رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ثالوث الأعداء

 

إذا كان «الفقر والجهل والمرض» هى الثالوث الذى توافق الجميع على أنه عدو للبشرية كلها منذ مئات السنين، فإن هناك ثالوثًا آخر أعتبره الثالوث المعادى لحلم النهضة المصرية، وهو ثالوث «زيادة السكان والمخدرات والأمية».. إن هذه الآفات الثلاث هى أكثر الآفات التى تمسك بخناق المواطن المصرى البسيط وتعوقه عن أن يؤدى دوره فى نهضة مجتمعه، وللأسف فإن للآفات الثلاث جذورًا من تفسيرات دينية خاطئة ومتطرفة.. إننا للأسف لا نواجه أنفسنا بأن الزيادة السكانية التى تلتهم معدلات النمو الاقتصادى وتسابق القدرة على إنشاء المدارس هى أحد تجليات التدين السلفى الذى يأخذ بظاهر النص، ويسىء تفسير الحديث الشريف «تناسلوا تكاثروا فإنى مباه بكم الأمم يوم القيامة»، وهو بكل تأكيد يرتبط بمعنى القوة فى زمن الرسول الكريم وليس بمعناها حاليًا، حيث تقاس قوة الأمم بالإنجاز الاقتصادى والناتج القومى وليس بأى شىء آخر.. إننا فى هذه القضية كما فى غيرها ندفع ثمن عقود من انتشار التطرف وغياب دور الأزهر وانفلات الدعاة الإخوان والسلفيين، كما أننا بلا شك ندفع ثمن انتشار أفكار الفتنة الطائفية فى السبعينيات، حيث كان دعاة الفتنة يقنعون أبناء الشعب بأن عليهم أن يزيدوا من نسلهم حتى يحافظوا على التوازن مع الطرف الآخر.. لقد كانت هذه سنوات سوداء، عشت بعضها وأنا طفل صغير، ورغم أن ثورة ٣٠ يونيو أغلقت هذا الملف نهائيًا فإننا ما زلنا نعيش بعض آثاره وتداعياته السلبية، ولعلى هنا أعبر عن دهشتى من غياب حملة إعلامية وإعلانية جبارة تقودها الشركة المتحدة ويشارك فيها نجوم مصر ومشاهير الدعاة لإقناع الناس بأن قوتنا كمسلمين وكمصريين أيضًا فى تنظيم النسل وليس فى زيادته حتى لا نصبح «كثرة كغثاء السيل»، كما قال الحديث الشريف أيضًا، إن التفسير الخاطئ للدين واستخدام الإخوان وغيرها له هو عدونا الرئيسى فى هذه المعركة، وكما نعرف جميعًا فإنك لا يمكن أن تنتصر دون أن تحدد عدوك الرئيسى، أما الضلع الثانى فى مثلث أعداء الشعب المصرى فهو إدمان المخدرات بكل أنواعها، وهى عادة لها جذور تاريخية منذ زمن المماليك، حيث كان البعض يدخن المخدر المعروف بالحشيش الذى يصفه مؤرخو ذلك الزمان بـ«الحشيشة» لكن هذه العادة المرذولة كانت تنتشر بشكل مبالغ فيه، أحيانًا، وتتراجع أحيانًا فى شكل موجات ترتبط بالظروف السياسية والاقتصادية، حيث انتشر إدمان الكوكايين عقب احتلال الإنجليز مصر، واستطاع حكمدار العاصمة الإنجليزى راسل أن يقضى على هذه التجارة فى الربع الأول من القرن العشرين قضاء شبه كامل.. ثم عادت الموجة للارتفاع فى السبعينيات والثمانينيات وانبرت وسائل الإعلام فى الحديث عنها حتى علق الأديب الكبير يوسف إدريس على تلك المبالغة قائلًا بالغ الإعلام فى الحديث عن المخدرات حتى تخيلت أنها ستنزل من صنبور المياه إذا فتحته.. لكن الأيام أثبتت أن الإعلام لم يكن يبالغ، وأن تلك العادة المرذولة انتقلت من الطبقة الشعبية لشباب الطبقة الوسطى والشرائح العليا منها، وكان لذلك أسباب متعددة، منها تهميش الشباب، وغياب أى مشروع قومى يستوعب طاقتهم وسفر الآباء للعمل فى الخليج وتدفق الأموال على الأبناء دون رقابة، وتحدث البعض عن استهداف بعض الدول المعادية للشباب المصرى، وكان فى الخلفية أيضًا ذلك التفسير الدينى الخاطئ الذى يقول إن الآيات التى تحرم الخمر لا تنسحب على المخدرات، وأن ذلك يجعل تعاطيها أمرًا ليس محرمًا، ورغم تهافت هذا التفسير فإنه وجد رواجًا لدى بعض ضعاف العقول، وللأسف الشديد فإن نسبة الإدمان لدينا هى ١٠٪ من مجموع المصريين، وهى ضعف نسبة الإدمان العالمية فى أى مجتمع والتى لا تزيد على ٥٪، وهو ما يعنى أن لدينا عشرة ملايين مصرى مبتلى بهذا الداء الخطير الذى يخرج صاحبه من سوق العمل ويجعله مصدر تهديد وألم لأسرته، وتتفاوت تقديرات ما ينفقه المجتمع على هذه التجارة المحرمة، وإن كانت النسبة تتراوح بين عشرة وخمسة عشر مليار جنيه سنويًا، ورغم جهود الدولة فى مكافحة الإدمان فإن هذه الآفة الثانية تحتاج لحملة قومية جبارة تترافق مع مشروع حياة كريمة الذى يجب أن يكون مشروعًا لنشر الوعى بين المصريين قبل أى شىء آخر.. أما الآفة الثالثة لدينا التى تخلص منها معظم مجتمعات العالم فهى الأمية، التى تصل نسبتها فى مصر إلى ٣٠٪ من المصريين، وما أقصده هنا هو أمية القراءة والكتابة، فإذا أضفنا إليها «أمية المتعلمين» و«أمية الحاسب الآلى» نجد أنفسنا أمام نسبة كبيرة بالفعل.. يلعب العامل الاقتصادى وعمالة الأطفال والتسرب من التعليم الابتدائى دورًا كبيرًا فى انتشار هذه الظاهرة التى تحد من فرص انتشال المصاب بها من هوة الفقر أو تحسين حياته، أو انتقاله إلى طبقة اجتماعية أفضل، ولا شك أن مشروع حياة كريمة هو فرصة مثالية لاستيعاب آلاف الشباب من الراغبين فى محو أمية المصريين، على أن تكون الأولوية للأميين ممن هم دون الخمسين أو الأربعين، وهو هدف يمكن أن يتبناه اتحاد شباب الجمهورية مع غيره من منظمات المجتمع المدنى، حتى يتجاور بناء البشر مع إبداع بناء الحجر، وحتى نصل ببلدنا إلى ما نحب ونتمنى جميعًا بإذن الله.