم، وهو ما يجعلك تشعر بأن هذا المدفن فى خطر، لكنك عندما تتقصى الأمر تجد أن أحدًا لم يمس المدفن.. ولكنها شائعات وتخوفات من أن يؤدى شق محور «غير محدد الاسم» إلى إزالة بعض المقابر غير معروفة العدد.. من جهتى أطالب بالحفاظ على كل ملمح تاريخى فى القاهرة، وأطالب بإيجاد الحلول الهندسية لتلافى مناطق الآثار ما دامت تكلفة هذا فى حدود الممكن، لكننى فكرت أيضًا أن الحل قد لا يكون إزالة مقبرة ما، ولكن نقلها من مكانها كما هى، وأعتقد أن هناك حلولًا علمية وهندسية تكفل هذا.. لو افترضنا أن لدينا مقبرة من الأربعينيات مثلًا.. لها طراز معمارى معين، وأنها بالصدفة تقع فى طريق مشروع معين، فالحل هو أن ننقل المقبرة كما هى، بنفس طرازها المعمارى لمكان آخر.. قد يكون فى نفس «القرافة» وقد يكون على مساحة أوسع فى الصحراء. 

الجدل حول المقابر أعادنى لتحقيق صحفى أجريته عام ٢٠٠٠، كان أساسه فكرة لعبدالرحيم شحاتة محافظ القاهرة، بنقل مقابر القاهرة القديمة، المشروع توقف بعد أن ترك الرجل منصبه، ثم أعيد مرة أخرى على يد د. مصطفى مدبولى عام ٢٠٠٧، وقتها كان الرجل مسئولًا عن مخطط القاهرة ٢٠٥٠.. هذا المخطط نُفذت مراحله الأولى على قدم وساق، ولا أعرف حقيقة هل سيتم تنفيذ مراحل أخرى أم لا، لأن الواقع متغير.. ما أعرفه أن جبانات القاهرة القديمة ممتدة ومتنوعة، وأن بها مقابر تاريخية، وأخرى ليست كذلك، فهى تمتد على ثلاثة آلاف فدان فى أهم مناطق القاهرة، التى حاصرها العمران، وهى ٢١ منطقة مختلفة، بعضها شهير مثل «الإمام الشافعى» و«الإمام الليثى» و«باب النصر»، وكلها فى سفح جبل المقطم، نتيجة اعتقاد دينى انتقل من الأقباط للمسلمين أن المقطم ينبت به شجر الجنة.. ولكن الحقيقة أن مناطق «القرافة» نسبة لقبيلة يمنية كانت تسكنها، تعرضت لإهمال شديد، وسكنها الأحياء، وبُنيت داخلها البيوت العشوائية، والورش الحرفية، وبلغ عدد ساكنى المقابر حاليًا ما يقرب من مليون ونصف ساكن، لا يختلف حالهم عن حال ساكنى المناطق العشوائية سوى فى تفاصيل بسيطة، وقد بلغ عدد القبور فى قرافات القاهرة المختلفة ما يزيد على مائة وعشرة آلاف قبر، لمواطنين عاديين، ولوجهاء المصريين فى بداية القرن، ولشخصيات تاريخية مثل الإمام الشافعى، وابن الفارض، وبعض سلاطين المماليك، المطلوب الآن فض الاشتباك، بين ملفات متداخلة، وأوراق مختلطة، ولا أعرف هل الخلط مقصود أم لا.. هناك فرق بين من يسكنون المقابر والمقابر نفسها، وهناك فرق بين المقابر العادية، والمقابر التاريخية، وهناك فرق بين المقابر غير الأثرية التى لها طراز معين، والمقابر التى ليس لها أى طراز.. هذه التفرقة مهمة، المشاريع التى قرأت عنها كانت تتضمن تخصيص ١٧ ألف فدان فى ٦ أكتوبر وحلوان لنقل قرافات القاهرة إليها، والاقتراح الذى أضيفه أن تنقل المقابر المميزة معماريًا كما هى، وأن تخطط الأحواش كما تم تخطيطها فى العشرينيات، والثلاثينيات، وهذا حق أصحابها.. أما المقابر التاريخية والمزارات فلا بد من ترميمها والمحافظة عليها وإزالة التعديات عليها، أما المقابر العادية، فيجب منح أصحابها مقابر بديلة وتعويضهم ونقلها لخارج العاصمة، والخطوة الأولى تكون فى إسكان بديل لسكان القرافات المختلفة، ضمن مشروع حياة كريمة، إن تحويل هذه المساحة الهائلة «٣ آلاف فدان» لحدائق ومتنزهات مخططة على الطراز الإسلامى والتاريخى من شأنه أن ينقل القاهرة نقلة أخرى، خاصة لو جاورتها أو تخللتها المزارات التاريخية والمملوكية، التى ستجاورها المشروعات السياحية المناسبة بما لا يخل بنسب الخضرة، ولا بالملامح التاريخية للمكان، إن من شأن البدء فى التطوير فورًا أن يُوقف المخاوف على المقابر التاريخية للأبد، لأن كل شىء سيكون واضحًا.. ما سيتم نقله، وما سيتم تطويره، وهكذا.. إننى أعتقد أن خطوة نقل المقابر للصحراء وبناء مساكن لمن يعيشون فيها، وتطوير المنطقة كلها، هى خطوة عملاقة تحتاج سنوات وسنوات، لكننا اعتدنا فى السبع سنوات الأخيرة من عمر مصر على التحديات، وعلى سباق الزمن، وعلى ترك الحقائق تتحدث على الأرض وترد على المخاوف والشائعات، ولعلنا نحتاج شيئًا مثل هذا فى موضوع مقابر القاهرة من أوله إلى آخره.