«200 جنيه».. فيلم الفرص المهدرة!
حقق محمد أمين مكانة مميزة كمؤلف ومخرج سينمائى منذ فيلمه الأول «فيلم ثقافى» الذى صدر عام ٢٠٠٠، فكان بمثابة شهادة سينمائية على نهاية قرن وعصر وبداية قرن وعصر جديد مختلف تمامًا.
ورغم النجاح الكبير الذى حققه الفيلم، لم ينجرف أمين وراء إغراءات الموجة الكوميدية السائدة، ولا أمام «نداهة» المسلسلات التليفزيونية، والنتيجة أنه لم يقدم سوى ثلاثة أفلام طوال عشرين عامًا، هى «ليلة سقوط بغداد»، «بنتين من مصر» ثم «فبراير الأسود»، ٢٠١٣. وهى أفلام تتسم بموضوعاتها الاجتماعية والسياسية الجادة، ومستواها الفنى الجيد، على الرغم من النزعة الحماسية، المدرسية، التى تغلب عليها.
بعد ثمانى سنوات من الغياب يعود محمد أمين بفيلم «٢٠٠ جنيه»، وهو، كعادة سيناريوهات محمد أمين، يحمل فكرة مختلفة، وإن كانت غير جديدة، فقد سبق أن قدمتها السينما العالمية بطرق كثيرة، من أشهرها الفيلم الأمريكى «الرولز رويس الصفراء» الذى يتتبع مصير سيارة فاخرة عبر عدة أشخاص يتناوبون امتلاكها، أو الفيلم الروسى «ليلة اكتمال القمر»، الذى تتنقل فيه الكاميرا من شخص لآخر وقصة لأخرى خلال ليلة واحدة.
البطل فى فيلم أمين ورقة نقدية قيمتها ٢٠٠ جنيه، نراها منذ مولدها فى مطبعة النقود، ثم انتقالها إلى إحدى المصالح الحكومية، لتبدأ رحلتها بين أيدى البشر مع سيدة عجوز تتسلم معاش زوجها الراحل، وتختم الورقة عن طريق الخطأ بالختم الذى يحمل اسمها. للسيدة ابن سائق توكتوك، لص ومنحرف، يقوم بسرقة الورقة النقدية من أمه، لينفقها فى أحد الملاهى الليلية، فتذهب الورقة، ونحن معها، إلى بيت الراقصة، ومنها إلى صيدلية، فمحطة بنزين، فبائع ملابس، فمدرس خصوصى، فسائق أوبر، إلخ.. إلخ، حتى تعود فى النهاية، كما لو كانت روحًا هائمة، لتنتقم من الابن المنحرف!
يعرض الفيلم عددًا كبيرًا من الشخصيات، ويشارك فى تمثيله عدد كبير من النجوم، كل منهم فى دور قصير، منهم إسعاد يونس، أحمد صلاح السعدنى، غادة عادل، خالد الصاوى، أحمد آدم، أحمد رزق، أحمد السقا، هانى رمزى، مى سليم، وليلى علوى. هذا العدد الهائل من الممثلين فى فيلم واحد يمثل عنصر جذب إنتاجيًا، يلجأ إليه كثير من صناع الأفلام والمسلسلات هذه الأيام، لكنه مناسب لفكرة «٢٠٠ جنيه» تمامًا.
.. لكن السؤال الذى يبدأ فى الإلحاح على المرء بعد مرور نصف الفيلم: إلى أين نمضى؟ وما الغرض من هذه الجولة السياحية بين نماذج وأماكن عادية، نعرفها ونراها يوميًا، قد تجعلنا نبتسم لحظة أو نرثى لحالها لحظة، ولكن سرعان ما تجرفها القصة التالية.
يبدو أحيانًا أن الفكرة التى تربط بين الشخصيات هى حب المال والاحتياج إليه مهما كان المستوى الطبقى الذى يعيش فيه المرء، ولكنها لم تنضج أو تتطور دراميًا بالشكل الكافى. كان من الممكن استغلال فكرة السيناريو وهذه العوالم المختلفة وكل هؤلاء النجوم، لصنع قصص مشوقة مؤثرة، يربطها خيط أسلوب وجو واحد، بدلًا من هذه القصص والنماذج النمطية، والسذاجة الإخراجية التى تصل إلى حد تركيز الكاميرا فى كل انتقالة بين القصص على ورقة المئتى جنيه المختومة تطفو على السطح!
يحمل سيناريو «٢٠٠ جنيه» إمكانيات لا حدود لها ويتيح عشرات من المعالجات المختلفة، ولكن الفيلم أشبه ببانوراما سطحية لا يربطها شعور أو رؤية متسقة للعالم، ولذلك لجأ «أمين» إلى الحل السهل، وهو تقديم «موعظة أخلاقية» ختامية على طريقة أفلام أحمد عبدالله وسامح عبدالعزيز.
مرة أخرى نجد أنفسنا أمام المعضلة الكبرى: فى الفن الفكرة ليست مهمة، ولكن المهم هو ما يفعله صناع العمل بالفكرة.