رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الهوى المصرى

منذ ٢٠١٤ عادت ظاهرة كانت اختفت منذ الستينيات، زاد تأثير مصر فى إقليمها بدرجة لافتة، أصبحت التجربة المصرية ملهمة للكثيرين فى العالم العربى، الجميع ينظر إلى مصر ويراقب ويتعلم.. جزء من هذا يحدث، لأن مصر هى مصر.. وجزء آخر يحدث بسبب نجاح الدولة المصرية فى الانتصار على كل الفخاخ التى نصبت لها.. الفوضى، الإرهاب، التحدى الاقتصادى، تماسك الجبهة الداخلية، إرث الدولة التى كانت على وشك الفشل، الطابور الخامس، العلاقة بالغرب، والإدارات الأمريكية المختلفة، كل هذه تحديات اجتازتها مصر بكفاءة عالية.. التأثير المصرى فى المنطقة بدأ منذ ثورة ٣٠ يونيو، غيرت الثورة السيناريو العالمى الذى كان مرسومًا للمنطقة، واستغرق تسع سنوات لتنفيذه «بدأ منذ أحداث ١١ سبتمبر»، أسقطت الإسلام السياسى الذى كان يطرح نفسه كبديل للدولة الوطنية، شجعت الأصدقاء فى الخليج العربى على تبنى خيارات التنوير والدولة المدنية، بعد سنوات طويلة من الالتباس نتيجة عوامل تاريخية.. مع سقوط الإسلام السياسى تغيرت معادلات الصراع فى ليبيا وفى سوريا، وهى مناطق ارتباط استراتيجى لمصر بحكم عوامل كثيرة تاريخية وجغرافية، نفس الوضع فى غزة، التى وجدت حركة حماس فيها أن عليها أن تكون أكثر انضباطًا وطاعة فى التعامل مع الدولة المصرية.. عادت ظاهرة وجود قادة يرتبطون بالنموذج المصرى، ويعرفون قيمة التعاون مع مصر.. على رأس هذه الدول العراق الحبيب، بين العراق ومصر ما لا يمكن تصوره من وشائج القربى والنسب، كلا البلدين صاحب حضارة عريقة، وكلاهما كان من حواضر الخلافة فى العالم العربى، سبقت مصر المنطقة كلها مع تجربة محمد على، ولكن العراق بقى يحمل جينات الحضارة، فى الثمانينيات دعم الجيش المصرى العراق بكل ما يمكن تخيله، كان هناك ٤ ملايين مصرى مؤتمنون على العراق أثناء انشغال العراقيين فى الحرب.. ليس هناك قرية فى مصر لم يعمل أبناؤها فى العراق.. جرت فى النهر مياه كثيرة، واختلفت وجهات النظر، لكن إسقاط بغداد كان مقدمة لما حدث بعد ذلك فى القاهرة.. رئيس الوزراء مصطفى الكاظمى، نموذج للسياسيين العراقيين الذين يعرفون قيمة مصر، يقاتل للحفاظ على استقلال العراق وإبعاده عن سيناريوهات الهيمنة والتبعية، يعرف بأنه نظيف اليد، جاء بعد رؤساء وزارات دارت حولهم قصص فساد أسطورى، حجم ما سرق من ثروة الشعب العراقى يصل إلى ما فوق التريليون دولار.. هناك مسئول واحد قدر النهب فى فترته بخمسمائة مليار دولار.. محاولة اغتيال رئيس الوزراء العراقى هى رسالة ترهيب ضد سياسة الابتعاد عن الهيمنة، والاقتراب من العالم العربى.. لا تدخل مصر فى مهاترات مع أى قوى إقليمية، تتعامل مع الجميع باحترافية، وترتب أوراقها، وتتخذ خطواتها فى الوقت المناسب، من الطبيعى أن هناك قوى تمددت فى سنوات غياب مصر وتراجعها الإقليمى، ومن الطبيعى أن يكون هناك شد وجذب، لكن الأداء المصرى أكثر من مطمئن، وإلا لما حققت مصر كل هذه المكاسب فى هذه السنوات.. ما يجرى فى العراق، قلقًا من التوجه نحو مصر والعروبة، يجرى فى ليبيا بصيغة أخرى، بعض الخبراء فسر إيقاف نجلاء المنقوش، وزيرة الخارجية، على أنه عقاب لها على مطالبتها بخروج المرتزقة من ليبيا، هنا ستجد أن قوة إقليمية أخرى يقلقها حجم الدور المصرى فى ليبيا، فى حين أن هذا هو الطبيعى والعادى وما استقر عليه التاريخ لسنوات طويلة.. خلاصة ما أقول إن مصر عائدة وبقوة.. وإن القوى التى استأسدت فى غياب مصر تسير نحو التراجع على مدى العقد القادم، والذى أتوقع أن يكون مصريًا بامتياز.