رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

علي جمعة: فطرة الإنسان تسعد بالطاعة وتشقى بالمعصية

الدكتور علي جمعة
الدكتور علي جمعة

قال الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق، وشيخ الطريقة الصديقية، «تتوافق فطرة الإنسان مع الدين، وتصبوا إليه، وتسعد بالطاعة، وتشقى بالمعصية، وإن كانت لاهية ومشغولة بها وقت وقوعها فيها، لكنها تكتئب بعد ذلك وتعود إلى النفس اللوامة، وهذا ما يوضحه ربنا في مطلع سورة الحجر حيث يقرر تلك الحقيقة التي تبين نفس المسلم، والفرق بينها وبين نفس الكافر، فتتفتح السورة بحروف مقطعة كما افتتحت غيرها من السور، وهذه الحروف تثبت أن القرآن أكبر من الناس، وأنه لا يزال غضا طريا وكأنه نزل اليوم، وأنه يحتاج إلى تدبر وتأمل ويحتاج إلى علم في قراءته، وأنه لا يغلق معانيه عمن استهدى بالله، وأنه هدى للمتقين، وعمى على الكافرين».

وأضاف جمعة، عبر صفحته الرسمية «فيس بوك»: « تلك الحروف التي لو جمعت لكونت جملة تصف معناه وتمدحه، وهي: (نص حكيم قاطع له سر)، فهو نص حكيم، وحكيم على وزن فعيل، وصيغة فعيل تأتي للدلالة على اسم الفاعل واسم المفعول، فهو حكيم في نفسه، ومحكم كذلك قال تعالى: ﴿لاَ يَأْتِيهِ البَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾، وهو قاطع  في هدايته، وقاطع في ثبوته، وقاطع في كونه كتاب حياة. وهو له سر، ومن أسراره تلك الحروف التي ذهب المفسرون كل مذهب في تفسيرها، ولا يزال الإنسان وهو يقرؤها يشعر بصغره من بعد تحصيله علوما شتى أمام كلام الله سبحانه وتعالى، والكلام واضح لا خفاء فيه، والعلو واضح والفخامة واضحة، والعظمة بادية على كتاب الله سبحانه وتعالى من أول حرف تقرأه».
 

وتابع: «هؤلاء يحلو لهم الدعوة إلى التغريب، ونحن لا نعرف ماذا يريدون؟ فإن المفكرين الغربيين الذين أثروا وغيروا في مجتمعاتهم أعلنوا عن أنفسهم صراحة، فمن أراد منهم أن يكفر أعلن أنه كافر، ومن أراد منهم أن ألا يكون كذلك أعلن عن نفسه كما هو، ولكننا نرى الآن أن الكافر يكفر بما عليه الإلحاد الأسود في القرن الثامن عشر والتاسع عشر، ثم يريد أن يسمي نفسه مؤمنا، ولا يستطيع ولا يريد أن يسمي نفسه كما هو، فإذا ما وصفه أحدهم بأنه كافر عد هذا من باب الإرهاب الفكري والتحريض عليه، في حين أن الآخرين أعلنوها صراحة وتحملوا تبعتها، لكن هؤلاء يريدون المواربة والتدليس واللف والدوران، ولذلك لا يكون لهم أي أثر فيمن حولهم».

وأكمل: «الجهل العلمي، والجبن الفكري، والضجيج المستمر، وحب الظهور، يخالف تماما الصفات التي يمكن بها التغيير، أي تغيير للخير أو للشر، وقد يفهم بعضهم مني الرضا بالعلمانيين وأنني أرسم لهم الطريق الصحيح لما أعده فسادا في ذاته، والأمر ليس كذلك، بل إنني أحاول أن أكشفهم أمام أنفسهم، وأمام الناس، وأن أضع النقاط فوق الحروف وتحتها، وأن ألفت النظر إلى التجربة المصرية التي وضعت أسس للتعايش بين سائر الأفكار المختلفة حتى التي في نهاية التطرف العلماني أو التغريبي ووضعت أسسا للحضارة التي تنتمي إليها وهي حضارة الإسلام وكيفية مشاركتها في الحضارة العالمية، وأن يكون لها موطئ قدم في الحضارة الإنسانية».

وزارد جمعة: «ثم تختم الآية بوعيد يفتح لهم آفاق التخيل لما يمكن أن يخبأه الله لهم من العذاب، فيقول سبحانه ﴿فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾ يقول ابن كثير في هذه الآية: وقوله: (ذرهم يأكلوا، ويتمتعوا، تهديد شديد لهم، ووعيد أكيد)، كقوله تعالى: ﴿قل تمتعوا فإن مصيركم إلى النار﴾ وقوله: ﴿كلوا وتمتعوا قليلا إنكم مجرمون﴾؛ ولهذا قال: ﴿ويلههم الأمل﴾ أي عن التوبة والإنابة ﴿فسوف يعلمون﴾ أي عاقبة أمرهم. [ابن كثير]، ثم يخاطب الله المؤمنين بأن لا يعجلوا على هؤلاء، ويدعوهم إلى معرفة سنته في مثلهم، فيعرفهم الحقيقة الثابتة والتي تتمثل في قوله تعالى : ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ﴾. لذا قال تعالى: ﴿وَمَا أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَهَا كِتَابٌ مَّعْلُومٌ * مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ﴾. وربنا يخبرنا بأن إهلاك القرى الظالمة كان في وقت قد وقته لهم لم يقدم هذا الوقت من أجل أحد، ولم يؤخر من أجل أحد كذلك، فالأمر بيد الله، وما علينا إلا الإنكار على أمثال هؤلاء في عصرنا، والاجتهاد في تربية أولادنا على الصالحات، والتحذير من هذا البلاء، وعلينا أن نقوم بعبادة الله، وعمارة الأرض، وتزكية النفس».