كيف يمكن لآمال ومخاوف الخيال العلمي إلهام البشرية؟
في مقال بصحيفة "ذا كونفرسيشن" الأمريكية، سلّط كريس باك، المحاضر في الأدب الإنجليزي، الضوء على الأهمية التي من الممكن أن تمثلها سرديات الخيال العلمي في الواقع المعاصر، بما تفتحه من آفاق استيعاب لما ستؤول إليه التطورات التكنولوجية في المستقبل وما يتطلبه ذلك من تفكير في استراتيجيات التعامل مع المعضلات المتوقعة.
يوضح "باك" أنه أدرك أهمية روايات الخيال العلمي باكرًا، فمنذ كان طفلاً انغمس في قراءة كلاسيكيات الخيال العلمي مثل رواية "كثيب" لفرانك هربرت، وأدرك أن الخيال يمكن أن يساعد في التفكير والتخيل والعمل، قائلًا: ليس من المستغرب أن الخيال المناخي سرعان ما أصبح نوعًا معترفًا به في السنوات الأخيرة، فمن "سلوك الطيران" لباربرا كينجسولفر إلى "حرب أمريكية" لعمر العقاد، صار واضحًا أن الناس مهتمون بتخيل المستقبل المحتمل كوسيلة للتفكير في كيفية إخراج أنفسنا من هذه الفوضى.
ويتابع: إذا كان ثمة شيء يمكننا التأكد منه إلى حد ما فهو أن المستقبل سيكون مختلفًا جذريًا عما كنا نتخيله، لهذا السبب تستشير المنظمات والحكومات مؤلفي الخيال العلمي للمساعدة على التفكير في مخاطر وتحديات المستقبل بطرق لا يمكن للتخصصات الأخرى طرقها. ومع اقتراب مؤتمر "كوب 26"، مؤتمر الأمم المتحدة المؤجل والمعني بتغير المناخ لعام 2020 في غلاسكو، فإننا بحاجة ماسة إلى المزيد من هذه الدفقة الخيالية.
قوة القَص
يشير الكاتب إلى أن الخيال العلمي يُبلِغ عن الآثار السياسية والعلمية للخيارات التكنولوجية التي نتخذها، إذ تتكهن قصص الخيال العلمي وتشخص التجارب والمشاكل التي تجري في المناقشات العالمية.
ويضيف: الهدف من الخيال العلمي ليس حل مشاكل المجتمع (على الرغم من أن بعض أعمال الخيال العلمي تقدم حلولًا نحن كقراء مدعوون لنقدها ومراجعتها والدفاع عنها وحتى تبنيها)، ولا يتعلق الخيال العلمي بالتنبؤ. لذلك لا ينبغي تقييم الخيال العلمي على أساس نجاحه أو فشله في هذا الصدد. بدلاً من ذلك، يتمثل دور الخيال العلمي في التكهن بالاحتمالات.
إذن، فالخيال العلمي يقدم عوالم خيالية لاختبار الأفكار والقيم، ولمحاولة تخيل المستقبل الذي يمكن أن يخبرنا عن مجتمعاتنا الآن. يسعى هذا النوع إلى تجاوز افتراضات الزمان والمكان الفرديين من خلال توفير مجموعة من الطرق البديلة لتصور الأفكار والسياقات والعلاقات، إذ يمكن أن تساعدنا قراءة مثل هذه الروايات على التفكير بشكل تخميني فيما وراء الجوانب التقنية التي نتأقلم معها وفهم المواقف التي نتخذها كأشخاص وكمجتمعات تجاه هذه المخاوف.
دروس من الخيال للمستقبل
يستشهد الكاتب ببعض من أعمال الخيال العلمي التي يمكنها أن تقدم استبصارات فيما يخص الواقع المعيش. ففي رواية "كلمة العالم غابة" (1972) لكاتبة الخيال العلمي أورسولا لوجوين، تصف الكاتبة عالم الغابات الذي يسكنه مجتمع أصلي، والذي جرى احتلاله في وقت مبكر من الرواية وأزيلت الغابات بقوة لتزويد الأرض بالخشب.
تكشف الرواية عن التحول الكامل لمجتمع السكان الأصليين الذين يتعرضون لضغوط شديدة لتوفير قوة عاملة قابلة للاستغلال، وتخبر عن أثر عمليات إزالة الغابات على تغير المجتمعات وبيئاتها، ما يجعلنا نفكر في أهمية الاعتراف بالمشكلة والعمل على تطوير أخلاقيات الرعاية لهذه البيئات التي تقاوم الاستغلال العدواني.
وينتقل الكاتب للحديث عن ثلاثية كيم ستانلي روبنسون على كوكب المريخ (1992-1996)، الذي تعرض فيها لمجموعة من العلوم والتقنيات الممكنة لتكملة إنشاء طرق جديدة للعيش تتمحور حول العدالة الاجتماعية والبيئية.
يقول الكاتب: يطرح الخيال أسئلة مهمة، وينقح ويعيد النظر في جوانب العلم والمجتمع فيما يخص اللحظة المعاصرة، لكن روايات الخيال العلمي تحدد افتراضاتنا حول العوالم التي نريد أن نعيش فيها وتتحدى الروايات السائدة حول تغير المناخ كما أنها تقدم مجموعة من الحلول التكنولوجية الممكنة والتي يمكن أن تساعدنا في استجابتنا لأزمة المناخ.
ويشير الكاتب إلى "ثلاثية القمر" لإيان ماكدونالد (2015-2019)، والتي تعرض فيها إلى الآثار المحتملة لاستغلال موارد القمر، ما يدفع القارئ إلى التفكير في الصدامات الاقتصادية والسياسية الحتمية التي قد تنجم عن ذلك.
ويقول: يمكن أن يساعدنا الخيال العلمي على التفكير في قصصنا الخاصة عن التخفيف من حدة تغير المناخ والتكيف معه. مثل هذه القصص هي تجارب تصور الاحتمالات المستقبلية وتحاول إيجاد حلول لمشكلات المستقبل، ومحور العديد من هذه الرؤى هو التركيز على العدالة الاجتماعية والبيئية.
ويستطرد: صحيح أن محاولات تخيل المستقبل هي نتاج التفكير الطوباوي، لكن الطوباوية بهذا المعنى لا تعادل المثالية الساذجة، بدلاً من ذلك، فإن التفكير اليوتوبي هو التزام بالعمل من خلال الصعوبات والمآزق في لحظتنا المعاصرة دون إغفال المستقبل المحتمل الذي نتخيله ونود خلقه. ما يجعل الخيال العلمي ذا قيمة في جهودنا ضد تغير المناخ هو أنه لا يقدم لنا كلمة أخيرة، بل يدعو إلى استكشاف مفتوح وتجريب للقصص والأفكار. يشجعنا الخيال العلمي على بناء عوالم والتشكيك في العوالم التي نبنيها. يطلب منا اختيار المستقبل من بين مجموعة من الاحتمالات.