رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أين النخبة المصرية؟

من الناحية المنطقية فإن مشروع «حياة كريمة» يجب أن يحظى بإجماع المؤيدين والمعارضين فى مصر.. هذا مشروع يُلبى مطالبات تاريخية بتوسيع إجراءات العدالة الاجتماعية فى مصر.. ويُعيد دور الدولة فى رعاية مواطنيها وتوفير الخدمات الأساسية لهم، فضلًا عن إعطائهم حقوقهم فى الصحة والتعليم والسكن، والعمل.. وهى حقوق تراجعت خلال العقود الأربعة التى سبقت ثورة ٣٠ يونيو.. إذا كنت مؤيدًا فأنا بكل تأكيد مع هذا المشروع لأنه يعيد حضور الدولة المصرية فى حياة مواطنيها، ويسترد الدور الذى سرقته جماعات الإرهاب والإسلام السياسى نتيجة غياب الدولة فى العقود السابقة.. وإذا كنت معارضًا يساريًا فأنت بكل تأكيد تعلم أن هذا المشروع يدعم إجراءات العدل الاجتماعى ويعطى الفقراء حقوقًا غابت، ويسهم على المدى الطويل فى محاربة الفقر وتخفيف الضغوط على الطبقات الشعبية، وإنعاش الطبقة الوسطى ومدها بعناصر جديدة.. أما إذا كنت يمينيًا رأسماليًا من أنصار الليبرالية الجديدة فأنت لست فى حاجة لمجهود كبير كى تدرك أن هذا المشروع يصب فى مصلحتك، وإن إصلاح أحوال الفقراء وأهل الريف هو أفضل وسيلة لضمان سلامتك وسلامة استثماراتك.. وأنه من العقل إعطاء الأمل للفقراء والبسطاء حتى لا يتحولوا لقوة تدميرية يستغلها البعض من هنا ومن هناك فتحرق الأخضر واليابس.. ورغم كل هذا.. ورغم أن المشروع ونجاحه فى مصلحة كل من يعيش على أرض مصر بكل تأكيد.. ورغم أنه واحد من أعظم مشروعات الدولة المصرية الحديثة منذ عهد محمد على حتى الآن- إلا أننى أرى النخب المصرية فى حالة «فرجة» من بعيد.. وكأن لسان حال البعض يقول للرئيس ومن معه «اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون».. بالتأكيد طبعًا هناك من قدم التبرعات من رجال الأعمال، وهناك نجوم ومشاهير تطوعوا كسفراء لهذه المبادرة المهمة، ولكن ماذا عن الباقين؟، هذا المشروع هو مشروع الأمة المصرية كلها.. هو مشروع يجمع ولا يفرق، ويحتمل الآلاف من الاجتهادات.. أين نجوم السينما الذين لم يتطوعوا فى المبادرة، ولماذا لا يزورون القرى التى تحولت لورش عمل وبناء؟ إن هذه الزيارة ستكون أكبر دعاية للمشروع.. أين نجوم الغناء الكبار الذين حصدوا المليارات بفضل حب الناس لهم؟ لماذا لا نرى حفلًا غنائيًا فى هذه القرية أو تلك توجه حصيلته للمشروع.. أو حتى يكون مجرد إقامته دعاية للمشروع ولهذه القرية.. أين كبار الإعلاميين ولماذا لا ينتقلون بمعدات التصوير ليصوروا لنا حلقات كاملة من هذه القرى.. أعرف طبعًا أن الزملاء المراسلين يؤدون عملهم من هناك على أكمل وجه وفق خطة محكمة، ولكننى أتحدث عن دور المذيع النجم كوجه معروف فى التسويق للمشروع والحوار مع العاملين فيه.. كم سيرفع هذا من المعنويات.. كم سيعطى أهل القرى حقهم الذى سطت عليه مركزية المدن الكبرى لعقود طويلة.. نفس الأمر ينطبق على المثقفين الذين يكتفى بعضهم بأن يحلم بالعدالة والإصلاح لكنه يتوقف عن المشاركة فى تحقيقها.. نفس الأمر بالنسبة للأحزاب السياسية التى يجب أن يكون لها وجود رمزى فى المشروع وفق خطة المؤسسة التى تديره.. أنا هنا لا أتحدث عن العمل على الأرض لأن هذا تتكفل به الهيئة الهندسية والحكومة المصرية بكفاءة كبيرة.. أنا أتحدث عن البعد المعنوى وإيفاء المشروع حقه من الدعاية والترويج.. أن يصل معنى ما يحدث للناس ولا يتم التعامل معه على أنه شىء عادى أو نشاط روتينى، أو تحصيل حاصل لأنه ليس كذلك بالفعل.. على النخبة المصرية أن تتوقف عن السعى وراء المكاسب الشخصية، وأن تشارك فى بناء هذا البلد.. ومن لا يفعل عليه أن يصمت للأبد.