رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

النهارده 23 يوليو

لعلي في عنوان المقال أشارك د. محمد عفيفي فيما ذهب إليه في عنوان مقاله الأسبوع الماضي "فى ذكرى 23 يوليو " في الامتناع عن تعريف المناسبة (ثورة أم انقلاب) بشكل مؤقت، حيث أشار "ربما انتبه البعض إلى أننى ذكرت ٢٣ يوليو فى العنوان دون توصيف محدد، فعادةً ما يسبق ذكر ٢٣ يوليو كلمة ثورة، وفى المخاطبات الرسمية فإن المصطلح المستخدم هو ثورة ٢٣ يوليو. وفى الحقيقة لا أستطيع أن أخفى تعمدى وراء اختيار العنوان على هذا النحو، الذى قد يبدو باردًا، ولا يحمل توصيفًا معينًا لما حدث فى هذا اليوم المشهود فى تاريخنا، يوم ٢٣ يوليو ١٩٥٢ لقد حاولت أن نبدأ نقاشًا هادئًا من نقطة البداية، لنتعلم جميعًا حرية الحوار، وعدم الانغلاق على الذات، وأهمية الرأى والرأى الآخر، ومع قدوم ذكرى ٢٣ يوليو تشتعل وسائل التواصل الاجتماعى بطرح السؤال "المشكلة" : هل ٢٣ يوليو ثورة أم انقلاب؟!..".
وفي الواقع فإن كاتبنا الكبير لم يبدأ أو يفتتح نقاشًا هادئًا من نقطة البداية، فهي النقطة الأسخن للسؤال التقليدي الذي يطرحه أهل الفكر والرأي كل عام وبغرابة غير مفهومه ، ولا يمكن أن نتعلم عبر طرحه في البداية كيف نمارس حرية الحوار بعد إطلاقه حكم أولي مُشكك في أحداث مر عليها ما يقارب 70 سنة ، ويلحق بسؤال مفكرنا " هي ثورة ولا انقلاب؟" السؤال الذي يردده البعض في كل المناسبات "اليوليوية " والناصرية " بترفع وادعاء التفرد بمعارف علوم وأحداث التاريخ الحديث " وماذا تبقى من تلك التي تطلقون عليها ثورة يوليو "؟


ومع ذلك ظل عصر عبد الناصر يمثل العصر الذي ارتبط فيه المواطن المصري بتراب وطنه وبدرجة رائعة من الولاء والانتماء، أراه على ذلك الحال لوجود مشروع وطني مُعلن وهام وجاذب وحيوي في زمانه على المستوى الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، ساعد على إبرازه إعلام موجه شديد الحرفية في الإقناع، وقوى ناعمة شكلتها جبهة أو كتيبة من أهل الإبداع في كل المجالات .. لقد صدقوا الأحلام الناصرية، واستطاعوا أن يقدموا إنجازات عبد الناصر عبر الغنوة والمزيكا واللوحة الفنية والقصيدة والرواية وكل فنون الأدب إلى الجماهير بروعة واقتدار وإخلاص المحب العاشق للتجربة الناصرية، على المستوى المحلي والعربي والإفريقي في أعمال خالدة ارتبط بها وبمبدعيها الناس في الشارع والحارة وكل زقاق بكل قرى ومدن المحروسة ...
وكان من أهم أهداف الثورة التي تعلقت الجماهير بحلم تحقيقها " العدالة الاجتماعية " والتي سارع "ناصر" بعد أيام قليلة من تسلمه مقاليد الحكم لتحويله من حلم إلى واقع على الأرض، وكانت البداية بمشروع الإصلاح الزراعي وتوزيع الأراضي على المعدمين من الفلاحين، وغيرها من الإنجازات التي تكفل التعليم والصحة والسكن والغذاء والثقافة ..
ولكن في كثير من الأحيان، كانت أفكار وتوجهات الزعيم تُفهم بشكل خاطئ أو مبالغ فيه ، ذكر الكاتب "مصطفى عبد القادر" أن الدكتورة هدى عبد الناصر ابنة الزعيم الراحل قد حكت هذه النادرة " بعد حفل العشاء الذي أقيم في 23 فبراير 1970 بمناسبة زيارة الرئيس اليوغسلافي تيتو إلى القاهرة . عاد ناصر إلى منزله، واتصل بعدد من الذين حضروا الحفل، ويقول أنه قد لاحظ أن زوجاتهم كن يرتدين ملابس رخيصة وغير أنيقة، فهل فعلن هذا حتى يتظاهرن أمامي بالفقر ؟ إنني أعلم أنهن يرتدين أفخر الثياب في الحفلات الخاصة التي يحضرونها .. فلماذا يتخذن هذا المظهر أمامي وفي حفل رسمي . إنني لست داعية للفقر ولا للبهدلة .. إنني ضد الاستغلال والملكية المستغلة .. لكني لست ضد الرخاء ولا الأناقة  "..
وصار تأكيد ناصر على تحقيق مبدأ " تكافؤ الفرص" بين مواطنيه هو غايته ومشروعه الهام ..
في مناسبة إرساء حجر الأساس للكاتدرائية الجديدة بالعباسية، وفي خطابه الرائع حينئذ أكد على ذلك المفهوم ، قال "بالمحبة، بالإخاء، بالمساواة، بتكافؤ الفرص نستطيع أن نخلق الوطن القوى الذى لا يعرف للطائفية معنى، ولا يحس بالطائفية أبدًا، بل يحس بالوطنية التى يشعر بها الجندي فى ميدان القتال. على هذا الأساس سارت الثورة، وكنا نعتقد دائمًا أن السبيل الوحيد لتأمين الوحدة الوطنية هو المساواة وتكافؤ الفرص".. تلك القناعات وغيرها كان يؤيدها ويترجمها على الأرض حالة الوئام النسبي بين الناس في عصره ، فكانت أيام حكمه هي الأقل رصداً لأحداث طائفية أو مذهبية، وأعتقد أن ازدهار فنون الموسيقى والغناء والمسرح والسينما في العصر الناصري كانت من بين أهم الأسباب التي ساهمت في انشغال المواطن وتعلقه بالقيم الجمالية التي لا تسمح بانتشار التعصب والكراهية ورفض الآخر ، فالعملة الحسنة تطرد العملة الرديئة دوماً .. 
أما سؤال "هي ثورة ولا انقلاب؟ " بعد 69 سنة يحيى ذكراها الشعب والحكومات والرؤساء بخطابات واحتفالات، وتشغل حكاويها مناهج ومقررات كتب التاريخ التعليمية وتصمنت أحداثها أفلام ومسرحيات ودراما وأغاني، ولما نزلت الجماهير في 25 يناير رفعت شعاراتها وصور زعيمها ، ولما نزلوا في الثورة الأعظم في 30 يونيو وتفويضهم الرئيس " السيسي " كانت لإسقاط حكم جماعة ناهض وجودها وأودع رموزها " ناصر " السجون فحقق " السيسي" للشعب الثائر حلم استعادة الهوية بعد أن تم تمكين أولاد المرشد من البلاد والعباد في حقب أنظمة سابقة للأسف.. هل يمكن بعد كل تلك الأحداث والتبعات أن نسأل "ثورة ولا انقلاب؟ " ولماذا وماذا يفيد التشخيص والتعريف الآن؟!.
أما سؤال "وماذا تبقى من ثورة يوليو؟ " ، فليسأل السائل عن من اعتمدوا أنظمة الانفتاح الاستهلاكي الاستهبالي والخصخصة واحتكار أهل الحظوة من القطط السمان لأثمن مقدرات البلاد والعباد ومنعوها عن ملح الأرض.. فليسأل السائل عن من أطلقوا علينا رموز الإرهاب بعد إخراجهم من السجون.. لقد تشكلت على الأرض سمات واقع جديد مغاير تمامًا ، بل ومُحطمًا لكل الجهود والمشروعات التي بدأتها "يوليو" بنجاح!.. 
وفي ظل الجمهورية الجديدة الآن وبحمدالله يتم العمل باقتدار ووعي ومسئولية ونجاح لبناء واقع جديد لنلحق ما فاتنا من فرص لتحقيق "مصر تانية" كما وعد الرئيس "السيسي" باتت ملامحها واضحة في عيون الناس وأفئدتهم ..