رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تونس و"الإخوان" و "عبير" الاستفاقة

منذ إذاعة خطاب الرئيس التونسي وإعلان قراراته في مواجهة إخوان الشر والأخبار والتعليقات والتحليلات السياسية والاجتماعية والاقتصادية يتوالى بثها عبر كل وسائط الميديا العربية والعالمية، وفي الكثير منها ما تناول التجربة المصرية مع الإخوان والمقارنة بينها وبين التجربة التونسية معهم.. والبدايات والنهايات.. التكاليف والخسائر.. لحظات الاستفاقة واستضاءات التنوير.
وراعني مشهد وقوف الزعيم الإخواني رئيس البرلمان التونسي "الغنوشي" على باب البرلمان ممنوعًا من الدخول بأمر الدولة وأمر الشعب الذي أحاط بالمبنى، والكلام عن تفكير إخوان تونس في استنساخ حدوتة "اعتصام رابعة" وبداية احتلال ميادين تونس لزراعة الإرهاب والتخويف في الشارع التونسي الجميل!
والأمل كبير أن يتجاوز الشعب التونسي الأزمة بكل تبعاتها بعد الوصول للحظة الاستفاقة، وألا تكون لدى قوى الشر ذلك المخزون البشع من الكراهية والغل المتوارث الذي رأيناه في عيون أقرانهم في مصر لحظة شعورهم بضياع الجاه والسلطان وكشف مخازيهم على مدى تاريخهم الأسود، وصدق كاتبنا الكبير الراحل د. مصطفى محمود عندما أكد أن الكراهية نمو إلى تحت وليست إلى فوق إنها نمو يتغذى على نفسه ويأكل بعضه.
تكشف لنا النائبة البرلمانية التونسية الشهيرة "عبير موسى" رئيسة حزب الدستوري الحر التونسي والمرشحة الرئاسية السابقة عبر تصريحات صحفية إلى جريدة مصرية أن تنظيم الإخوان شعر بالخطر نتيجة الالتفاف الشعبى للحزب الدستورى الحر، الذي أتشرف برئاسته، نتيجة لمبادئ وقيم الحزب التي لا يحيد عنها، ونظرا لمصداقية الحزب، فقامت الحركة بتجنيد ميليشياتها من الأعضاء، وبدأوا بالتعنيف اللفظى والجسدى، من خلال كتلة ما يسمى "ائتلاف الكرامة"، وقد شهد العالم ذلك وأدانوا العنف، الذي مارسه كل من النائبين الصحبى صمارة وسيف الدين مخلوف.
وأكدت النائبة أن الإخوان قد كشفوا عن وجههم البشع ونظرتهم الدونية برفضهم أن تكون هناك امرأة قائدة من الصف الأول في العمل السياسى في البلاد، وكذلك أن تكون المرأة ناجحة في اكتساب شعبية لدى الرأى العام وتقود حزبًا يتصدر المشهد السياسى في تونس من خلال شعبيته التي تتزايد يوما بعد يوم بسبب مواقفه ضد الإخوان وكذلك كشفه لفسادهم.
وتبقى الأسئلة كثيرة حول كيف يحصل "الإخوان" وكل التيارات التي خرجت فكريًا من المعطف الإخواني والسلفي على تلك الجماهيرية التي توصلهم للحصول على ذلك التواجد البرلماني والحكومي والنقابي؟ كيف تكون البدايات؟ كيف يشكلون عوامل جذب لشباب البسطاء والمتعلمين والمثقفين؟ كيف لا تتعلم الشعوب من تجارب الصعود الإخواني المريب في البداية والمرعب في النهاية؟
حول كيف تكون بدايات جذب "الإخوان" للشباب، حكى القيادي الإخواني المصري الكبير "يوسف ندا" للكاتب الصحفي الرائع "شارل المصري" عبر حوار تاريخي ضمنه كتاب مهم "أسرار حياة يوسف ندا ــ الأب الروحي والمفوض السياسي للإخوان المسلمين" وعند سؤاله: كيف ولماذا انضممت إلى جماعة الإخوان؟
قال ندا: "هذا السؤال وجهه لي المدعي العام السويسري، والكل سألني هذا السؤال، حتى إنه تم توجيهه لي من قبل المخابرات الأمريكية والشرطة الفيدرالية الأمريكية، وهي قصة تركت بصمتها عليَّ في كل حياتي، وسأرويها لك كاملة، فبجوار منزلنا في الإسكندرية، كانت توجد شعبة من شُعب الإخوان، وذات يوم وأنا أغادر البيت كانت هناك "خناقة" في الشارع بدأت بشخص سب شخصًا آخر، واسم الشارع هو شارع أبوقير، والآن أعتقد أن اسمه تغير إلى شارع مصطفى كامل، وتحولت الخناقة إلى معركة بين عائلتين وأمتلأ الشارع عن آخره وأحتدمت المعركة وفوجئت بمجموعة من الأشخاص يلبسون ملابس الكشافة يتدخلون وبدءوا في فض المعركة وتهدئة الناس وطلبوا مشروبات، وجاءوا إلى داخل "الشعبة" بالمتعاركين ليقبلوا رءوس بعضهم البعض، وأنا أقف من بعيد أتفرج وكأنه فيلم سينمائي وأثناء ذلك أُذن لصلاة المغرب وقام الكل يصلي جماعة وقام المتعاركون بإحتضان بعضهم البعض وانتهت الحكاية، وبدأت في سؤال نفسي: من هؤلاء؟ ومن يكونون؟ وقمت بالسؤال عنهم وجاءت الإجابة أن هؤلاء "جماعة الإخوان".
بعدها بأيام قليلة قام هؤلاء الأشخاص بتنظيم محاضرة وحضرتها وبدءوا في إعطائي كتبًا لأقرأها وبدأت أتعرف عليهم أكثر، وكنت كأي شاب صغير أندفع تجاه أي أفكار تأتيني وازداد الاندفاع للمعرفة والقراءة والمتابعة لأنهم صنف من الناس فيهم حنان والكبار فيهم يعطفون على الصغير ويتكلمون معه ليس على أنه صغير، ولكن على أنه كبير وشعرت أنني أجد احترامًا منهم رغم صغر سني وبدأت الحكاية في التصاعد".
وهي دي حدوتة الصناعة الإخوانية وحكايتهم في استخدام "الدين" بنعومة وحنان وعطف والدخول بعدها للمعتركات السياسية لتهديد وتخريب الأنظمة المستقرة، بل وهدم الإنسان ذاته عبر حرائق جهنمية!